التنمية والحرب في السودان : السلّم والثعبان!

محمد الصادق
في زمن نميري وقفت الحرب لعدة سنوات ، ويبدو أن حالة السلام مكّنت الحكومة من القيام ببعض الإنشاءات التنموية من طرق وجسور وصروح تربوية وصحية ولكن عادت الحرب في ١٩٨٣م قبل خلع النميري بعامين فتوقف كل شيء تقريبا وتوجهت الميزانيات لدعم الحرب وبعد خلع النميري استمرت الحرب وفي عهد الاحزاب بدأ الجيش يشتكي من الاهمال ، وبلغ ذلك ذروته في نهاية الثمانينات حيث بدأت المدن تتساقط في يد الجيش الشعبي الواحدة تلو الأخري فدفع الجيش بمذكرة للحكومة ثم ما لبث أن انقض علي الحكم واستلم السلطة بمساعدة الإسلاميين في حكومة الإنقاذ اصبحت الحرب هي الهم الشاغل للحكومة فرفعت يدها عن التعليم والصحة وزادت اسعار كل الخدمات زيادات كبيرة وصارحت الحكومة الشعب بأن عليه أن《يربط الحزام》 ثم قامت برفع الدعم وتطبيق سياسة التحرير القاسية ، في مطلع التسعينات التي ضغطت كثيرا علي الناس ، وصبر الشعب ، وضحي الناس بأموالهم وأنفسهم طوال فترة حرب الجنوب عشرات الآلاف من طلاب الجامعات ، إرتوت بدمائهم أحراش الجنوب ، وعانى اهلوهم من ضوائق الإقتصاد حيث كانت معظم الميزانية تذهب للدفاع والأمن ثم ظهر البترول وتدفق في نهاية التسعينات ، وصار المورد الرئيسي للميزانية ثم كانت اتفاقية السلام ووقفت الحرب في ٢٠٠٢م ، فأثر ذلك ايجابا علي التنمية ، وقامت صروح تنموية كثيرة ، هي بالطبع اكثر مما قامت به حكومة نميري ، فقد تحسنت الخدمات واستقرت الأسعار ولكن للأسف .. ما إن انتهت حرب الجنوب حتي اندلعت حرب اخري .. بعد اقل من عام .. حرب دارفور ثم انفصل الجنوب ، ومعه البترول فدخلت البلاد تلقائيا في ازمة اقتصادية، منذ العام ٢٠١٢م واشتدت في ٢٠١٣م الذي كانت فيه《هبة سبتمبر》، الحراك السياسي للأحزاب ، الذي تزامن مع ثورات الربيع العربي وظل الضغط السياسي مستمرا لبضع سنوات ، ووصل لدرجة ان المواطنين صاروا يقفون طوابير الأيام والليالي لكي يحصلوا علي أقساط يسيرة من أموالهم في البنوك ، وحدِّث ولا حرج عن صفوف الخبز، الشئ الذي أدي أخيرا الي سقوط نظام الإنقاذ في ٢٠٢٠م حدث اتفاق سلام جوبا لنتنهي حرب دارفور تقريبا ، لكن مرة اخري تندلع حرب جديدة .. في ابريل ٢٠٢٣م .. الحرب الحالية ومع أن الحرب لا زالت في سنتها الثانية لكن الدمار كبير جدا، لأن الحرب شملت معظم الولايات وتركز الدمار في الخرطوم التي كان للأسف بها معظم المؤسسات الصحية والتعليمية والخدمية فتم تدمير منشآت ضخمة ، عالية التكلفة انتظرها الناس لعشرات السنين ، فقد كانت احلاما ظلت تروادهم لأزمان وأزمان وخسر الناس بيوتهم التي استغرق بناؤها وتأسيسها سنين طويلة ، قضاها كثيرون في الغربة مئات المصانع والمخازن وآلاف الماكينات والآليات ، والمعدات الطبية لعشرات المستشفيات والمستوصفات ، نهبت ودُمرت ، والأطباء هاجروا للعمل بدول الجوار : جنوب السودان وكينيا واوغندا .. الخ وكذلك اساتذة الجامعات ، رجال المال والأعمال، كلهم غادروا ، وكثير منهم أعادوا تأسيس اعمالهم ومصانعهم خارج السودان وحتي أن بعضهم ذهب الي دول بعيدة : باكستان وتركيا والهند .. الخ بالأضافة لمن استقروا بمصر واثيوبيا ودول الخليج ، وصارت بعض الدول تغير قوانينها في الاستثمار لأستيعاب رؤوس الأمول السودانية ، وكل اموال السودانيين بالخارج صارت تذهب الي الخارج صرفا علي العقارات والتعليم والصحة واخر ما علمنا – مثلا هو تخفيض الرسوم الجامعية للسودانيين بمصر ومنع المدارس السودانية حتي يتم استيعاب الطلاب السودانيين في المؤسسات المصرية السعودية ايضا بدأت في تخفيض رسوم الإقامة .. هذا كله يعني .. انه بعد انتهاء الحرب سيجد الناس انفسهم أنهم يبدأون مرة اخري من الصفر او بالأحري .. من تحت الصفر ، لأن البناء لن يبدأ قبل ازالة الأنقاض وردم الحفر! نري الآن بعض الناس يشترون الشقق والأراضي السكنية في الخارج ، وفي بعض المناطق المستقرة بالداخل ، وبالطبع سياخذون وقتا حتي يبداوا ويكملوا عملية البناء ، ثم وقتا حتي يتم التشطيب ، ثم ادخال الكهرباء والتوصيل ، ثم الفرش وتجهيز المعدات المنزلية .. ثم .. وثم .. الخ هناك بالطبع بعض الناس لن يجازف مرة اخري ، بالأستقرار بالسودان لكيلا يبدأ من جديد في كل مرة لذلك نري الكثيرين الآن كل همهم استخراج جوازاتهم وتوثيق شهاداتهم ، والمغادرة الي أي دولة بالخارج فالحرب إذن ارجعت السودانيين مئات السنين الي الوراء ، مثلما يحدث في لعبة السلم والثعبان : فقبل ان يكتمل فرحك بصعود السلم ، تجد نفسك في فم الثعبان الذي يرجعك مرة اخري الي البدايات الأولي. وفي بعض الأراجيز التعليمية ، في العهود البائدة : قصة معزة ذهبت لتقتات من المرعي ، فلدغها ثعبان ، فعادت الي البيت ، بين الحياة والموت : خرجت (قَوْت) لمرعاها لاقاها (سنَيْك) وعضّاها عضّاها في ( ماوثها) وودّاها لي (هاوسها) ! ! ! هه .. هه □■□■□■□■ >>> تذكرة متكررة <<< ======= نذكّر بالدعاء علي الظالمين في كل الأوقات .. وفي الصلاة : في السجود والركوع .. وخاصة في قنوت الصبح (الدعاء سراً بعد الركعة الثانية) علي الذين سفكوا الدماء ، واستحيوا النساء ، زواخرجوا الناس من ديارهم وساموهم سوء العذاب ، وعلي كل من أعان علي ذلك بأدني فعل أو قول ، فالله .. لا يهمل ، ودعاء المظلوم مستجاب ، ما في ذلك شك..