مقالات سياسية

أكثر الناس لا يعقلون – قراءة في ظاهرة القطيع.!!

إسماعيل عبد الله

 

لم أكن من الذين اتيحت لهم فرصة النظر إلى قطيع من الناس يلهجون بلهج واحد ، ويرددون في وقت واحد أصوت الخراف (باع – باع – باع – باع) ، إلّا بعد أن اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل ، لقد ايقنت مغزى العبارة الواردة في كثير من آيات الذكر الحكيم (أكثر الناس لا يعقلون) ، ووجدت العذر للفيلسوف الإيطالي ميكيافيلي عندما وصف عامة الناس بأن لهم طبائع فاسدة ، وعلى الحاكم أن يعلم ذلك ، ففعلاً أكثر الناس يؤيدون الطغاة ويسهمون في استمرار طغيانهم ، إلى أن تأتي قلة من الناس ، يثورون ويحولون الثورة إلى ظاهرة عامة ، يلتف حولها نفس القطيع الذي كان يعاديها ويقف أمامها بالمرصاد ، ولكم سمعنا عن راعي الأغنام البوليفي الذي وشى بجيفارا أيقونة النضال والثورة العالمية ، وكيف كانت اجابته على من سأله لماذا ساهمت في إلقاء القبض على رمز الثورة والنضال ، حين قال بأن الفرق العسكرية للطغاة وجنودهم ، الذين يبحثون عن جيفارا في كرهم وفرهم مع الثوار ، كانوا يزعجون أغنامه ولا يدعونها ترعى ، هذا يذكرني بسيناريو القبض على داؤود يحي بولاد ، الذي غدر به أحد أقاربه بعد أن استجار به في قرية صغيرة بجبل مرة ، فسلّمه لأفراد من جهاز مخابرات الدولة الاخوانية التي قاد بولاد تمرداً ضدها بعد سنة واحدة من انقلابها على منظومة الحكم الشرعي ، فظاهرة القطيع هي التي تقطع الطريق أمام التحولات الكبرى ، وتقف حجر عثرة أمام أي تقدم يقوم به الأحرار ، ومن سخريات العقل الجمعي للقطيع السوداني ، أنه صدّق الرواية الكذوبة التي ظل يطلقها إعلام الفلول ، والقائلة بمقتل قائد قوات الدعم السريع ، ومن مهازل هذا العقل الغريب أنه وبعد أن ظهر (القائد المقتول) ، وهو يوقع وثيقة سياسية مع رئيس “تقدم” ، لعب الإعلام المضلل للجماعة الإرهابية بعقول القطيع مرة أخرى – لو أن لهم عقول يرشدون بها ، وأقنع هذه العقول الخربة بأن الذي صافح الدكتور عبدالله آدم حمدوك ما هو إلّا روبوتاً الكترونياً مصنوعاً ومصمماً على شاكلة (المرحوم).

العائق الأوحد امام تمدد الوعي الثوري هو الآلة الإعلامية المضللة للجماعة المتطرفة وبنيتها التحتية التي ترجع إلى ليلة أفول نجم الديمقراطية ، وبزوغ الفجر الكاذب للدولة الثيوقراطية ، فكانت السيول الجارفة من الأكاذيب بحق السماء ، وادعاءات الأبواق الإذاعية والتلفزيونية بحقها وأصالتها في تمثيل صوت الإله في الأرض ، فدخلت الأمة في نفق مظلم من عوالم السحر والجن والشعوذة والدجل ، وتمكنت الدعاية الميتافيزيقية لمنظومة الحكم الإخواني من رقاب القطيع ، وأصبحت تسوّق لهم الوهم على أساس أن انهيار الجسور ما حدث إلّا بسوء فعل الجقور – (الفئران الكبيرة) ، لذلك أدرك المستنيرون من أبناء الشعب الكريم أن العقل العام التابعي ، قد تمت برمجته على أساس المفهوم الدوغمائي ، فلو نجح انقلاب الضباط الشيوعيين مطلع سبعينيات القرن الماضي ، لوجدت هوى القطيع قد تماهى مع هوى شعوب الجمهوريات السوفيتية ، ذلك أن الناس على دين ملوكهم ، وإلى أن يأتينا الملك الجديد سنظل نرى هذا السلوك القطيعي ، يسير سيراً استسلامياً وراء ظاهرة صوتية لشخصية وهمية لم يرى وجهها ، تبث الأكاذيب والسفه والانحطاط يوماً بعد آخر ، هذا الشبح الذي يطلق عليه الأحرار اسم (المنقب) ، يعطيك دليلاً قاطعاً على ثبوت نجاح نتائج عملية السيطرة على القطيع ، لذلك كان البون شاسعاً بين التنظيمات السياسية النخبوية ، والتنظيم الإخواني الذي أول ما بدأ به الاستحواذ على المنافذ ، التي يتلقى منها عامة الناس معلوماتهم – الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر المساجد ، والأندية الرياضية واتحادات أهل الفن والموسيقى والدراما ، لقد فرّطت الحكومات السابقة ، فلم تعمل على تحييد هذه المنافذ بوضع النظم واللوائح الحافظة لها من تغول الجماعات المتطرفة ، والحامية لها من تهجم أصحاب الأجندات الحزبية ، وفي دولة المستقبل القريب الجديدة ، وجب على روّاد التغيير أن يفعلوا ما لم تفعله منظومات الحكم السابقة فيما يتعلق بضبط هذه المنافذ.

في بعض البلدان المحترمة المحيطة بنا ومعها الأخرى التي تبعد عنا مسافات طويلة ، لا يوجد تسامح في فتح مصاريع أبواب الدور الإعلامية والتعبدية لمن هب ودب ، وذلك لارتفاع الوعي الوطني لأولياء أمور تلك البلدان ، وادراكهم الكبير للدَور العظيم لهذه الدُور المؤثرة على الجبهة الداخلية ايجاباً وسلباً ، فأحكموا ضبط قوانين الهجرة والجنسية والإقامة ووضعوا المعايير الشرعية الضابطة لخطاب من يعتلي منابر المساجد والكنائس ودور العبادة ، وحسموا فوضى نصب مكبرات الصوت في الأسواق ، حتى لا يهذي ذوو العاهات النفسية ومصابو الأمراض العقلية المستعصية بما يؤذي الناس ، فهب أننا رجعنا للوراء قليلاً وبحثنا في أسباب وصولنا للدرك الأسفل من نار الحرب ، من المؤكد سنحصل على خلاصة واحدة مؤكدة على أن اطلاق الحبل على غاربه ، وعدم الاكتراث لوضع هذه الضوابط في مواضع دستور البلاد ، هو جوهر المسببات للكارثة الإنسانية التي نحن بصددها فتجييش القطيع من أجل المشاريع الوهمية لن يأتينا بغير ما نحن فيه من مأساة ، وواحدة من محاسن القطيع انه ينقلب على رائده ، متى ما صدم بانقلاب الحال وظهور القوى الجديدة ، فيقف من أجل تمكين سطوة هذه القوى الجديدة ، وهذه المحاسن تتأكد في حال واحد هو امتلاك القوى الحديثة لرؤية واقعية ، تخرج الناس من دائرة العبث إلى خط التنظيم والترتيب والتنسيق الشفاف الراعي لمصالح الأفراد والجماعات.

 

[email protected]

‫8 تعليقات

  1. لم يات القران بهذه فقط ؛ ورد ايضا:
    (اشربوا في قلوبهم العجل)
    وجاء التوجيه ( لا تكونوا من الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون
    وايضا (لا تزكوا انفسكم)
    النصيحة لك ولغيرك ان لا تختزل الايات؛فعلها من كان قبلك فاوصل السودان لهذا الدرك
    انت ما زدت علي ان طبقت سوسيولوجيا القطيع علي نفسك :: اصحي شوية ، لا يجرك ( الغل) الى الظلم

    1. القطيع ده قطيع بقاره مسيريه ولا بقاره رزيقات؟ كين قطيع حق جلابه keyزان وفلول بي الله كي توا نغنموهو قنقر كي.

  2. هكذا يجب ان تكون الكتابه
    هذا المقال رغم قصره إلا انه يعتبر درس فى علوم الاجتماع والسياسه لأفراد القطيع من الغوغاء الذين لا يبصرون ولايسمعون سوي ما اراد لهم سيدهم الراعى ان يسمعوا ويروا. ان الله سبحانه قد حذرنا من منهج القطيع وأنه (أى تبنى) هذا النهج الحيوانى لن يعفى أصاحبه من مغبة نتائجه إذا يبررون سقوطهم وإنحيازهم للباطل بقولهم ( كنا نخوض مع الخائضين) فكانت النتيجه هى موارد الهلاك فى سقر و ( وقالوا بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون)
    (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
    هذا النهج الفرعونى قد ابتدعه أباطرة الكفر والضلال
    ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر
    وبالرغم من ذلك نجد قطيع المتأسلمين من سواقط وتوابع الكيزان وعلى رأسهم المجرم الهارب البرهان
    فى آذانهم وقرا وعلى قلوبهم اغفال صدئه فلا يرون ولا يسمعون ولا يعقلون إلا ما جائهم من فرعونهم المدعو على كرتى ومن أبواقهم التى تنعق بالكذب والضلال فى منصات التواصل وفى وسائل اعلامهم التى استحوذوا عليها وسخروها لخدمه أجندتهم، فجعلوا منها قنوات تمرر سيل الأكاذيب السمجه والرخيصه من شاكله موت حميدتى ،و من شاكله الانتصارات الوهميه لمليشياتهم الاجراميه وصمود جيشهم المتهالك .

    1. بالرغم من كتابات اخونا اسماعيل عبدالله التي تطورت كثيرا واصبحت ثورية ولكن للاسف لا تستبعد أن يرتد اخونا اسماعيل في اي وقت وهذه تجربتنا مع الاسلاميين السابقين، وهم الآن جزء من تحالف عريض لكسر بندقية الحركة الاسلامية ودولة 56 ولو صمد معنا اسماعيل حتى تحقيق الثورة المدنية الديمقراطية واهدافها يكون ذلك عظيما وهذا ما نتمناهو ولكن لا تزال تربط امثال استاذنا اسماعيل الكثير من الخيوط والتقاطعات مع الاسلاميين ولا نستبعد رتدتهم في اي وقت والامثلة كثيرة على ذلك

  3. ما قلته ينطبق تماما علىك وعلى بقية مشجعي الجنجا المجرمين اللصوص مقابل المال وانتم لا تعقلون ولا تعقلون انكم لا تعقلون فهمت يا علك

  4. روى الكاتب الفرنسي المشهور فرانسوا رابلي قصة عن رجل يدعى «بانورج» كان في رحلة بحرية، وصادف أن كان معه على نفس السفينة تاجر أغنام يدعى «دندونو» معه قطيع من الخرفان بغرض بيعها. كان «دندونو» تاجراً جشعاً لا يعرف معنى الرحمة، حتى أن رابلي نفسه وصفه بأنه يمثل أسوأ ما في هذا العصر من غياب للإنسانية، فحصل أن وقع شجار على سطح السفينة بين «بانورج»، صاحب القصة، والتاجر «دندونو»، صمم «بانورج» على أثر تلك المشاجرة أن ينتقم من ذلك الجشع. رسم «بانورج» لذلك خطة جهنمية، فقد قرّر شراء أحد الخرفان من التاجر بسعر عال وسط سعادة «دندونو» بالصفقة الرابحة، ولكن، وفي مشهد غريب، أمسك «بانورج» بخروفه من قرنيه وجرّه بقوة إلى طرف السفينة، ثم قام بإلقائه إلى البحر، وفي تصرف كان قد توقعه «بانورج» من الخرفان، رمى أحدهم بنفسه من سطح السفينة تابعاً خطى الخروف الغريق ليلقى نفس مصيره، ثم ليلحق به الثاني فالثالث فالرابع وسط ذهول التاجر وصدمته، وفي تصرف صادم اصطفت الخرفان الباقية في طابور مهيب لتلقي بنفسها إلى التهلكة، غير واعية للمصير المهلك الذي ينتظرها. جن جنون تاجر الأغنام «دندونو»، فقد فشلت كل محاولاته في منع القطيع من القفز إلى الماء، فقد كان القطيع يتصرف حسب غريزة لا يمكن مقاومتها، ولا منعها، وبدافع قوي من الجشع اندفع «دندونو» محاولاً الإمساك بآخر الخرفان الأحياء أملاً في إنقاذه من مصيره المحتوم، إلا أن الخروف كان مصراً على الانسياق وراء قطيعه، فكان أن سقطت جميعاً في الماء لتموت معاً غرقى.
    ومن هذه القصة اقتُبس تعبير «عقلية القطيع» وهو مصطلح شائع في اللغة الفرنسية، ويعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين.
    لا تحتاج هذه القصة إلى شرح أو توضيح هذه القصة كأنها كتبت على حالنا في هذه الأيام،الكل منجرف خلف القطيع بلا وعي وبلا إرادة حتى من يخالفهم الرأي يجد منهم اسواء الألفاظ و السُباب والتنكيل،ولا يسلم من أصابع الإتهام والتصنيف والتحزيب و العداء،ومحاولة انقاذهم كمحاولة (دندونو)لمنع خرافه من الغرق.
    إنجرافك خلف القطيع الضال تحت مبدأ الكل يفعل ذلك يسلبك منك كإنسان ميزه الله بالعقل و عندما يغيب الفكر والعقل يصبح الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق رغبات الاخراين.
    يقول ‏ويليام شكسبير
    حشد العقلاء أمر مُعقد جداً، أما حشد القطيع فلا يحتاج إلا لراعٍ و كلب.
    ختامًا كن أنت فكر بنفسك لا تتبع القطيع فتغرق كما غرقت خراف دندونو.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..