عدوى السلوك وسياسة القطيع؟!

كيف يحدث السلوك الجمعي، أو تكوين القطيع؟؟
مفهوم: العدوى الإجتماعية:
كثيرًا ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال مثل كيف انتشرت مثل هذه الأفكار السخيفة والتافهة في مجتمعاتنا؟، كيف تحوّلت هذه الأفكار إلى قضايا يدافع عنها الأفراد وينصبون العداء لمن ينتقدهم فيها، ولماذا يحدث أن نرفض الأفكار ثم ما نلبث إلا أن نقبلها!. ولماذا نشعر أننا صرنا فجأة مقلّدين لفكر آخر وجماعة أخرى، أو حتى شخص آخر ربما نرى فيه شيئًا مثاليًا؟ ومن ثم كيف تنتشر الأفكار في المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة؟ في هذا المنشور لن نتطرق للدوافع النفسية والاجتماعية بقدر ما سنتحدث عن الآلية الاجتماعية التي تُحدث كل هذه التغيّرات
هناك مصطلح في علم الاجتماع يسمى ب “العدوى الاجتماعية”، مفهوم هذا المصطلح بسيط، وهو يشابه مبدأ العدوى في الطب، أي أن الشخص المصاب بمرض معدي يمكن من خلال قيامه بسلوكيات محددة أن ينقل هذا المرض لشخص غير مصاب به، تعمّد ذلك أم لا.
ذات الأمر ينطبق على التفاعلات الاجتماعية، أي أن سلوك جماعة ما داخل المجتمع أو خارجه مع امتلاكها لسلطة أو علو ثقافي أو علمي أو سياسي أو أيدولوجي أو ما إلى ذلك، يمكن أن يؤثّر على سلوك جماعة أخرى، بتغيير أفكار أو توجيهها أو التأثير عليها.
وبين هذا وذاك إذ تتجسّد أمامنا هُويّتان: هُويّة العقل واللّاعقل، ومنهج الباحثين عن الحقيقة، والمزيّفين لها من أرباب المصالح..هُويّة يُحرّكُها العقل والبحث عن الحقيقة، وهُويّة مدفوعة بالأهواء والمصالح. وأخطر ما في المسألة هو تغليف المصالح بالمقدَّس الديني، إنه اختلاف الانتماء، بتعبير الفيلسوف طوسكانو، وجود أشخاص يفكّرون في مجتمع يرفض التفكير، مجتمع حريص على صناعة القطيع!!!.
لماذا القطيع إذن؟؟🐑🐂
القطيع سهل الترويض، ينقاد بلا مساءلة ولا انتقاد، القطيع لا يفكر، لا يستشرف المستقبل، القطيع يعيش على التقليد والاجترار، القطيع يحمد الله على الكلأ والأعلاف، القطيع جاهز للتناطح لا التطارح، القطيع ممنوع من ممارسة التفكير وامتلاك أفكار يتطارحها، لنجد أنفسنا أمام التصور السبينوزي حين تُحوِّل السلطةُ الفاسدةُ الأفرادَ إلى حيوانات وآلات صماء، آلات تتحكّم فيها آليات السلطة التي أنتجتها، وتُحركها هائجة ضد المخالفين، مادامت السلطة هي التي تشرف على برمجتها، والبرمجة هنا هي المقدَّس الديني، وردة الفعل تجاه من يخدشه قد تكون قاتلة.
كثير جدًا من سلوكياتنا تُبنى على هذا الأساس، بعضها يدخل في شكل من أشكال “الضبط الاجتماعي”، وهي آلية لضبط سلوك الأفراد داخل المجتمع الواحد، حتى تصبح لدينا سلوكيات مشتركة تعزّز من ثقافة القطيع، وصناعة الغباء في آن واحد!.
سواء كانت تلك الأفكار سخيفة من الناحية المنطقية،أو عقلانية لدى البعض..إذ لا يتطرّق معظمهم للغاية من هذا الفعل بقدر تطرقهم للفعل!.
وإن كان الفعل هو الذي يُحدث تلك السلوكيات التي تزيد من عوامل الارتباط بين مكوناته. لتتشكّل بالنهاية تلك المقولة المشهورة في علم الاجتماع [ لا أحد يأمر، لكن الكل ينفذ !]. وبتشكّل الملامح العامة للمجتمع بعاداته وسلوكياته تنتظم الخطوط الأساسية وحتى التفصيلية للمجتمع بصورته الكليّة.
وكان ذلك نتيجة أبحاث عديدة منها على سبيل المثال: فقد قام بعض العلماء بتجربة على مجموعة من قرود الشنبازي- تحديدًا- لمعرفة السلوك الجمعي، أو العقل الجمعي للقطيع..لأن هذا النوع أقرب إلى السلوك الإنساني.
فأحضروا عدد خمسة قرود ووضعوها في قفص حديدي، وداخل القفص سُلّمًا في أعلاه فاكهة الموز، ثم أحضروا ماءً مغليًّا، فكلما أراد أحد القرود تسلّق السلم لأخذ الموز، رشوه بالماء المغلي فنزل، ويصعد السلم أحد غيره، فيقومون برشه بالماء المغلي فينزل، وهكذا حتى نال كل واحد من الخمسة قرود نصيبه من الماء المغلي دونما يأخذ شيئًا من الموز.
وبقي القرود ينظرون إلى الموز في رغبة ولهفة ولكن يخشون من الرش بالماء المغلي!.
ثم قام العلماء بإخراج واحد من الخمسة وإدخال واحد جديد مكانه.
فلما رأى الموز في أعلى السلم تسلّق مسرعًا لأخذه، لم يرشه العلماء بالماء المغلي هذه المرة. ولكن في سلوك غريب أمسك به القرود الأربعة وأنزلوه دونما يعرف السبب!.
ثم أخرجوا واحدًا من الأربعة الأوائل وأدخلوا مكانه آخر جديدًا..فلما رأى الموز حاول تسلق السلم فأمسك به الأربعة ثلاثة من الأوائل ورابعهم الذي لم يرش بالماء المغلي وأنزلوه من السلم قبل أن يصل إلى الموز وهو لا يدري لماذ أنزلوه.
ثم أخرجوا واحدًا من الثلاثة وأدخلوا مكانه آخر، ففعل مثل الاوائل ولكن تفاجأ أن الأربعة ينزلونه دون أن يعرف السبب.
وهكذا فعل العلماء، كلما أخرجوا واحدًا، أدخلوا مكانه آخر..ولكن القرود تفعل مثلما فعلت مع السابق!.
فخلص العلماء إلى أن السلوك الجمعي يصنع الغباء، ويرفع من درجته لدى الجماعة، والأمة، والشعب..ويحوّل الأفراد والجماعات إلى قطعان بشرية ليس إلّا..ثم ينتظم السلوك من تلقاء نفسه، لا أحد يأمر لكن الكل ينفّذ..!.
ولعلّ الكثير منكم قرأ أو سمع بقصة “خرفان بانورج” في الأدب الفرنسي التي رواها الكاتب: ” فرانسوا رابلي “.
وبانورج هذا كان على متن سفينة تحمل قطيعًا من الخراف بغرض بيعها لتاجر يدعى ” دندونو “، فوقع شجار بين بانورج ودندونو، فقرّر بطريقة ماكرة أن ينتقم منه، فطلب أن يشتري منه خروفًا وأغراه بالسعر العالي، ولجشع التاجر وافق على الصفقة، فاختار الخروف الأكبر وأعطاه ثمنه.
وفي مشهد غريب أمام التاجر أخذ دندونو زعيم الخراف من قرنيه وجرّه إلى طرف السفينة وألقاه في البحر، فما كان من أحد الخرفان من القطيع إلا أن تبع خطى زعيم الخرفان، فقفز وحده من السفينة..وهكذا تتابعت بقية الخرفان الواحد تلو الآخر في تدافع زرافاتٍ ووحدانًا، قفزًا من السفينة وسط محاولات يائسة من التاجر الجشع منعها من القفز. ولكن دونما فائدة وسط دهشة وحسرة من دندونو.
فكان إيمان الخرفان بما يفعلونه بقدر من الرسوخ أعلى من أن يُقاوم.
وبدافع الجشع حاول الإمساك بآخر الخرفان لإنقاذه، ولكن كان الخروف يقرّر مصيره مثلما مصير إخوانه القطيع فأسقطه معه ليموتا سويًّا غرقًا.
وخلصوا من هذا المشهد المأساوي إلى التعبير الشائع في الأدب الفرنسي ب “خرفان بانورج”!.
يعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء وأفعال الآخرين!.
وما يطلق عليه ” سياسة القطيع أو القطعان البشرية “، التي تتبع -بلا توطين للنفس- زلّات البشر ونزواتهم وأهوائهم ورغباتهم.
قال الله تعالى في أمثالهم:
” إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ “.البقرة: (170).
وقال أيضًا: ” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ “..الزخرف: (22).
وقال كذلك: ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ “..لقمان: ( 21 ).
وعن مثل هذا بكّت الله عزّ وجلّ عليهم، وعن أسفهم وندمهم يقول : ” وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا “..الأحزاب: ( 67 ).
على الجانب الآخر، وفي مشهد مختلف تتشكّل العدوى الاجتماعية في إطار سلطوي، يسعى لتغيير مفاهيم المجتمع من خلال استخدام عديد من الوسائل التي تعمل على إكراه الأفراد على اعتناق ما بدا يومًا ما مستحيلًا، هذا الإكراه قد يغلّف بالعديد من الأساليب التي تعمل على خلق واقع جديد، وتعد قوة الحديد والنار إحدى تلك الوسائل..
وقبل ذلك استغلال السلطة المادية أو المعنوية لفرض الأمر المعيّن بالقهر والإكراه، وتحت التهديد بالإقصاء والنفي، والحرمان من الحقوق الواجبة شرعًا وعقلًا وعرفًا، والإقدام على تنفيذ ذلك الوعيد ولو أدى إلى ضرر أبلغ قد جاءت الشريعة لدرءه وصونه، عملًا بالمقاصد الكليّة للشريعة الإسلامية!.
———————-
حمزة محمد حمد
[email protected]
وأن كان المقال معاد الا أن تداخلنا هنا لدوافع أعمق من التى يملكها الدوش فى ردنا السابق , فالكاتب لم يواتيه الصواب حين حمّل المسئولية لكامل المجتمع , فالسودان كغيره من المجتمعات البشرية ينقسم الى عوام , مثقفين , نخب , سياسيين , اعلاميين , ادباء و غيرها من التصانيف المتخصصة.
ولعل الصورة الموضحة للمقال التى تعكس الذئاب التى تقود القطيع هى أبلغ من كل التداخلات السابقة و اللاحقة.
فأن كانت هناك ثمة مسئولية مباشرة , فهم المثقفين و الادباء و النخب و السياسيين و القائمين على وزارة الاعلام و التربية وواضعى المناهج التعليمية , فالدوش و خيرى و على المك و الطيب صالح و الكلية الحربية و الطائفية و الحزبية و الادارات الاهلية هم من يقع على عاتقهم رسم ملامح مجتمعاتهم و الدفع بحضارتها.
فأن كان هناك فشل كارثى ومعلن و غير مسبوق بشريا , فقد سبق لمنصور خالد منذ عقود و نيف أن انبرى بسفره المشهور _ النخب السودانية و أدمان الفشل. وأن حصر أعلانه على السياسيين دون المثقفين و الادباء و الفنانين و المبدعين السودانيين.
تبقى الحلول المتبعة هى أتباع خارطة الطرق التى وضعتها الدول التى سبقت السودان فى هذا المجال ( بما فيها العربية ) وذلك بأيفاد شركات أجنبية تقوم على اختيار موظفى الخدمة المدنية و تؤسس للمناهج التعليمية و المنح الدراسية وهيكلة الاجهزة الاعلامية و برامجها للعمل على بناء مثقفين و نخب حقيقية بعيدا عن التمكين القبلى و الجهوى و الحزبى و الطائفى و العسكرى , و أتاحة الفرص لموهبىّ البلاد بعيدا عن الشلليات و الاعاقة الذهنية السودانية. ** ( مع تحييد وزارة التربية و التعليم تماما عن أى كوادر سودانية مهما بلغت وطنيتها أو وعيها ) **
فوزارة التربية و التعليم بما فيها التعليم العالى – هى اليد الخفية التى أدارت و تدير كل المشهد السودانى.
ولو قدر مراجعة أمتحانات الشهادة السودانية و امتحانات الجامعات و البعثات الدراسية , سينكشف أكبر عوار فى التاريخ السودانى , ولكن ذاك أمر أخر …
ونعم , سيرتطم ذلك بالخدر الاصيلين ومصالحهم وقد يخلق ثورة مضادة , ولكن قد يكفى شرف المحاولة.
كالأخيدر , أعتقد أنك تحمل ذهنية غير خدراء ولا أصيلة و سمحة و سينتهى بك الامر بعراقى شفاف و نكس عزابة معتقلا فى غرفة جالوص يتساقط من سقفها الصارقيل و ينتابك الضانقيل و لن تكون لك سوى وجبة واحدة لا تخرج اصنافها عن الويكاب و تكشو و شعيفة !.
ربما فى الاعياد ستجود عليك النخب السودانية بأم فتفت بعد أن يبصقوا على وجهك ببعض اللبن تعميقا للاصالة فيك و اعادة هيكلة وعيك البغيض و تحويله لوعى أغبش أبنوسة ورع أخدر أصيل وسمح.
و أن كان ثمة عزاء فى ذلك , فأنك عندما يتحول وعيك الى الأخدر السمح , ستكون مؤهلا حينها لأحدى الوزارات و البعثات الدبلوماسية وربما حتى للرئاسة !!.