مقالات وآراء

مأساة الإنسان الإفريقي

 

عاطف كمبال

في معركة الوجود بين الذات المُهدرة وأسئلة الحياة المصيرية ؟
تُطِل مِحنة الإفريقي، علي عتبة العصر الحالي، بوجه أكثر وضوحاً، يُجسد ملامح المأساة الراسخة، منذ أزمنة منسية في كهوف الاستعباد، وعصور الكولنيالية المُظلمة، وطغيان الإنسان وجبروته على أخيه.
ليجد الإفريقي نفسه ، مثل فريسة حائرة وعالقة بين، فخاخ مصائد عصر المادة ، وبين مطحنة الرأسمالية، المتوحشة بتقاليدها القاسية.
وقيم العصر الحديث تنسج شباكها مثل، العناكب السامة علي اقتصاديات دول، إفريقيا وإنسانها الفقير، لتُسلب ما تبقى لديه من روح المقاومة للبقاء على قيد الحياة.
*******
محنة الإفريقي تبدأ ،بتكوينه البيولوجي، وهو ما زال يتخلق جنيناً في رحم أمه، لأن احتمالية خروجه إلى رحم الحياة سليماً ضئيلة، الطفل الإفريقي، لا ينمو كبقية اطفال العالم في بيئة وظروف صحية، طبيعية، تبدأ أولي معاركه، كضحية لفقر أمه إفتقادها لأصول الرعاية الأولية والصحة الإنجابية، ليواجه بعدها جحافل، أمراض الطفولة الستة، التي تحاصره لتفتك به ،،وكيفية النجاة منها والنمو طبيعياً، بدون إعاقة تلازمه مدي حياته وتزيد معاناته.
*********
ثم تتدرج إشكالاته، من شكله الفيزيائي، وبنيته الجسمانية، وصولاً إلي لون بشرته الأسود، جالب اللعنات، ثم تنتقل إلى ضميره، المُنهك بالعذابات المخبئة ،في تجاويف الذاكرة، وخلايا الدم المُحتشدة، بماضي الأسلاف، المليء بالآلام، وذهنه المُثقل بأسئلة الهوية والبحث عن الذات المُضّيعة.
إذن فمأساة الإفريقي هي عُقدة مركبة، ومتداخلة بين محاولة الإفلات من الكوابح الإجتماعية، وبين التخلي عن الموروث العقدي، وماضي الأسلاف، تحت ضغوط ومتطلبات الواقع ومبررات توسيع، المخيلة والفكاك من أسر التقاليد وتأثير الميثولوجيا الشعبية، التي تمثل مستودع القوة والتاريخ في حياة الشعوب الإفريقية. مما يصعب مسألة الذوبان في قيم العصر الحديث، ويجعلها مهمه شاقة و شبه مستحيلة.

******
الإفريقي يعيش حالة نزاع بين فكرتين مُتناقضتين، احداهما قائمة علي قهر الفكرة الأخري ،بين الإرث الهائل وتركة الأسلاف وبين تأثير الحقبة الكولنيالية بتمظهراتها والتشويش الثقافي الذي فرضته عليه.

*******
يقول: المثل الافريقي “إلى أن يُسمح للأسد أن يكتب فإن التاريخ سيكتبه الصياد”.

وكذلك ينسحب الأمر ، ليصير المثل، حتى ينهض الإفريقي ستظل شروط ،نهضته وتطوره مرهونة ،بما يضعه العصر الحديث، من اشتراطات التحول الإجتماعي، والدخول إلي عهد الرقمنة الحياتية، والسماوات المفتوحة بالستالايت والأقمار الصناعية.
*******
رغم أن الإنسان الإفريقي دفع ثمن التحول باهظاً وبفاتورة مفتوحة، منذ عهد الإستعمار وإلي الآن ، ومن دون أن تعود عليه، تلك التضحيات بما يؤهله، لأن يساهم في البناء الحضاري للإنسانية، ولكن هكذا يتم اختزال تضحياته والتنكر لها ،لتضاعف لديه المُعاناة.

فالحضارة الإنسانية، بكل ما توصلت إليه، من ثراء ورُقي وقيم إنسانية تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء والمناطق المحظورة والخصوصية الشخصية.

تقف الآن هذه الحضارة ،امام اختباراً صعب، حول مدي وفائها والتزامها بقيمها الإنسانية. تجاه الإفريقي وحقوق إسهامه التاريخي فيها. سوي مرحلة مظلمة مليئة بالظلم والسخرة والاسترقاق ونهب الثروات والموارد.

********

قارة متخمة بالكنوز وعجائب الطبيعة وأسرار الله المخبئة، بترابها المخلوط بعبق الوجود. قيل أنها مهد الحياة البشرية والوجود الأزلي للإنسان، وقيل عنها بلاد الشمس المشرقة وإليها يعود أصل الحضارات، وتراكم المعارف البشرية.

إفريقيا جغرافيا ،مزقتها الاطماع الاستعمارية، والمصالح السياسية، وفتكت بإنسانها، الصراعات الطاحنة، المستمرة وافترسته الأمراض، والاوبئة.

أرض الحروب ونزيف الدماء الابدي. حتي صارت مسرحاً مفتوحاً ، لعرض الكوميديا المأساوية ،وخيوط النهايات المؤلمة، في صورتها البشعة الخالية من الرتوش.

تلفظ ابنائها، إلي اعماق البحار، عبر محيطات بلا سواحل في زمهرير الصحاري، واحياناً حتي تيبس اجسادهم وتتحلل في رحلة فرارهم منها، تخضبت اراضيها بالدماء ولا تزال تنزف، شبابها بإستمرار، وكأن امعائها صارت مسرطنة لا تحتمل ،وجودهم داخل اراضيها وأن ابقت عليهم ، داخلها فهي تلتهمهم ،بأمراضها وفقرها، وضعفها ورداءة خدماتها. وفساد حكامها وسياسيها، والناجين من ذلك المهرجان المأساوي تفترسهم ،بنيران حروبها العبثية. التي لا تتوقف (افريقيا).

********

فتحول الإفريقي نتيجة لذلك الهدر المستمر إلي كائن متسول للطعام ،بل شعباً وحكومات ، تتطفل علي ولائم الآخرين، بشهية مفتوحة، كما الذباب ،في دراما قدرية وحزينة ،تُجسد التناقض المؤلم، واللامنطق لقارة تعيش علي ،الاستجداء وتسول الفتات ،رغم سخاء اراضيها. باتت لا تعني لإنسانها وسكانها سوي الفناء والقبور المُهيأة لهم ليرقدوا بسلام في ملكوت الله.

*******

إفريقيا قارة الحروب ونزيف الدماء الابدي….مسرح الأحزان المفتوح لعروض (التراجو كوميدي) الإنساني، في صورته البشعة ونسخته المُحدثة ،وكل ما يفوق نطاق خيال، العقل البشري ،في إنتاج الآلام والمآسي، والتناقضات اللامنطقية، في أزمنة البكاء ،من الضحك الهدام، المُسيل للدموع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..