أخبار السودان

متطلبات سوق العمل في زمن الحرب.. أعمال تتصدر المشهد اليومي في الخرطوم

 

الخرطوم: العفراء

في صباح نشاز خرجت الخرطوم عن العادة، لم تتسابق الحافلات على جاكسون وشروني، لم تأتي الظهيرة على الموظفين وهم يشربون القهوة في شارع الجمهورية منذ ذلك الصباح الذي خرج فيه العمال من مصانعهم والموظفين من شركاتهم والطلاب من مدارسهم مذعورين، لم تعد الحياة كما كانت بالنسبة للكثيرين.

فالحرب دمرت، وشتت، وجوعت الجميع، والبعض الذين لم تقتلع جذورهم عواصفها تأرجحوا بين عدم الأمن والاستقرار والجوع، فما كان منهم إلا أن خلعوا خبرات سنين ماضية ليرتدوا خبرة الصبر بهدف البحث عن لقمة العيش.

هذا ما جعل نورالدين الذي كان موظف بإحدى الشركات يعمل في بيع الفحم إذ يقوم بجمع الحطب وحرقه لينتج عنه فحم للاستخدام اليومي بسبب عدم توفر غاز الطبخ في منطقته، ولا يختلف الحال كثيرا عند مريم التي كانت تعمل بإحدى المعامل الصحية وهي اليوم تقوم بعمل البسكويت والأطعمة لتتحصل على مصاريف تعينها وزوجها في المعيشة، أما الشاب مؤيد الذي كان يعمل سائق ركشة، توجه بعد قلة المشاوير ومنع قوات الدعم السريع حركة الركشات بمنطقته لفتح طبلية لبيع المواد الغذائية.

والكثيرين تحولوا إلى تجار يجلبون بعض البضائع من المناطق البعيدة على المواطنين وبها خطورة الاصابة ببعض القذائف الطائشة، ولكنهم يجازفون في سبيل لقمة العيش، وهناك من يقوم بذراعة بعض الخضر وبيعها في السوق، ومن يبيعون الخبز بعد جلبه بمعاناة من صفوف الأفران، ولا يختلف الحال كثيرا عن عثمان سائق الكارو كوسيلة مواصلات وهو في الأصل طالب جامعي فيقول : ” بنلقط في لقمة العيش في أي شغلانية نطلع بيها مصاريفنا”

وهذا حال الكثيرين الذين مازالوا في مناطق الصراع، وساء بهم الحال بعد توقف المرتبات وعدم وجود مصادر دخل ثابتة ولا حتى بيوت الإيجار التي كان يعتمد عليها معظم أهل الخرطوم.

اليوم من لا يملك إبن أو أخ مغترب يسند وضعه المعيشي تجده يخوض حرب ضروس مع قسوة الحياة اليومية والبحث عن لقمة تسد جوعه.

مازالت الحرب تلقي بظلالها والناس في مواجهة مصير مجهول فتقول الحاجة أحلام: ( أنا أصلا كنت بشتغل ست شاي بس بعد الحرب دي الوضع بقى صعب وماف زبائن وفي خطورة في الحركة، بقيت أنا وبتي نقيف في صف العيش ونجي نبيعه، لكن أسى الناس بقت ما بتشتري زي أول عشان العيش كل يوم سعره ماشي في زيادة والدقيق غالي الناس بقت تأكل كسرة وقراصة، ياهو بقينا نلقط في لقمة العيش ببيع أي حاحة تمشي حالنا، الله يعين بس).

تمر الشهور ونخشى أن نوصفها بعد فترة بالاعوام والشعب يعاني من نهايات غير محددة، يصارعون من أجل البقاء وكسب لقمة عيش حلال في ظروف غلب عليها الحرام والطرق الملتوية. يصارع الناس بمبادئهم تداعيات الحرب، يجمعون فتات ارزاقهم التي ربما سرقت منهم أو استقطعت كجبايات في الارتكازات حتى تصل لبيوتهم وبالكاد تسد رمقهم. ورغم ذلك وهم بين مطرقة العمليات العسكرية وسندان النهب والسرقات لا يعوزهم الأمل في تغير الحال بين ليلة وضحاها كما أنقلب دون إنذار، يسند بعضهم البعض بعبارات الدعاء وأمنيات أقتراب الفرج وعودة الخرطوم لسابق عهدها وأمنها وخيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..