مقالات وآراء

فلسطين أفريقيا

أحمد داؤود
منذ حوالي عقد من الزمان ، قدم روبرت كولنز ، استاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا في كتابه ذائع الصيت _ تاريخ السودان الحديث_ نبوة لربما كانت مشؤومة بالنسبة للسودانيين لكن يبدو انها في الطريق الي التحقق.
ففي سياق تشريحه لابعاد الأزمة في دارفور تنبأ كولينز “إن الدارفوريون سوف يصبحون فلسطينيي أفريقيا”.
يرتكز كولينز في نبوئته علي انعكاسات الأزمة والأساليب التي اتبعتها الحركة الاسلامية ومليشيات الجنجويد في سياق عمل ممنهج لازاحة وتهجير الكيانات الافريقية واستبدالهم بمستوطنين جدد من دول الجوار.
وعلاوة علي القمع المفرط والقتل علي اساس الهوية ، استخدم الجنجويد وجنرالات الحرب الاسلامويون طرق و أساليب اخري لتركيع الدارفوريون وارغامهم علي الاستسلام والتصالح مع الواقع الجديد الذي فرض بقوة المدافع والبنادق .
لقد كانوا يحرقون المزارع والمتاجر ويدمرون المحاصيل وينهبون الماشية والاملاك العامة . ادي ذلك الي تدمير كامل للبنية الإنتاجية والاقتصادية لكافة الكيانات التي تم تصنيفها كحواضن للتمرد . وعبر هذه الأساليب فصل آلاف من المزارعين الصغار عن وسائل انتاجهم وتحويلهم لمتبطلين يعتمدون في معيشتهم علي فتات الإغاثة.
بعد الخامس عشر من إبريل ، سارت قوات الدعم السريع، النسخة الاحدث للجنجويد علي ذات النهج.
حيث قتلت آلاف المدنيين في دارفور علي أسس عرقية وازاحت شعوب اصلية من مراكزها الحضارية ، بينما سطت علي المتاجر والمنازل وحرقت ما تبقي منها بشكل ممنهج .
لقد كان جنود الدعم السريع المنفلتون يحطمون متاجر الهواتف والذهب ويستولون علي كل ما بداخلها.
افضي ذلك بدوره الي تخريب وتدمير كامل لاقتصاد الجماعات التي صنفت كأعداء أو اعداء محتملين .
تفرض هذا القوات الآن حصار كامل علي شمال دارفور بإستثناء مناطق صغيرة . كما سبق وان دمرت القري المنتشرة علي طول ريفها الشمالي .
وتوظف أيضا الإغاثة كسلاح لشراء الولاء وإرغام الدارفوريون علي تقديم فروض الطاعة.
وبعد مرور حوالي عام من الموجة الثانية للحرب ، ينقسم الدارفوريون الي صنفين .
صنف يعيش كغيرهم من السودانيين في مخيمات النزوح واللجوء. وصنف اخر يستمتع بامتيازات ومغانم الحرب ويحظي بالسلام والاستقرار مع شكل من إقتصاد الحرب يرتكز علي الاحتكار والتهريب والنهب . وهم من الموالين لمليشيا الدعم السريع.
علي اي حال ، وفي ظل هذا الحصار الذي يعيشه الدارفوريون ، ومع استمرار انتهاكات المليشيا من قتل علي أسس عرقية وتدمير ممنهج للبني الإنتاجية والاقتصادية يبقي السؤال مهما هل يمكن ان تتحقق نبؤة روبرت كولنز ويصبح الدارفوريون “فلسطينيي” إفريقيا؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..