مقالات وآراء

قراءة في تجربة الحركة الشعبية شمال : تجربة تستحق التأمل

اسماعيل هجانة 
في ذكرى تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ، يتوجب علينا الوقوف وتأمل تجربتها في جنوب كردفان ، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع مشروعها الفكري والسياسي الذي لا ينكره إلا مكابر. هذه التجربة التي بدأت بالنضال ضد دولة منحازة حيث أدركت شعوب جنوب السودان منذ وقت مبكر خطل وخطر تلك الدولة. فقد بدأ النضال ضدها بفضل الفهم العميق لطبيعتها الجشعة والمتوحشة في التنكيل بكل من ينادي بالإصلاح ، وهي الدولة التي تعاني من خلل بنيوي ، مما أورث السودان الحروب والنزاعات والصراعات المستمرة إلى يومنا هذا. هذه الدولة المنحازة تتفنن في خلق الأعداء الداخليين والخارجيين ، لتستثمر في الخوف والجوع والمرض والجهل ، بغية الحفاظ على امتيازاتها. هذا الحدث التاريخي لم يهز فقط الحياة السياسية في السودان ، بل مهد الطريق لفصل جنوب السودان وإنشاء دولة جديدة مما يعكس قوة وإصرار تلك الحركة في مواجهة الظلم والسعي نحو مستقبل أفضل، بغض النظر عما تحقق بعد الانفصال في جنوب السودان والصعوبات التي صاحبت الدولة الوليدة ، وهو ليس موضوع هذا المقال الذي يتناول جنوب كردفان.
بعد انفصال الجنوب ، أصبحت الحركة الشعبية شمال في جنوب كردفان الوريث الشرعي لإرث الحركة الشعبية الأم . ومع ذلك ، لم تتبنى الحركة مفاهيم مشروع السودان الجديد كما تم التنظير له. ظلت الحركة متقوقعة وغير منفتحة على المجتمعات المحيطة بها ، رغم المبادرات التي طرحت لتقليل الاحتكاكات وتعزيز قيم التعايش السلمي والسلام الاجتماعي. تم تقزيم مشروع السودان الجديد، الذي كان بمثابة حلم كبير يهدف إلى بناء سودان موحد يعزز قيم العدالة والمساواة ، في حدود ضيقة. كان بالإمكان تحقيق أكثر من ذلك بكثير لو تم استثمار الفرص المتاحة لتعزيز الحوار المجتمعي والتفاهم بين مختلف المكونات السودانية. لكن ، تقوقع الحركة وتجاهلها لتلك المبادرات أدى إلى فقدان فرص ثمينة لتحقيق تغيير حقيقي وجذري يمكن أن يخدم جميع أبناء السودان.

ارتبطت عزلة الحركة الشعبية بالأخطاء التي وقعت فيها بعض المجتمعات المحيطة بها ، نتيجة للفراغ الذي استطاعت الدولة المنحازة توظيفه بذكاء ودهاء لصالح سياسة فرق تسد. استخدمت الدولة بعض المجتمعات ، خاصة العربية منها ، بما فيهم النوبة في إقليم جنوب كردفان جبال النوبة ، ككلاب صيد لصالح مشروعها. لم يكن يهم الدولة سوى الحفاظ على التناقضات للحفاظ على امتيازات الثروة والسلطة.
فوقعت الحركة الشعبية في هذا الفخ بدلًا من فهمه وتحليله ووضع استراتيجيات تستوعب هذه التناقضات وتحولها إلى فرص لصالح المجتمعات ككل. فشلت الحركة في تجاوز مرارات الماضي ، مما أفقدها فرصة كبيرة لتكون ثورة ملحمية تستوعب طموحات ومخاوف الجميع برحابة واحترافية ثورية.
بدلاً من السعي نحو الانفتاح والتواصل مع المجتمعات المحيطة بها ، ظلت الحركة الشعبية متقوقعة وغير منفتحة ، مما زاد من حدة الاحتكاكات والتوترات. كان من الأجدر أن تنخرط الحركة في حوارات مجتمعية متعمقة لتعزيز فهم مشروعها ومناقشة مخاوف المجتمعات المحيطة ، وتحويل التناقضات إلى نقاط قوة وفرص للتعاون والتنمية.
يجب على الحركة الشعبية أن تأخذ هذه التجربة كدرس لبناء استراتيجيات أكثر شمولية وفعالية في المستقبل. يتطلب ذلك فهمًا عميقًا للتطورات الاجتماعية والسياسية في السودان ، والانفتاح على المبادرات التي تعزز التفاهم والتعاون بين مختلف المكونات المجتمعية.
الاحتفال بالعيد الـ41 لتأسيس الحركة يمكن أن يكون فرصة للمراجعة والنقد البناء ، من خلال إيجاد طرق خلاقة لتعزيز السلام الاجتماعي والسياسي في المنطقة ، وتحويل الصراعات الطويلة الممتدة إلى فرص جديدة يمكن أن تخلق واقعًا مختلفًا.
كان من الأجدر أن تنخرط الحركة الشعبية في حوارات مجتمعية متعمقة لتعزيز فهم مشروعها ومناقشة مخاوف المجتمعات المحيطة بها. فقدت الحركة بذلك فرصاً كبيرة للتمدد والانفتاح والاستفادة من قيمة التنوع والتعدد في دفع مشروعها نحو آفاق تتماشى مع قيم السودان الجديد. هذا الحلم الذي رنوا إليه العديد من المواطنين ، حرمت الحركة من قوته الكامنة بسبب النظرة الأمنية الضيقة والقومية الأضيق.
يتطلب فهم الواقع المعقد في جنوب كردفان من الحركة الشعبية التعمق بوعي وبصيرة نافذة في حقيقة التطورات الاجتماعية والسياسية في السودان. هذا الإقليم ، الذي يعاني من صراعات طويلة الأمد ، يحتاج إلى استراتيجيات مدروسة وشاملة تضع في الاعتبار التعقيدات الكامنة والمتعددة الأبعاد فيه.
ينبغي على الحركة الشعبية أن تكون أكثر انفتاحاً على المجتمعات المحلية المحيطة بها. هذا الانفتاح يشمل بناء جسور التواصل والتفاهم مع هذه المجتمعات ، والاستماع إلى مخاوفهم واحتياجاتهم. يجب أن تدرك الحركة أن التفاعل الإيجابي مع هذه المجتمعات يمكن أن يخفف من التوترات ويعزز من فرص التعايش السلمي.
تتطلب المرحلة الحالية استيعاب المبادرات الرامية لتعزيز التواصل بين مختلف المكونات المجتمعية. هذه المبادرات يمكن أن تشمل تنظيم لقاءات حوارية ومؤتمرات مجتمعية تجمع بين ممثلي الحركة والمجتمعات المحلية لمناقشة القضايا المشتركة وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات القائمة.
تجسير الهوة بين الحركة والمجتمعات يتطلب جهوداً مستمرة لتعزيز التفاهم والتواصل الفعّال. يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج تعليمية وتوعوية تهدف إلى نشر قيم التسامح والتعايش السلمي، وتعزيز المعرفة بحقوق الإنسان والمساواة.
لتكون الحركة الشعبية أكثر قرباً من وجدان المجتمعات، يجب أن تعمل على رفع كفاءة وفاعلية العملية النضالية. هذا يتطلب تبني استراتيجيات جديدة تشمل التدريب المستمر لأعضاء الحركة على مهارات القيادة والحوار، وتطوير خطط عمل تركز على تحقيق أهداف مشتركة مع المجتمعات المحلية.
من المهم أن تتعامل الحركة مع التحديات المشتركة بروح من التعاون والشراكة مع المجتمعات المحلية. هذا يتضمن العمل سوياً على مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والمياه النظيفة، بما يسهم في تحسين جودة الحياة لجميع السكان.
يجب على الحركة أن تعترف بالتقصير المتبادل من كلا الجانبين وتعمل على تجاوزه من خلال بناء علاقات تقوم على الثقة والاحترام المتبادل. يمكن تحقيق ذلك من خلال الاعتراف بأخطاء الماضي والعمل على تصحيحها، والتعهد بالالتزام بقيم العدالة والمساواة في التعامل مع جميع أفراد المجتمع.
يتطلب فهم الواقع المعقد في جنوب كردفان من الحركة الشعبية التعمق بوعي وبصيرة في التطورات الجارية، والانفتاح على المجتمعات المحيطة بها. يجب على الحركة أن تستوعب المبادرات الرامية لتعزيز التواصل وتجسير الهوة، وأن تعمل على رفع كفاءة وفاعلية العملية النضالية لتكون أقرب إلى وجدان المجتمعات. بهذا النهج، يمكن للحركة أن تسهم في بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لجميع سكان جنوب كردفان.

يجب أن يكون الاحتفال بالعيد الـ41 لتأسيس الحركة مدخلاً لإشراقات نقدية ومراجعات تنجم عنها مساحات بعيدة عن سياسة الغبن والمرارات، والانفتاح نحو المستقبل. يمكن ذلك من خلال إيجاد طرق خلاقة تعزز السلام الاجتماعي والسياسي في المنطقة، وتخلق بيئة جاذبة للتعاون، محولةً الصراعات الطويلة الممتدة إلى فرص جديدة يمكنها أن تخلق واقعاً مختلفاً بطريقة مذهلة.
الأجيال التي تؤمن بالحرية والسلام والعدالة والمساواة يجب أن تحول هذه القيم من مجرد شعارات إلى أفكار واقع. يمكن ذلك من خلال تغيير النهج السلوكي الذي يفتح آفاقاً أرحب لصالح إنسان جنوب كردفان، وتعزيز التعايش السلمي بما يخدم التنمية المستدامة والاستقرار في المنطقة.

إن نقد تجربة الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق يعطينا فرصة للتأمل والتعلم من الأخطاء وتعزيز الحوار المجتمعي. يجب أن تكون ذكرى التأسيس فرصة لمراجعة الذات والانفتاح على المستقبل بإرادة قوية ورؤية واضحة لتحقيق السلام والتنمية في السودان.

تعليق واحد

  1. لما يكون الزول فارغ و ما عندو شغله اهو يكون حاله يلبس بدله كحلية ويتصور ثم يقطع الجمار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..