قراءة في كتاب : أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية : التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة) ، (11 – 15

بدر موسى
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر ، أيوا ، الولايات المتحدة ، الموزع : دار الأجنحة للنشر والتوزيع ، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية : دار بدوي للنشر ، كونستانس ، ألمانيا ، 2022م
ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000م) ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة
“والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، وبدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين ، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”.
محمود محمد طه ، الثورة الثقافية ، 1972م .
غني عن القول بأن هذا الكتاب لم يتضمن كل شيء عن رؤية طه تجاه التنمية ، ولم يُحِط بكل أبعادها ، وإنما سعى لتسليط الضوء على بعض جوانبها ، فضلاً عن تجديد الدعوة إلى إعادة اكتشاف مشروع طه : الفهم الجديد للإسلام. ولهذا ، وحتى تكتمل الصورة للمهتمين والمهتمات ، فلابد من الرجوع إلى كتابات طه وأحاديثه. كذلك لم تُغط هذه المقاربة ، والتي اشتمل عليها هذا الكتاب ، كل فصول كتاب سن ومحاوره ، وإنما ركزّنا ، بقدر المستطاع ، على الفصول المحورية والمرتكزات الأساسية لرؤية سن تجاه التنمية. ذلك لأننا آثرنا أن يكون حجم الكتاب معقولاً ، فقمنا بإبعاد فكرة تناول بعض الفصول التي وردت في كتاب سن ، منها ، على سبيل المثال ، لا الحصر ، الفصل الرابع : “الفقر كحرمان من القدرة” Poverty as Capability Deprivation ، والفصل السابع : “المجاعات والأزمات الأخرى” Famines and Other Crises، والفصل العاشر: “الثقافة وحقوق الإنسان” Culture and Human Rights. وبالطبع فإن التوسع في المقاربة يتطلب الرجوع إلى مصادرها.
وما تقدم ذكره من اقتطاف من خاتمة الكتاب يمثل عندي نقاطًا كانت من بين أهم النقاط التي حرص الكاتب على التوسع فيها ، والتي رفعت سقف الحوار حول الفكرة الجمهورية ، وتناولها لموضوع التنمية ، وصلته الجوهرية بالحرية ، وبالفرد البشري ، وكل هذا الذي أصبح في الواقع موضوع الساعة الملح ، وتصدر دوائر اهتمام الدول والمنظمات العالمية والمتخصصين المعنيين. فقد تغيرت نظرات الكثيرين من هؤلاء ، وتغير اتجاه تناولهم لموضوع التنمية ، وتجاوزوا المفاهيم القديمة التي ركزت واقتصرت على التنمية الاقتصادية ومعدلات أرقامها ، إلى ساحات التركيز على الإنسان ، واتخذت سياسات ونهج تمليك القدرات موضعها المتقدم في منصات الانطلاق ومشاريع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العملاقة ، مثل مؤسسة بيل وميليندا غيتس (Bill & Melinda Gates Foundation) المؤسسة الخيرية ، التي جعلت من أهدافها الرئيسية ، وعلى الصعيد العالمي ، تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع ؛ وتوسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات ، وهي جميعها مما يركز عليه مدار واتجاه ونهج تمليك القدرات ، الذي يمثل التحول الأساسي في سياسات التنمية.
هل هذا مجرد نموذج للقاء العقول الكبيرة والتطابق في الأفكار والآراء أم نموذج لسرقة الأدبية؟ .
لم أستطع ، ومن المؤكد الكثير من القراء كذلك ، أن اتجاوز خلال قراءتي لكتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير ، ومتابعتي الدقيقة للأمثلة والمقاربات التي وردت في الكتاب ، وملاحظة التشابه الذي ربما وصل إلى حد التطابق في العبارات التي كتبها الأستاذ محمود وتناولها المؤلف في محاور ومواضيع كتابه. ولقد نظرت وتفحصت ، وأعدت البصر كرات عديدات ، فدارت في ذهني عدة تساؤلات منها مثلًا : هل نظر اماراتيا في انتاج الأستاذ محمود؟! وإن كان ذلك كذلك ، فإلى أي مدى؟! ولعل بعض القراء الكرام يشاركونني الرأي في أن التشابه عندما تقارب امثلته نحو الخمسين ، او أكثر ، من الجمل ، والفقرات ، والأفكار ، يكون المرء في حيرة من أمره. فحين يقول الأستاذ محمود: “لنجاح التنمية … لابد من الحرية”، نجده فيما عبر عنه سن قائلاً: “الحرية مركزية لعملية التنمية”. وعلى نفس المنوال يكاد قول سن : “إن المسؤولية تقتضي الحرية”، يوافق قول طه : “إن الحرية مسئولية”. وكذلك قول سن بأن : “الحرية الفردية في جوهرها منتج اجتماعي”، والذي هو عين ما قاله طه : “المجتمع وسيلة موسلة لحرية الفرد”. أيضاً ما جاء في غلاف الترجمة العربية لكتاب سن : “مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر” ، يتشابه ، لما يقرب لحد التطابق ، مع قول الأستاذ محمود : “للفرد على الحكومة حق تحريره من الخوف ، ومن الفقر ، ومن الجهل ، ومن المرض”. ونجد التشابه كذلك في رؤية كل منهما عن التعليم ودوره في زيادة الإنتاجية ، فالتعليم عند سن هو تمليك للقدرة ، بينما يقول الأستاذ محمود التعليم :”بإيجاز نُعَرِّف التعليم بأنه اكتساب الحي للقدرة”. أيضاً عبَّر كل منهما عن قضية اليوم ، يقول سن “الحرية مهمة بشكل حاسم الآن”، ولا يختلف هذا القول مع قول الأستاذ محمود : “الحرية هي طِلْبَة واحتياج إنسان اليوم”.
فهل فعلًا غرف واقتطف من كتابات وأقوال وتناول الأستاذ محمود محمد طه لقضية التنمية ، صراحة أحيانًا ، وبلا مواربة ، وفي أحايين أخرى أعاد إنتاجها بصياغات جديدة؟! أم أن التناص والتوارد والتلاقي بين العقول الكبيرة يمكن أن يصل لهذا الحد؟
هذه تساؤلات بالطبع تحتاج لما يعزز طرحها ، خاصة وأننا أمام بروفيسور كبير، وذائع الصيت ، وهو قامة في مجاله، هي الأكبر في نظر الكثير من المختصين والعارفين بمساهماته ، ومدى اتساع دائرة تأثيرها على مسارات وخطط وبرامج التنمية على مستوى العالم.
إن الأمثلة والأدلة التي حواها كتاب الدكتور عبد الله واضحة عندي وضوح الشمس ، وهي كثيرة وعديدة بصورة تتجاوز في تقديري أن تكون مجرد نماذج لتوارد الخواطر ، والذي نعلمه جميعًا ، ونستطيع تبينه حين نراه أحيانًا ، وأنا صاحب تجربة شخصية في هذا ، عندما كنت أدرس لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة التعليم من جامعة أيوا الأمريكية. وبهذه المناسبة فإن هذه الجامعة هي نفس الجامعة التي نلت منها درجة الماجستير في برنامج دعم التنمية بالعالم الثالث ، Third World Development Support Program ، وخلال دراستي في هذا البرنامج وقفت على الكثير من أدبيات التنمية ، واطروحاتها ، والتي كانت بمرجعيات فكرية وثقافية مختلفةً ، فضلًا عن سياقاتها العالمية والتاريخية، ولم يكن مناخ الاستعمار بعيدًا ، ولم تكن كذلك أشواق التحرر بمعزل عن بعض تلك الأطروحات. أما في برنامج دراستي لنيل الدكتوراه ، فقد درست تناول وأطروحات فيلسوف التعليم الأمريكي جون ديوي ، العالم النفساني والمصلح التربوي الشهير ، الذي كانت لأفكاره ، ولا تزال ، تأثير كبير في التعليم والإصلاح الاجتماعي. واعتبر نفسي من المحظوظين بأني درست فكر جون ديوي على يد تلميذته النجيبة بة البروفيسور كريستين مكارثي ، وإبان دراستي هذه ، لاحظت التلاقي الكبير والمثير في الفكرة والتناول بينه وبين أطروحات الأستاذ محمود في فلسفة التعليم ، ولكن هذا التشابه والتلاقي لا يمكن أن يحدث عشرات المرات ، وفي كتاب واحد، هو الأخطر والأشهر، والذي اتسم بالتناول الفريد لقضية التنمية ، من جوانب ومحاور جديدة تماما ، والتي سبق بها كتاب سن بنصف قرن.
نواصل في الحلقة القادمة.
يا جنا ، محمود محمد طه ده مو الزول الإخترع العجلة؟ لا لا ، ما بقصد عجلة الرالي ولا بقصد عجلة الزمن الفيها الندامه ، لكن بقصد العجلة الواحدة دي البيلتيقوها ويرقعوها عند البنشرجي ، دحين ناسكم ديل يقولون في إنشادهم العرفاني بعد صلاة الأصالة والشاي باللقييمات ، يقولون في ونستهم انه محمود محمد طه هو أول من إخترع العجلة وعشان كده الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس بعد ما إستمع لكلام محمود ، طوالي إقتنع بالفكرة الجمهورية والرسالة الثانية من الإسلام ، وأمر بإنشاء تمثال برونزي لمحمود في وسط روما القديمة وهو لابس عراقي وسروال ومركوب وطاقية وتوب ملفحة ، لكن بعد مات الإمبراطور ، الولد الإمبراطور الوريث الجديد قام بتكسير التمثال ومنع الحديث عن الفكرة الجمهورية في كل الإمبراطورية الرومانية. خسارة والله! لو ما حدث الدمار كان الإرث الفكري الجمهوري العظيم مستمر في كل أوروبا وحتى بابا الفاتيكان كان بقى جمهوري.