افرازات الحرب وصيرورتها الكارثية

د. محمد حمد مفرح
يتابع السودانيون ، في مختلف مناطق السودان وخارجه المسلسل التراجيدي الطويل للحرب الدائرة بالبلاد منذ أكثر من عام ، والألم يعتصر قلوب الجميع جراء وقوفهم على ماسي الحرب التي يصعب وصفها. وقد عمل استمرار الحرب وتطاول أمدها علاوة على تداعياتها واسعة النطاق على تحول قلق وخوف وهواجس المواطن الى فوبيا حقيقية True Fobia بعد أن رأي بأم عينه تجليات هذه الحرب وافرازاتها التي طالت اكثر من صعيد وكادت معها الدولة السودانية ان تنهار. غني عن القول ان انعدام السلطة الحاكمة في العديد من مناطق البلاد مع افتقار المناطق الاخرى الى السلطة المؤثرة فضلا عن كارثية اضرار الحرب اصبحت واقعا يحدث عن نفسه ولا يحتاج إلى دليل.
لذا فقد غدا المواطن ، وهو يقف على شفا حفرة الجنون جراء ما يجري بالبلاد ، يصارع من أجل البقاء ويحاول جاهدا ان يتماسك نفسيا. وكأني ، والحال هذه ، بالكثيرين وبالذات الاطفال وقد صاروا عرضة للامراض النفسية بما فيها الجنون ، بعد أن استبد بهم الاسى وعصفت بهم اللوعة.
وليس ثمة من شك في أن تطاول امد الحرب واستمراريتها بصورة متسارعة ومتصاعدة وجنونها غير المسبوق مع اتساع رقعتها وما صاحب ذلك من فظاعات وافرازات سالبة تمثل ، مجتمعة ، السبب الرئيسي في ما الت إليه حالة المواطن والوطن من مأساة او وضع تراجيدي تاريخي لم تشهده البلاد من ذي قبل. وبالقطع تمثل هذه الصورة حالكة السواد المقابل الموضوعي للكارثة او المأساة المتجلية في أبشع صورها كما تبرز وحشية سلوك طرفي الحرب. ومن المؤكد ان وضع الكثير من المواطنين في ظل هذه الحرب يعزى ، في الغالب ، الى عدم مواجهتهم مثل هذا الواقع سابقا ، ما ضاعف معاناتهم وزاد مكابدتهم ضغثا على ابالة.
ومن المؤكد ان الاثار بالغة الضرر التي ظلت تفرزها هذه الحرب تعد عصية على الوصف beyond description والحصر في ظل تمددها راسيا وافقيا. وتبعا لذلك فقد أضحت تداعياتها وتفاعلاتها الكارثية تحدث عن نفسها وتنبيء عن بؤس وشقاء غير معهودين.
وبالنظر الى سلوك طرفي القتال بمنظار القانون الدولي Int. Law نجد أن انتهاكاتهما للقانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان واضحة للعيان وذلك بشكل يدعو الى وجوب اعمال قواعد القانون الدولي الجنائي في حقهما. فالقصف والنهب والسلب الذي يقوم به الدعم السريع علاوة على الضربات الجوية غير محسوبة العواقب التي يقوم بها الجيش وغيرها تؤكد جميعها على الانتهاكات الواسعة Wide violations للقانون الدولي من قبل الطرفين.
واذا حاولنا حصر افرازات الحرب ، على سبيل المثال ، نجدها تتمثل في الاتي:
-تدهور الاحوال الأمنية في الكثير من ارجاء البلاد جراء الحرب الدائرة وبسبب إطلاق صراح اعداد كبيرة من المجرمين من السجون ، وما يستتبع ذلك من خوف وقلق وانتشار الجرائم كالنهب والسطو وقطع الطرق وخلافها.
-ظاهرة انتشار القتلى والجرحى والمعوقين في المناطق التي شهدت قتالا بين طرفي الحرب وما نتج عن ذلك من ظواهر سالبة بصورة غير مسبوقة.
-هدم المرافق الصحية وتوقف العديد من المستشفيات عن الخدمة مع انعدام الادوية في المستشفيات التي لا تزال تعمل.
-انتشار سوء التغذية وما قاد ويقود إليه من امراض ووفيات وبالذات وسط النساء والاطفال.
-انتشار المجاعة في مناطق عدة من البلاد بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية.
-غلاء الاسعار بصورة جنونية قلبت حياة المواطن الى جحيم.
-الافرازات النفسية للحرب و بالذات في اوساط الاطفال.
-هدم المصانع وتوقفها عن العمل ما ادى الى توقف عجلة الانتاج.
-توقف النشاط الزراعي بالمشاريع الانتاجية ما انعكس سلبا على اقتصاد البلاد.
-تاثر النشاط الزراعي التقليدي سلبا من خلال توقف المزارعين في كثير من المناطق عن العمل بالمزارع جراء انتشار الفوضى الامنية وظاهرة التعديات وقطاع الطرق.
-هدم المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومعاهد وخلافها مع توقف الدراسة بالكثير جدا من هذه المؤسسات.
-هدم الكثير من مرافق الدولة والبنية التحتية في المناطق التي طالتها الحرب.
-تعرض المستندات بمرافق الدولة المختلفة في مناطق القتال للتلف والضياع.
-هدم واحتلال منازل المواطنين في المدن والقرى التي كانت مسرحا للقتال.
-السرقات الواسعة التي تعرضت لها منازل المواطنين ما تسبب في فقدان هؤلاء المواطنين لاثاث منازلهم ومدخراتهم.
-ظاهرة النزوح واللجوء التي تسببت فيها الحرب والتي قادت الى افرازات متنوعة.
الجدير بالتاكيد ان كل هذه التأثيرات الضارة والواسعة التي تمس حياة المواطن بصورة مباشرة ، وكل ما نتج عن الحرب من دمار عام لم يحمل طرفي الحرب على ايقافها بل ظلت مستمرة ومستعرة واشد ضراوة اكثر من اي وقت مضى. ومن المعلوم أن كل اللقاءات التي تمت سابقا بجدة والقاهرة والبحرين واديس ابابا وغيرها وجميع المناشدات من قبل الامم المتحدة والجهات الدولية الأخرى ذات الصلة ، والخاصة بفتح المسارات الانسانية وإيقاف الحرب لم تثمر ولم تؤد الى الاستجابة الى الدواعي الانسانية الخاصة بفتح مسارات الاغاثة، دعك عن وقف القتال. ويؤكد واقع الحال ان الدعم السريع ظل يتعامل ، وفقا لتصريحاته ، بايجابية مع مناشدات وقف الحرب و يبدي استعدادا لايقافها من جانبه ، فيما ظل قادة الجيش يدعون لاستمرار الحرب حتى القضاء على الدعم السريع.
وعلى صعيد اخر فان من الأهمية بمكان استمرار دور تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (تقدم) بصورة اكثر فاعلية في الساحة الاقليمية والدولية مع ضرورة تواصلها مع كل الجهات الفاعلة من اجل تحقيق هدف اغاثة المواطنين والسعي الجاد لوقف الحرب.
صفوة القول أن صيرورة الحرب في ظل هذا الواقع المأساوي بالغ التعقيد ربما تتمظهر في تدهور الوضع العام بالبلاد أكثر فاكثر ، ما قد يقود الى حرب اهلية Civil war و الى الانهيار الكلي للدولة ، ما لم يكن هناك تدخل أممي من قبل الامم المتحدة بموجب الفصل السابع .
شكرآ لك. مامعنى كلمة صيروره؟ هل لهذه الكلمة الفخمة بديل أوضح؟ ولماذا إعادة تعريف أفكارك في المقال بكلمة أو إثنين باللغة الإنجليزية؟ كلمة Phobia تكتب هكذا وليس كما تفضلت بكتابتها أعلاه.