مقالات وآراء سياسية

ايقاف الحرب … ذلك التحدي الكبير

د. محمد حمد مفرح
الجزء ٢/١
نظرا لتداعياتها الكبيرة ، واسعة النطاق على أكثر من صعيد ، وغير المسبوقة والتي قلبت الحياة في السودان رأسا على عقب ، فقد أصبحت الحرب بالسودان عبئا ثقيلا على المواطن يصعب ان لم بستحيل تحمله. وبعيدا عن محاولة حصر هذه التداعيات نظرا لأنني سبق وٱن عددتها وتناولتها بالتفصيل ، كغيري من الكتاب والمحلليين السياسيين ، فمن الممكن اجمالها في الاثار السالبة والاضرار البالغة والواسعة التي طالت المواطن والممتلكات ومقدرات البلاد وخلافها. وقد تضاعفت هذه التداعيات وانعكست افرازاتها على الوطن والمواطن على نحو بالغ مع استمرار الحرب واتساع نطاقها وبروز تعقيداتها وما ألقته من ظلال جد قاتمة على الحياة العامة بالبلاد
لذا فقد غدت امال المواطن السوداني تشرئب الى اليوم الذي تضع فيه الحرب اوزارها حتى يستعيد توازنه النفسي الذي فقده جراء هذه الحرب ويتهيأ لحياة طبيعية  قوامها الامن والسلم المجتمعي Societal peace والاستقرار ، تعود معها حياته لسيرتها الأولى. وليس ثمة من شك في ان معاناة المواطن جراء هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني قد تضاعفت اكثر فأكثر نظرا لأنها تمثل تحد غير مألوف و مكابدة لم يعهدها من قبل ، ما جعله امام اختبار حقيقي لقدراته وتعامله مع ظروف استثنائية Exceptional circumstances تتجلي من خلالها  تحديات فوق العادة لم يألفها من قبل.
وليس أدل على بلوغ التأثيرات المدمرة للحرب منتهاها من ادانة طرفيها من قبل عدة جهات سودانية وخارجية مع فرض عقوبات  ضدهما بواسطة امريكا جراء انتهاكاتهما المتكررة للقانون الدولي في شتى صوره.
ولما كان الانسان ، بحكم تكوينه النفسي وطبيعته ، ينزع الى تحاشي ركوب الصعاب ويصعب عليه التأقلم مع الظروف غير المالوفة ، لا سيما تلك التي تورث المعاناة الشديدة ، فقد صار المواطن السوداني يتوق الى اليوم الذي تضع فيه هذه الحرب  اوزارها ، ويحلم فيه بحياة يظللها الأمن والسلم ،  يجد فيها نفسه وتتواصل فيها سيرورة حياته الطبيعية. وتبعا لذلك فقد جأر هذا المواطن بالشكوى بلسان الحال ولسان المقال معا بعد أن واجه الموت وعاني من انعدام الامن على نفسه وممتلكاته ثم ذاق مرارة النزوح واللجوء وشظف العيش وخلافه مما لا يعد ولا يحصى من صنوف المكابدة. وبذا فقد اصبح من الطبيعي أن يحلم بوضع نهاية لهذه الحرب عاجلا غير اجل ،  ويضع امالا عراضا على الحراك الذي تقوم به القوى المدنية بهدف تحقيق حلمه هذا.
من جانب اخر فان واقع الحال السياسي بالبلاد يعكس ازمة حقيقية متطاولة لا تبشر ، للأسف الشديد ، بخير كونها تعد ازمة مركبة يصعب تفكيكها في ظل عدم توافر معطيات الحل الفوري لهذه الأزمة ، على الاقل في الافق المنظور. ويتمثل ذلك في أن احد طرفي الحرب ، وتحديداً قيادة الجيش ، قد اعلن صراحة ، اكثر من مرة ، موقفه الرافض لايقاف الحرب وعزمه على المضي قدما في خوضها ، مهما كلف الأمر ، ضاربا بذلك عرض الحائط بكل افرازاتها المدمرة وحلم المواطن بوقفها. وقد ظل هذا الطرف يبرر موقفه الرافض لايقاف الحرب بعدم ايفاء الطرف الآخر (الدعم السريع) بالتزاماته التي سبق وأن تعهد بها عبر توقيعه اتفاق بينه وبين الجيش ، في احدي جولات التفاوض بمنبر جدة ، يقضي بانجاز هذه الالتزامات المتمثلة في الخروج من الإعيان المدنية ومنازل المواطنين وخلافه من شروط. ومما لا شك فيه أن هذا الموقف مثل وسيمثل حجر عثرة في طريق إيقاف الحرب ومن ثم المضي في كل مطلوبات تفكيك ازمة الوطن ، اذا ما تم العزف على وتره هكذا لوحده دون الوقوف على الحيثيات الأخرى المرتبطة به من اجل ايجاد مخرج من ازمة الحرب الدائرة.
وإذا ما اردنا ان نخضع مبرر قيادة الجيش هذا الى التحليل المجرد ، الموضوعي، غير المتحامل وغير المنحاز ، بعيدا عن الوقوق على كل تفاصيل الاتفاق المذكور ، ودون الغوص في جدلية الازمة بكل تعقيداتها ، للتأكد عن مدى وجاهة هذا المبرر من عدمها ، إذا اردنا ان تفعل ذلك يمكننا التأكيد على ان هذا المبرر لا يستند الى منطق داخلي مقنع ، على أي وجه قلبناه ومهما حاولنا سبر اغواره. ذلك انه يتعين على  قيادة الجيش اقناع الجماهير والوسطاء بمنبر جدة (المملكة العربية السعودية وامريكا) بانها ، أي قيادة الجيش ، حريصة على إيقاف الحرب وتحقيق كل ما يستتبع ذلك. وهذا بستلزم ، ببساطة ، قيامها بتلبية دعوة الوسطاء الخاصة بجولة التفاوض الجديدة المزمع عقدها بجدة بهدف ايقاف الحرب وغيره من مطلوبات ملحة ، بدلا عن التصريح بعدم. ايقافها بناء على المبرر سالف الذكر. بمعنى اخر يمكن لقيادة الجيش حضور جولة التفاوض المزمع عقدها والافصاح خلالها عن مبررها او حجتها ذات الصلة بعدم ايقاف الحرب بناء على عدم ايفاء الدعم.السريع بالتزاماته المشار إليها ، وبالتالي الطلب من الوسطاء الزام الدعم السريع بالوفاء بهذه الالتزامات حتى لا  يكون ذلك سببا مفتاحيا في استمرار الحرب. وعلى الوسطاء البت في هذا الرأي او الحجة بناء على نص الاتفاق وسماع رد الدعم السريع وبالتالي الخلوص الى نتيجة تدعم حجة الجيش ومن ثم الزام الدعم السريع بالوفاء بالتزاماته او نقض حجة الجيش بمسوغات وحيثيات موضوعية تستند الى نص الاتفاق ومنطق الاشياء حسب الحيثيات المتوافرة وخلافه ، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الحرب بكل الوسائل الممكنة التي يمكن ان تحمل الطرفين المتقاتلين على النزول عند إرادة الجماهير السودانية ومراعاة مصلحتها مع  الحرص على تماسك كيان الوطن وصيانة وحدته المهددة بالتداعي.
ومما يجدر ذكره ، في هذا الصدد ، ان هنالك حاجة لممارسة ضغوط حقيقية ومخلصة من قبل طرفي الوساطة وكل القوى الاقليمية والدولية ذات التأثير المبرا من الغرض من اجل حمل طرفي القتال  على إيقاف الحرب و الوفاء بالمطلوبات الأخرى.
غني عن القول ان طرفي القتال مطالبان بشدة ، باسم الدين والدواعي الوطنية والانسانية وخلافها ، بالحكمة والاستماع لصوت العقل مع مراعاة ظروف الوطن والمواطن في ظل هذا الظرف الدقيق من عمر الوطن ، من اجل اتخاذ قرار تاريخي لوقف الحرب فورا.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..