جنوب كردفان: السلام الاجتماعي جسرا للحياة

اسماعيل هجانة
في ظل الصراعات والنزاعات التي تمزق نسيج المجتمعات ، يظل السلام كالقبس من السماء الذي تهتدي به النفوس الضالة إلى شواطئ الأمان والمحبة والحياة. لا سيما في مناطق مثل جنوب كردفان وجبال النوبة بالسودان، حيث تتداخل الأزمات الأهلية مع تنوع الثقافات والإثنيات، وتكتسب فكرة السلام الاجتماعي والتعايش السلمي أهمية بالغة لا كمجرد حل للنزاعات، بل كأساس لبناء مستقبل مزدهر لانسان الاقليم الذي ظل ضحية سياسات فرق تسد التي أورثته الحروب والفقر والجهل والمرض.
اقليم جنوب كردفان جبال النوبة، يمثل نموذجاً للتحديات التي يمكن أن يعالجها السلام الاجتماعي والتعايش السلمي. فيه تتجسد آثار النزاعات الأهلية المدعومة سياسيا وامنيا في تمزيق الوحدة المجتمعية وتفتيت الألفة بين الشعوب المتساكنة عبر التاريخ. أولئك الذين يغذون هذه الصراعات لا يسهمون ليس فقط في تعميق الجراح، بل في تأخير عملية البناء والتنمية، واستمرار التبعية والخضوع للترهيب لضمان استمرار نهب ثروات الإقليم المختلفة من مركز السلة الذي لا يعطي سكان الاقليم اي اهمية او قيمة.
السلام الاجتماعي والتعايش السلمي، بوصفه جسر الحياة، يمكن أن يكون الأداة الفاعلة لإعادة بناء الأمل والوئام المجتمعي. هو الوسيلة التي من خلالها يمكن للشعوب المتنوعة أن تجتمع على أسس من العدالة والمساواة، محتفية بتنوعها بدلاً من أن تجعله مصدر تفرقة. في سياق مثل جبال النوبة، يجب التأكيد على أن السلام ليس فقط نهاية للنزاعات الاهلية، بل بداية لمرحلة جديدة من الازدهار والتعايش السلمي.
إن العمل من أجل السلام يتطلب جهوداً جماعية ورؤية شاملة تتجاوز الحلول العسكرية لتشمل الحلول الاجتماعية والاقتصادية. ينبغي التركيز على بناء مؤسسات تعزز حاكمية القانون وتضمن حقوق جميع المواطنين بلا تمييز. كما يجب الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، لأن تحسين نوعية الحياة يعزز من قدرة المجتمعات على تبني السلام والابتعاد عن دوافع النزاع.
فلنعمل جميعاً من أجل مجتمع يحتفي بتنوعه، في دولة تتسم بالمواطنة الحقيقية والعدالة والمساواة. هذه الجهود ستضمن أن تكون الحروب الحالية هي الأخيرة في تاريخ بلادنا. الأساس الذي يجب أن نبني عليه هو الاعتراف بأن السلام أكثر من مجرد غياب الحرب؛ إنه تحقيق للعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتآخي بين جميع أفراد المجتمع.
تتطلب هذه العملية تغييرًا في العقليات والسياسات وتحتاج إلى قيادات تؤمن بالعدل والمساواة ولديها الإرادة لتحقيق ذلك. يجب أن تكون القيادات قادرة على إلهام المواطنين وتوجيههم نحو مستقبل يسوده التعاون والاحترام المتبادل. علاوة على ذلك، ينبغي تشجيع المبادرات المجتمعية التي تعزز الوحدة الوطنية وتعمل على حل النزاعات من خلال الحوار والتفاهم المتبادل.
في هذا السياق، تأتي أهمية دعم المشاريع والبرامج التي تعمل على تعزيز السلام والتعايش بين مكونات المجتمع المختلفة. يجب أن تكون هذه المبادرات شاملة وتستهدف جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الشباب والنساء والقادة المحليين، لأنهم يلعبون دورًا حيويًا في تحقيق التغيير المستدام.
من خلال التركيز على التعليم والتوعية، يمكننا غرس قيم السلام الاجتماعي والتعايش السلمي والتسامح والاحترام المتبادل في الأجيال القادمة. التعليم يمكن أن يكون أداة فعالة في تحويل النظرة الضيقة التي تسبب النزاعات إلى فهم أوسع يحتفي بالتنوع ويقدر الاختلافات كثروة وليس كسبب للانقسام.
بناء السلام الاجتماعي في جنوب كردفان وجبال النوبة يتطلب جهدًا متواصلاً والتزامًا طويل الأمد، لكن بالتأكيد النتائج ستكون مجزية. عندما نعمل معًا من أجل السلام والتعايش، لا فقط ننهي النزاعات، بل نبني أسسًا راسخة لمجتمع يزدهر فيه الجميع.