المكالمة.. هل تكون سبباً لإقتراب المفاصلة في معسكر دعاة الحرب في السودان؟!

المكالمة المشتركة التي جمعت رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وتم الإعلان عنها مساء الخميس 18 يوليو 2024م وما أحدثه من تطورات وحراك وردود فعل من المؤكد أن ما بعده لن يكون كما قبلها في مسار الأحداث والحرب في السودان، سيما أن المعسكر السياسي والعسكري المساند للحرب داخل الجيش يجابه تصدعات كبيرة باتت واضحة للعيان أكثر من أي وقت مضي، فما ذكره مساعد القائد العام للجيش من حيث التوقيت والمحتوى بالهجوم العنيف على رئيس دولة الإمارات قبل يوم من تلك المكالمة أحد جوانب هذا الصراع ومن المؤكد أن العطا حينما قال قوله ذلك استند على معلومات ومشاورات داخلية تمت وسط القيادات العسكرية في الحد الأدني حول التواصل مع الإمارات ولذلك فإن قوله ذلك ما كان مجرد صدفة أو انفعال.

بالنظر لخبر إعلام ما يسمى بمجلس السيادة المنشور حول تلك المكالمة صباح يوم الجمعة 19 يوليو 2024م بعد ليل طويل من الترقب والانتظار امتد حتى الصباح فإن لغة المخاشنة واستمرار إظهار العداء والتوتر بين الأمارات وبورتسودان عزز الحقيقية التي باتت واضحة للعيان بأن تيار إستمرار الحرب الذي يقوده “الكيزان” المتحالف مع عسكريين وسياسيين وحركات مسلحة في طريقه لخوض مواجهة كسر عظام الظهر مع تيار ثاني مخالف لتوجهاتهم؛ ومن يعرف “الكيزان” يعلم يقيناً أنهم لن يستسلموا بسهولة ولا يوجد سقف توقعات خرابهم فمثلما أشعلوا الحرب مع سبق الإصرار والترصد دون الاكتراث لمصير السودان وشعبه فإن سيناريوهاتهم تجاه كل ما يحقق مصالحهم تظل مفتوحة بغض النظر عن مقدار أضرارها بما لا يخطر على عقل بشر.

يجب عدم استبعاد سيناريو إضافي هو إمكانية قيام العطا بتصدر المشهد المتطرف في الحرب في إطار تقسيم الأدوار تكراراً لذات ما فعله إبان الانتقال بمظهره الحريص على الثورة وقواها والانتقال المدني الديمقراطي وتعزيزه لهذا الأمر برئاسة لجنة التفكيك في ذات الوقت الذي كان يفتت قوى الثورة ويصنع مجموعات تابعة له عبر الأذرع الأمنية ويخرب بها الفضاء المدني.

تكرار هذا الأمر من العطا في حالة سيناريو تقسيم الأدوار هو أمر وارد الحدوث لكن في حال صدق هذا الافتراض من عدمه لن يؤثر أو يمنع حدوث الانفجار والمفاصلة التي تدنو وتقترب وسط مجموعة بورتسودان بين التيار الراغب في هدنة أو وقف الحرب والمجموعة المصرة على إستمرارها حتى النهاية، ولذلك فإن موقف العطا الحقيقي بالتحالف مع “الكيزان” أو حتى “تقسيم الأدوار” ستكون نتيجته عند حدوث الصدام هو ظهور وتبيان موقفه الحقيقي وموطئ قدمه الذي سيختاره مع أي من الطرفين.

يتعقد المشهد جراء الشكوك والتوجس من المواقف الحقيقة لقائد الجيش فهل يريد فعلاً وقف الحرب أم يناور ليكسب بعض الوقت ؟ وأياً كان موقفه الحقيقي فإن القوى المدنية والسياسية والمجتمعية المنادية بوقف الحرب ليس أمامها من خيار سوى مساندة ودعم كل فعل أو قول يجنح نحو السلم وإنهاء الحرب بغض النظر عن مقصده الحقيقي ولذلك يتصدوا للهجمات العنيفة على مسار قائد الجيش وخطاه لوقف الحرب وإن بدت متثاقلة التي ستبادر بها المجموعة المتمسكة بضرورة إستمرار الحرب، والسبب أن تلك الخطوات نحو السلام إما فتحت الطريق لوقف الحرب أو قوضت مشروعية خطاب إستمرارها، وكل ذلك يجعل لا خيار أمامهم أخلاقياً ووطنياً إلا التسامي على المرارات ولعق جراجات نقض العهود والمواثيق والتوقف عن البحث لانتصار الذات عبر خوض معارك السخرية والشماتة عسى أن يمنحوا وطنهم وشعبهم أمل بوجود فرصة وقف هذه الحرب الملعونة .. فمثلما الحرب أولها كلام فإن تحقيق السلام وإيقافها أيضاً أوله كلام،.

هنا قد يسأل البعض سؤال: ما هو السبيل للخروج من هذه المعضلة وكيف نختار الموقع والموقف الصحيح ؟! فإذا عجزت عن الاهتداء لمكانك فأنظر أين يقف العدو الأساسي للشعب السوداني ممثلاً في “الكيزان” الرحم التي ولدت هذه الحرب ومن أشعلوها ومن يصرون على استمرارها رغم الخراب والدمار ليعودوا لسلطة استولوا عليها بانقلاب ونُزعت منهم بثورة شعبية !! لذلك إختار دون تردد الوقوف في الضفة الأخرى المقابلة لهم ومن المؤكد أن مكان لا يتواجد فيه “الكيزان” هو الجانب الصحيح من التاريخ على الدوام !!

ماهر أبوجوخ

الجمعة 19 يوليو 2024م