
كاد أحد (السودانيين) أن يرفع يده مقاطعا ، ليضيف ويثرى ويناقش ويجادل حول ، (القلم ما بزيل بلم) .. ويضيف إليه مثلا آخر ، (ما كل قارئ متعلم) . باعتبار أن هذين المثلين من أعمق ما نحت السودانيون من أمثال .. لكن لحسن حظ المستمعين أن منتدى (تيد) و(تنوين) لا يسمحان بالمداخلات ، ولا بالأسئلة ، ولا بالاعتراض ، وهذا أفضل ما جاء بعد فوضى وسائل التواصل .. التي يتداخل فيها الناس في أي شيء ، ويتكلمون في كل شيء ، ويسألون ويجيبون عن أي شيء ، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. حتى وإن كان الحديث عن كتاب من الوزن الثقيل والذي يحتاج منك أن تقتطع من عمرك أياما عديدة لقراءته وهضمه وفمهه ، يأتي من يناقشك فيه دون أن يقرأ حتى عنوانه ، وربما قال (إن كان أمينا) ، أنا لم أقرأ الكتاب ولكني فمهت من حديث الكاتب أنه يقول ، كذا وكذا ، وأنا اعترض على كذا وكذا…! .
وفي منتدى (تنوين) ابتدر المتحدث الأمريكي (وهو أحد أساتذة جامعة استانفورد العريقة) ، حديثه عن أهمية تطوير التعليم قائلا : (القلم ما بزيل بلم) . مبينا أن التنوير كله يدور حول هذا المثل (السوداني) الذي يلخص ما نلف وندور حوله ، فالقلم أداة تعليمة بسيطة وهي الأداة الأولى التي عرفتها البشرية ، ولكن الأدوات التعليمية مهما بلغت بساطتها أو تعقيدها فإنها لا قيمة لها إن لم (تزيل) الجهل المركب في الإنسان ، والجهل المركب هو غير الأمية ، فقد تجد متعلما (جاهلا) ، وتجد بالمقابل أميا (عاقلا وحكيما)، فالتعليم أحيانا يكون مجرد معلومات تستخدم دون أن تغير بنية التفكير الموروثة أو تصحح التصورات الخاطئة.
والبلم والبلامة في العامية السودانية عبارة عن غطاء في أسفل الوجه تسخدمه المرأة ، ويقال للمحتار (متبلم) ، ( سألت فلانا فتَبَلّم) ، أي تحير ولم يحر جوابا ، وللمتعلمين ، هو الجهل المركب وفي المثل : أَبْلَم مُوشقي شقي البتكلم معاه. فالمتعلم يبقى في كثير من الأحيان أسير عاداته وفكره وسلوكه فلا يستطيع مبارحتها أو إعادة النظر فيها لأنه مقتنع بكمال هذه العادات ، ويعتبرها مصدر فخر لأنه ألفى عليها آبائه فهو على دربهم سائر.
ومما يحكى أن إحدى القرى الهادئة الواعة احتفلت بمحو أمية آخر شخص فيها لا يعرف القراءة أو الكتابة ، وصارت القرية كلها من المتعلمين ، وهي بالتالي القرية الأولى في السودان وربما في العالم (حسب ظنهم بالعالم) تقوم بهذا العمل الكبير الجليل . وتنادى أبناء القرية من كل فج وصوب لحضور هذا الحفل المشهود ، ودعوا لفيفا من الأكاديميين والسياسيين ، وأقاموا مهرجانا خطابيا مجيدا لم يترك شاردة أو واردة في مدح القرية وأهلها إلا قالوه ، ولم يتركوا وصفا في نشأتها وأصلها إلا ساقوه، وتلوا على مسامع الحاضرين أسماء العلماء من أهل القرية في المجالات كافة ، وزعموا أن لا حضارة قائمة أو مندثرة في تاريخ السودان إلا وكان لهم فيها عرق ودم.
لم يمض وقت طويل على الاحتفال الذي حشر الناس فيه ضحى ، ولم يتقادم عهد الصحف التي طارت بالخبر ، حتى مر بالقرية التي يقرأ جميع أفرادها (تانكر) محملا بالوقود ، ولسوء حظ (التانكر) أنه اصطدم بإحدى الشاحنات التي تمر بذات الطريق ، وبدأ الوقود في التدفق منه ، وكان شهود العيان الذين هرعوا إلى جلب مواعينهم لتلقف الوقود المتدفق ، يقرأون الكلمات التي كتبت بخط أحمر عريض وواضح: خطر ممنوع الاقتراب ، سريع الاشتعال ، ووضعت بجانب هذه الكلمات (الأشد وضوحا) علامة تحذير ، وقد درسوها من ضمن المقرر ، الذي نالوا بموجبه شهادات تثبت ذلك.. ولكن (التانكر) ، اشتعل (للأسف) واحترق كثير من هؤلاء المتعلمين (المتبلمين).
مقال جسد الواقع تحية وتقدير وياريت الصحفيين يكتبوا في بلاوينا ياخي لمن تصادف لايفات او غرف وبها نساء ورجال سودانيين واغلبهم اوربا امركا لا لديهم علم دنيا ولا علم دين الله الحنيف ولا يعرفون مناطق السودان ولا طبيعة العيش فيه ويخوضوا في نقاشات غير صناعة الفتن والعنصرية وتسمع حجم السب والالفاظ البذيئة ياخي انا ما كنت متخيل في يوم اسمع لفظ بذيء من فتاة سودانية لو امراة كبيرة وهو غير مقبول لكن قد تكون مرت بظروف نفسية ومرضية حول محيطها من سفلة … الجهل او الجاهلية الكثير يعتبرها فترة تاريخية لكن الصحيح هي صفة ملازمة كل الدهر والتاريخ المعنى لها صفة وليست مدة زمنية … الشق الاخر في الجهل مرض العنصرية والعصبية القبلية ومن نشر العنصرية والقبلية والجهل هم الذين نالوا قسطا واسعا من العلم والتعلم المجاني وعلى حساب الدولة ثورة ديسمبر دفع ثمنها شباب السودان اولا اراقة الدماء كانت من نصيبهم المدارس الجامعات ضيعوا سنين وانقطاع لو بكرة فتحت لم يساعدهم المكنكشين بالسلطة …