مقالات وآراء

من يفرعن الفراعنة ؟

عبد القادر دقاش
يحكى أن الرئيس الراحل جعفر نميري خطب ذات مرة في الاتحاد الاشتراكي بعد أن استشفى من المرض الذي ألم به ، وبعد أن ظن كل الظن أن لا نجاة منهة .. حتى أنه فكر طويلا وقدر كيف يكون مصير هذه الأمة السودانية من بعده ، ومن لليتامى والثكالى والأرامل والفقراء والمساكين من بعد موته .. لذلك خطب فيهم قائلا : مؤمنا واثقا : (وما محمد إلا رسول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم…) وكأن الإمام المفدى جعفر نميري كان يرى أن الشعب سيرتد من بعده عن دينه الجديد الذي ارتضاه لهم.. وقد نعجب الآن عندما نمر على سنوات حكم جعفر نميري ، والذي كان معه في كابينة الحكم  علماء أفذاذ ومفكرين كبار وسياسيين خبروا دنيا ذلك الزمان ، أنهم كانوا لا يقلون تملقا (إلا قليلا منهم) عن العامة التي كانت تحيط بالتعايشي في سنوات حكمه التي يراها بعض السودانيين أنها من أسوأ الفترات التي مر بها السودان، وقد نجد العذر كله في زمان التعايشي .. فالناس كانت تعيش في الضلالات الموروثة من الدولة السنارية التي حفلت بها وثيقة ود ضيف الله .. حتى جاء  المهدي لنقض كل المذاهب التي  قبله إلا ما اتفق عليه الخلفاء الأربعة ، وكان يرى أن الناس اجتمعوا على الضلال في الدولة الأموية والدولة العباسية وصولا للاتراك العثمانيين الذين بدلوا وحرفوا الدين ، الذي جاء (المهدي) ليعيده سيرته الأولى ، أبيض ناصعا كما نزل في عهده الأول.
لكن يجب علينا أن لا نعجب من أمر الحكام ، ولا نعجب من أمر نميري الذي يروى أنه لم يترك حفل ختان أو زواج أو سماية في أحياء مدني إلا وكان فيها حاضرا ، ويحكي عنه زميله في الدراسة ووزير ماليته في  حكمه “إبراهيم منعم منصور” أن نميري كان محظوظا لأنه كان سباحا ماهرا يستطيع أن يقطع النيل من ضفة حنتوب إلى ضفة مدني حاملا ملابسه على ظهره ، هاربا من الداخلية بينما يقضى زملاؤه الآخرين أمسياتهم يتبادلون كاسات المريسة في أحياء حنتوب .. والمريسة عند السودانيين لم تكن خمرا ولا حراما قبل أن يعيد تعريفها الأخوان المسلمون والسلفيون ونميري فيما بعد .. يروى أن عبد الله زكريا جاء إلى ندمائه في حنتوب قائلا : جيت أودعكم لأني انتميت للأخوان المسلمين .. لذلك لن أشرب الخمر مرة ثانية .. فقبل الندماء خياره في الانتماء للجماعة ، ولكنهم لم يقبلوا وصفه للمريسة بأنها خمر ، فالخمر هناك في الضفة الأخرى من مدني والتي يشق نميري من أجلها عباب النهر.
والعجب كل العجب من أمر المثقفين الطليعيين والعلماء الأفذاذ الذين يجعلون من هؤلاء الرجال الذين ولدوا وعاشوا وترعرعوا وشربوا المريسة كغيرهم ، ملائكة طاهرين ، ومصلحين منقذين لا يأتيهم باطل من بين يديهم ولا من خلفهم.. ويدافعون عنهم ويكيلون لهم المدح والثناء حتى يكاد الحاكم يصرخ : أنا ربكم الأعلى .. وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .. لذلك صرخ نميري في أهل مدني قائلا : إنه يعرف ما يجري في هذه المدينة تحت الجسور من فواحش. وعزا الضنك الذي تعيش فيه المدينة إبان حكمه “جزاء وفاق على معاصيهم”.. وقال مثله لأهل كسلا ، عند فيضان القاش : إنهم عصوا الله وفسقوا فحق عليهم العذاب؟!..ونميري ينتهج هذا النهج ولا يبالي لأن هناك من يبرر ويؤيد ويشيع ذلك بين الناس .. وكان أول من انبرى لإرضاء غريزة الخرافة في النميري هو “دكتور” من كبار أساتذة العلوم الطبيعية في جامعة الخرطوم .. والذي أصبح من أقرب مستشاري نميري في خرافاته ، والثاني هو محامي من ألمع المحامين الذين درسوا القانون على يد الترابي .. اسمه ، عوض الجيد ، والذي كان يدعي : أنه يصبح ووسادته مليئة بالرسائل من النبي صلى الله عليه وسلم لنميري .. وعندما يدخل عوض الجيد القصر الجمهوري لمقابلة نميري كان يلتفت يمنة ويسرى في ردهات القصر محييا الملائكة التي تملأ جنبات القصر الجهموري .. وعندما قررت بعض اللجان الاقتصادية زيادة أسعار بعض السلع ، قيل أن السماء تدخلت وخفضت الأسعار .. وغير ذلك كثير .. وورثت الإنقاذ عن نميري الشيخ بله الغائب الذي وعد البشير في إحدى جلسات المؤتمر الاقتصادي بأنه سيسخر له  الجن لكي يستخرج البترول ، لكن بعض الطامعين العاطلين سألوا بله الغائب أن يطلب من الجن أن يكثر لهم من الدولارات.
والتاريخ كما يقول منصور خالد:” يزور في حاضره ناهيك عن المستقبل يزوره الأدعياء ويزوره الذين يكتبون دوما ولا يقرأون أبدا ويزوره اللاهون الهازلون…”  وما تزال النخب تصنع العجائب التي لا تنقضي مصائبها.

تعليق واحد

  1. يحكى أن رجل بادية من السودان كان يتصف بالكرم والضيافة ..اذ جعل ديوانه على قارعة طريق المسافرين …بحيث كان الديوان فاتح على الشارع …(.والشارع فاتح على القلب )…يستريحون به من وعثاء السفر…مع إطعامه للطعام للضيوف مهما كان عدد وعديدهم
    اكتشف هذا الديوان بعض ( الرمتالة ) في أنحاء المنطقة …ومن ثم اصبح محطتهم التي لا يغادرونها إلى للعودة إليها بعد كل فترة واخرى
    وكان هذا الرجل كلما دخل عليهم … ( بعد إرسال ما لذ وطاب لهم من الاكل مسبقا …) …
    يسالهم ….دقش ….ولا …دقش ..
    مداعبا ومستفسرا .بمعنى هل الضيافة في المستوى المطلوب …ام لا ….وكان جميعهم يجابون بصوت واحد …..دقش يا شيخنا
    غير ان الشيخ المضياف قصد أن يلقنهم درسا بالامتناع عن ( الرمتلة ) …لذا اول ما حط الجماعة رحالهم بالديوان في إحدى المرات …سافر هو واهله لبعض شأنهم دون ان يشعرهم ……وبالتالي لم يكن هناك يخدمهم …
    ومن سوء الحظ ..ضربت الجماعة ( زيفة .. وبرد من امو ..)فى هذا الديوان الخالى لأول مرة منذ عرفوه من صواني الضيافة
    الطريف عند عودته اليهم سألهم ضاحكا ومشاغلا لهم بعبارته المألوفة….دقش …..ولا ما ….دقش….
    فرد عليه جميعهم بصوت واحد
    دقش وين يا شيخنا …
    فيا أخي…الدقاش …عندك دقش ممتع ورصين رصانة في الموضوع …وجزالة في التعبير
    وبموجب تفويض نحن مخاليق حزب الغلابة …نقول لك ادقش ….بالحتة اللي فيها الدقاش…
    فقط …حاسب ان تصل الفشفاش…
    خالص تحياتي وتقديري لك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..