مقالات وآراء سياسية

السودان بين هلامية (بل بس) وتهويمة (جغم بس) : قراءة حول علاقة السلطة والقهر

أحمد محمود أحمد
الخطاب المصاحب لحرب أبريل 2023م لا يقل بشاعة عن الحرب نفسها ، اذ انه خطاب متجاوز لطبيعة الأنسان السوي حيث يتحول قتل أفراد او ذبحهم الي نصر وترفع فيه شعارات التكبير وتظهر مفردة مثل (بل بس) المرفوعة من قبل الأخوان المسلمين واعوانهم كرؤية قطعية غير معنية بفكرة الأنسان الذي يقتل او يتشرد أو حتي فكرة زوال الدولة نفسها ، وفي المقابل تبرز النسخة الأخري والمنتجة عبر تجربة الأخوان المسلمين لترفع شعار اخر وهو شعار (جغم بس) والمقصود هنا الاطراف الداعمة للدعم السريع …. هذه الشعارات ومع تدني اللغة فيها فهي شعارات تم انتاجها عبر مرحلة التداعيات التي حدثت بعد حكم الإسلاميين للسودان في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية واللغة مرتبطة بسقوط او صعود هذه المرتكزات والتي تدهورت عبر العقود الأخيرة ومعها تدنت اللغة واصبحت لغة شائهة عندما ارتبطت بحالتي الانتقام والتشفي في هذه الحرب وهي الحالة العمومية التي انتجها منطق السلطة المرتبطة بعنصر التخلف والتي مثلها الأخوان المسلمون .. اذن ما هي الاسباب التي ادت الي الحالة التي نناقشها عبر هذا المقال ، اي حالة تجرد الانسان من المعني ليتصالح مع فكرة القتل ويرفع لها شعارات تشبه الموت نفسه ، ويتمسك بهذه الشعارات حتي وهو يتراجع يوميا في المعارك علي الأرض ، وهذا في حالة اطراف الحرب الداعمة للجيش ، اما الاطراف الداعمة للدعم السريع فهي تقع في جانب المجاراة المتشنجة نتيجة لأفعال الاخوان المسلمين في السابق والراهن ، وبالتالي ونتيجة لكراهية تأصلت مؤخرا فأنتجت شعار (جغم بس) والذي عنوانه حرب (الكيزان) ولكن معهم احيانا يتم (جغم) المواطن نفسه نتيحة لخلل في المشروع وطريقة التفكير .. اذن كيف يمكن أن نفسر هذه الحالة وفق منظور سياسي ونفسي نستطيع ان نشرح عبره صعود هذه الشعارات التي صاحبت هذه الحرب والتي تبدت كأنها مباراة بين فريقين كما يقول صديقنا بكري جابر لا يهم في هذه المباراة الا تسديد الهدف ليرتفع الصياح بشعاري (بل بس) او (جغم بس) ومعهما عبارة (الله اكبر) المرفوعة دوما من قبل الحركة الاسلامية والرافعة للشعارات ودون محتوي..
*تحليل الظاهرة*
اذا سلمنا بكون الاخوان المسلمين هم عنصر الشر الكامن في المجتمع السوداني ، وبالتالي يصبح من المتوقع ان يكون شعارهم هو (بل بس) كشرط اساسي لمواصلة الحرب غير معنيين بما يحدث للبلاد طالما هم ليسوا حكامها ، لكن السؤال الذي يصعد هنا ، فلماذا يرفع هذا الشعار من هم ليسوا اعضاءا في هذا التنظيم؟؟ وهذا سؤال يمكن الاجابة عليه وبشكل سطحي لدي البعض بأعتبار انهم يقفون مع الجيش وليس مع الاخوان المسلمين ، وهذه هي اجابة البداهة لان الجيش  وضمن اي تحليل واعي هو جيش تربي في تربة الاخوان المسلمين عبر العقود الثلاثة الاخيرة وتشبع بسلوكهم واصبح هو الصورة المنعكسة عبر تجربة الاخوان المسلمين .. اذن اين تكمن الاجابة العميقة؟ تكمن هذه الاجابة ضمن علم التحليل النفسي في علاقة القهر التي نمت عبر حكم الإسلاميين والتي أثرت علي البعض والذين لم يستطيعوا مقاومة نمط هذا التنظيم حيث يمكن ان نتحدث هنا عن الدينامية اللاوعية للأنسان المقهور كما يتصورها المفكر اللبناني مصطفي حجازي ، حيث يؤكد  الدكتور حجازي ان سلطة القهر قد تؤدي لحالة التماهي مع قيم المتسلط وتقليدها واتباع خطواته ، وهذا ما نشهده عند البعض ومن غير اعضاء الحركة الاسلامية اي (جماعة بل بس) الغير واعية حيث يعرف الإسلاميون ماذا يريدون من هذه الحرب ، ولكن يتسطح دور التابعين لهم حيث يرددون الشعار السابق مردوفا بعبارة (الله اكبر) المستقاة من شعارات الإسلاميين كما اوضحنا ذلك سابقا وهنا يبرز التماهي اللاواعي بين هؤلاء والحركة الإسلامية والذي يشير الي علاقة المتسلط بالمتسلط عليه ، ومن هنا تتبدي التبعية الغير واعية لجماعة (بل بس) من غير الاخوان المسلمين للذي قام بقهرهم ولعقود طويلة ويعملون ودون وعي للأسهام في ارجاعه للسلطة حتي يتم قهرهم مرة أخري حيث ادمن المقهور سلطة القهر ضمن حالة عقدة النقص والعار كما يحددهما مصطفي حجازي الناتجة عن حالة القهر والتسلط ، حيث تصبح التبعية للذي يمارس القهر صفة ملازمة للمقهور والذي يحاول ان يتخلص من قهره من خلال تبني خطاب العنف الذي تم تصديره له ووقع عليه حيث تصبح الدماء السائلة ككسر للحاجز النفسي وتوحد بين المقهور وقاهره ، ولهذا لا نستغرب الهتاف المجنون عندما يقتل الجيش مجموعة من الدعم السريع عبر طيرانه او يقتل الاخوان المسلمون حميدتي في المخيلة لتصعد عبارة (الله اكبر) في عنان السماء ، وحتي عندما يظهر حميدتي حيا لا يقبل هذا العقل المقهور تصديق ذلك لأن عدم موته يجرح في ذات هؤلاء  حيث يشكل موت حميدتي البديل المعنوي لموتهم هم نتيجة لما احدثه القهر عبر سنين طويلة مجمدا عقدة الدم الداخلية المترسخة في العقل المقهور والفاقد للتوازن خارج دائرة القتل سواء كان الواقعي أو المعنوي للأخرين من اجل انقاذ هذه الذات المقهورة، واللافت في هذا الخصوص أن وحدة الدم هذه تنسي هؤلاء المقهورين ما فعلته بهم الحركة الإسلامية عبر حكمها ، وهذا هو هدف هذه الحرب والمرتبط بضرورة نسيان ما فعله الاخوان المسلمون وتحويل دائرة القهر الي قوي أخري يجب قتالها ويجب إن نقف في خندق من قتلنا من قبل ودون مسائلته وهذا اعلي انواع القهر الذي يؤدي بالضحية ليكون ضحية نفسه ويضحي بالوطن نفسه في حرب لا يدرك مراميها . فهذه هي الفئة الاولي ضمن فئات اخري ترفع شعار(بل بس) ومعهم الحركة الإسلامية وهذه الفئة يمكن أن نطلق عليها كبش فداء الحركة الإسلامية التي حملت عنها وزرها كما حمل كبش فداء بني إسرائيل وزرهم في البراري .. اما الفئة الثانية فهي الفئة التي قاتلت الحركة الإسلامية عبر السلاح ممثلا ذلك في بعض الحركات المسلحة الرافعة لشعار الهامش من قبل والتي وجدت نفسها تحارب جنبا الي جنب مع الحركة الإسلامية التي قهرتها عبر صراع طويل ، وهذه الحركات يحركها منطق الهزيمة امام قاهرها ولكن لكي تخرج من هذا الواقع فلابد أن تتحرك وفق المصلحة الواعية  للخروج من حالة العجز التي صاحبتها منذ ان رفعت السلاح وتتصالح مع المتسلط وتحارب معه طالما يحقق لها بعض اهدافها الخاصة ويخرجها هذا الامر من عزلتها ولكن دوما هنالك مبررات لمثل هذا التراجع واهمها مصلحة الوطن وعدم الحياد وكلها شعارات تغطي علي لغة المصالح والانشباك مع سلطة القهر .. هناك فئة ثالثة وهي فئة المثقف(الدلدول) والذي يتحدث عن دعم المؤسسة ضد الميليشيا دون ان يستطيع فرز خطه عن خط الحركة الإسلامية لأن الحركة الإسلامية قد أوقعته في شراكها من خلال خلخلة كل المؤسسات واختراقها دون ان يعي هذا المثقف ان ما يطلق عليه الجيش الوطني هو قد تحول وعبر حكم الإسلاميين الي ميليشا ولكنها ميليشيا تختلف عن ميليشا الدعم السريع بكونها اصبحت ذات ايدولوجية مستمدة من حركة الاخوان المسلمين بالرغم من الاوسمة والنياشين .. ان مؤسسة الجيش الحقيقية يجب ان ترتبط بعقيدة المؤسسة العسكرية ولا ترتبط بأية عقيدة سياسية كما تفعل مؤسسة الجيش الان في علاقتها بكتائب الاخوان المسلمين حيث  تتخلي هذه المؤسسة عن اولياتها في الدفاع عن الوطن والمواطن وتدخل في حرب داخلية الهدف  منها مصلحة قيادات هذه المؤسسة وتمكين الحركة الإسلامية من العودة للسلطة مرة أخري ،، لأن الراجح وعبر هذا الصراع فأنه يبدو ان هذه المؤسسة لا يعنيها معني الوطن وهي تري المواطن السوداني يعيش اسوأ حالاته والوطن يتشرزم وما زالت قيادات هذا الجيش ترفض الحلول السلمية نتيجة لسيطرة الحركة الإسلامية وهذا ما لم يدركه المثقف (الدلدول) ..
*الانسان المهدور*
اما فيما يتصل بجماعة (جغم بس) فاننا نتحدث هنا عن ما يطلق عليه الدكتور مصطفي حجازي الانسان المهدور ، حيث تصبح قوات الدعم السريع ونتيجة لأهمال الدولة لقطاعات كبيرة من المواطنين وعبر تطور الدولة السودانية ضمن مفهوم الانسان المهدور او الهدر البشري ، حيث يؤكد مصطفي حجازي ان هذا الاهمال يؤدي الي (أن يتدهور مفهوم الوطن او يغيب ما دام الوجود والمرجعية تظلان للقبيلة او العشيرة او الطائفة او المنطقة ، حيث ان اشد حالات الهدر المضاد تتخذ طابع هدم الهيكل علي هذا الشخص المهدور وعلي اعدائه) وهذا ما يمكن ان نقرنه بشعار (جغم بس) والذي يأتي مقترنا بعبارة  (الله اكبر) وكما تفعل جماعة (بل بس) حيث تتجسد سلطة القهر والهدر معا في هذه القوات والتي هي بالأساس ضحية نظام الإسلاميين الذي استغل افرادها من اجل تثبيت مشروعه ، ولكنها استطاعت ان تذهب بطريق مغاير لخط الحركة الإسلامية ولكنها ظلت مشمولة بمفهوم الانسان المهدور والذي تضيع لديه معالم القضية الوطنية وحتي لو أجتهد في تغيير نمط تفكيره لأن تغيير نمط التفكير والذي تم تغذيته عبر سلطة الإسلاميين لا يتأتي بقرار ، بل عبر ما يعرف بالأنقلاب الذاتي وهذا طريق طويل وصعب .. بالرغم من ذلك فان ما يميز قوات الدعم السريع عن الحركة الإسلامية انها ليست لديها ايدولوجية ولكن قد ورطتها هذه الحركة في حقول الدم وشوهت صورة أفرادها لأنهم قد دخلوا في دائرة القتل واحيانا دون تمييز .. استنادا الي ذلك كله وبالنتيجة تصبح هذه الشعارات جميعها لا يدرك رافعوها بأنهم يحرقون الارض التي يمشون فوقها ومعها المواطن والوطن وهذه الحالة هي حالة الغيبوبة التي لوثت بها الحركة الإسلامية بعض العقول وانتجت الحرب ومعها هذه الشعارات المتقاطعة والمؤدية للموت والدمار .. اذن ما هو المخرج من حالة اللا معقول هذه؟ وهذا سؤال لا نمتلك اجابته ولكنه يتصل و بشكل اساسي بوقف الحرب وهذا بدوره يطرح سؤالا اخرا وهو كيف يتم ايقاف هذه الحرب؟ وهذا هو السؤال المطروح امام الذين هم خارج جماعات (بل بس) و(جغم بس)..

‫2 تعليقات

  1. ما أكثر المثقفين الدلاديل الذين إنحازوا إلى معسكر بل بس مدعين أنهم ينحازون (للمؤسسة) متناسين أن كل مؤسسات الدولة قد سقطت وتلاشت تماماً من أول قوات الشعب المشلخة إلى آخر مصلحة الصرف الصحي بجوار جامعة النيلين.
    صديق لي يدعي أنه من ثوار ديسمبر يبرر إنحيازه للجيش المشلخ بأنه يتحالف مع أعدائه (التاريخيين) في الحركة المسيلمية حتى إذا هزموا الجنجويد معاً عاد لعدائه السابق لهم في سردية مضحكة مبكية معاً.

    الحقيقة أن المثقف الدلدول هو مثقف إنتهازي واعي بمصالحه فهو مثقف المركز الجلابي صاحب الامتيازات التاريخية وهو يخشى من سيطرة الجنجويد على السلطة في كل السودان فيفقد بالتالي تلك الامتيازات التي لم ينل منها أصلاً إلا فتات محسوب مما ترمي به اليه الجماعة المسيلمية.

  2. ياسلااااااام علي مصطفي حجازي الطلع أغلبية الشعب السوداني مخمومين من الكيزان وباقي فقط القلة المستنيرة أمثال الكاتب الموقر !! فنحن ( الإنسان المهدور) في انتظاركم لانتشالنا من هذا القهر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..