مقالات وآراء سياسية

التسوية الأمريكية تتقدم ، ولا عزاء لمسعري الحرب!!

د. أحمد عثمان عمر
 (١) امتلأت وسائط التواصل الاجتماعي بخبر يؤكد أن إدارة بايدن قد قررت إطلاق مبادرة جديدة لوقف الحرب في السودان ، قوامها التوصل لوقف العنف في كامل التراب السوداني وتوصيل المساعدات الإنسانية ووضع آلية فعالة للمراقبة ، دون الخوض في المسائل السياسية الأوسع. ما هو متداول مبني على مقال بإصدارة (فورين بوليسي) المرموقة ، حيث يشير إلى أن المبادرة تستند على مفاوضات سرية خلف الكواليس ، وإلى أن وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بنفسه سوف يرأس المباحثات التي ستتم برعاية سويسر والمملكة العربية السعودية الشهر القادم في سويسرا ، وأن المبعوث الأمريكي سوف يقوم بإقناع الطرفين لحضورها ، وأن وزارة الخارجية الأمريكية قد وجّهت الدعوة بالفعل للجيش المختطف ومليشيا الجنجويد لحضور هذه المباحثات. والخبر في مجمله محصلة لمجهود من المفاوضات التي تمت خلف الكواليس والتي اشرنا اليها مرارا وتكرارا ، والتي كانت إجراءات تمهيدية لما تم تداوله وهو راجح الصحة في مجمله دون تأكد من التفاصيل الواردة بالمقال. وقد يقول قائل لماذا تحركت الادارة الأمريكية على أعلى مستوى الان ، ودخلت بهذه المبادرة ذات الوزن الثقيل سياسياً ؟ والإجابة بالطبع هي أن هذه الإدارة في آخر أشهرها ، وأنها بحاجة إلى بعض الفتوحات في السياسة الخارجية لدعم حملتها الإنتخابية للرئاسة ، خصوصا بعد النقد الذي واجهته والحراك الجماهيري ضد موقفها في حرب غزة ، بإعتبار أن حرب السودان حرب مأساوية أخرى في هذه المنطقة الملتهبة.
(٢) والملاحظ للمبادرة وما يحيط بها من نشاط تفاعلي ونشاطات موازية للقوى السياسية، يستطيع رصد ما يلي: أ. أن المبادرة قدمت الدعوة للجيش المختطف ومليشيا الجنجويد المجرمة ولم تقدم الدعوة لحكومة الأمر الواقع سليلة إنقلاب أكتوبر ٢٠٢١م ، في مواصلة لنهج الادارة الأمريكية الرافض للاعتراف بحكومة الانقلاب ، والذي يعتبر أن الحرب مجرد صراع بين قوتين مسلحتين تابعتين للدولة.
ب. أن المباحثات ستقتصر على وقف العنف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومراقبة ذلك ، وهي في جوهرها امتداد لمنبر جدة ، حيث أنها لن تناقش المسائل السياسية الأوسع. وهذا يعني أن الادارة الأمريكية ليس من ضمن اهتماماتها الاعتراف بمحصلة سياسية خارج شراكة الدم ذات الواجهة المدنية المنخرطة في المشروع المنسوب للمجتمع الدولي ، والمعروف بالهبوط الناعم أمريكي الصناعة وغربي الهوى. ج. سبق المبادرة تصريح لقيادية في الحركة الإسلامية لقناة الجزيرة بأنهم لا مانع لديهم من الجلوس مع المليشيا المجرمة إذا جنحت للسلم ، مع رفض بات للجلوس مع القوى المدنية المدعومة من المجتمع الدولي ، في تأسيس واضح لهذا النوع من المفاوضات ، وواكبها بيان من المؤتمر الوطني المحلول ، يتحدث لأول مرة عن السلام ويضع شروط الحركة الإسلامية لذلك ، وهذا يعني استعداد هذه الحركة المجرمة للتسوية مع ربيبتها المليشيا المجرمة والتوصل إلى اتفاق ثنائي لاقتسام السلطة.
د. أن حكومة الأمر الواقع الانقلابية في بورتسودان ، شاركت عبر صحفي إسلامي قيادي سبع مرات في منتدى رسمي في تل أبيب ، حيث دعا الصحفي لتجاوز اتفاقيات أبراهام والتعامل مع الحكومة الانقلابية مباشرة لتطبيع كامل مع اسرائيل. وجوهر هذه المطالبة هو محاولة خلق علاقة مباشرة مع اسرائيل وتوهم أنها معبر رئيس للتعامل مع الادارة الأمريكية ، دون المرور عبر حلفائها الاقليميين عرابي المليشيا المجرمة وداعميها. وهذا يعني استعداد الحكومة الانقلابية المجرمة للانخراط في اي نشاط أمريكي مباشر أو عبر ممثل الادارة الأمريكية في المنطقة وحاملة طائراتها السياسية.
(٣) مفاد ما تقدم هو أن الجيش المختطف مستعد لقبول المبادرة والانخراط في مباحثات سويسرا ، لكنه يتمنع عبر خطاب مسعري الحرب والحديث حول انتصارات وهمية وقرب التخلص من المليشيا المجرمة تدوير للأوهام ، وذلك لتحقيق هدفين لا ثالث لهما:
١- محاولة الحصول على اعتراف بالجيش كحكومة شرعية تثبت شرعية الحركة الإسلامية المختطفة له كطرف في المعادلة السياسية وفرضها بالحرب على الشارع السياسي الرافض لها .
٢- الدفع في اتجاه تسوية للمسائل السياسية الواسعة لتقاسم السلطة مع المليشيا المجرمة واستبعاد المدنيين المدعومين من المجتمع الدولي. والأمران يصطدمان بحائط المشروع الأمريكي ، الذي لا يمكن ان يعترف بمشروعية لحكومة الانقلاب ، ولا يمكن أن يتنازل عن شراكة الدم ويتخلى عن تصوره للخارطة السياسية في السودان خصوصا وأن الجيش المختطف ومن خلفه الحركة الإسلامية في حالة هزيمة عسكرية مزمنة. فوق ذلك الادارة الأمريكية تعلم يقيناً ، أن الحرب نشاط اجتماعي غير معزول عن مجتمعه ، وأن ايقاف الحرب له تداعيات سياسية بإعتباره مشروعا سياسيا ، وأن هذا الإيقاف لابد أن يرتبط بتصور سياسي لطبيعة سلطة ما بعد الحرب وطبيعتها المحسومة بالنسبة لها في شكل شراكة دم. لذلك استبعدت مناقشة المسائل السياسية الواسعة ، لتفرض وقفا للعنف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومراقبة ذلك ، حتى يتسنى لها تركيب حلها السياسي لاحقا بعد تحقيق هدف وقف العنف وتوصيل الاغاثة والإمساك بالوضع من ناحية عسكرية وأمنية ، مع منع اقتسام السلطة بين الطرفين المتحاربين. وقد يبدو ذلك جيدا في عيون البعض لأنه سيوقف الحرب التي يسعى المواطن المغلوب على أمره لوقفها بأي ثمن ، ولكن هذا الجانب الايجابي من مشروع المبادرة ، يخفي خلفه شراكة دم كاملة الدسم قادمة لا محالة في حال نجاحها. المطلوب هو قبول ودعم ايقاف الحرب أيا كان وسيلة وقفها طالما أنها لن تمس المسائل السياسية الأوسع وسوف تقتصر على وقف العنف وتوصيل المساعدات الإنسانية ، مع رفض واضح وصريح لأي شراكة دم او اقتسام للسلطة مع الطرفين المجرمين المتحاربين ، مع الاصرار على تحميلهما مسئولية الحرب وتداعياتها وعلى محاسبتهما وطردهما معا من المعادلة السياسية. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!! .



‫8 تعليقات

  1. مرحبا بالمفاوضات ومرحبا بالسلام ومرحبا بالامريكان وكتر الف خيرم وشكر الله سعيهم فالشعب السوداني يتطلع بلهفة بصيص الامل الذي احدثته الدعوة الامريكية لاستئناف محادثات السلام وخليكم انتو اليساريين في تهويماتكم ومعارككم الدنكشوتية و اعدائكم المتوهمين
    نحن الان لانبحث عن محطة الهبوط الناعم بل هبوطا اكثر نعومة يؤدي الي اتفاق سياسي وتفكيك دولة الحزب الي دولة المواطنة واجراء التخول المدني الديمقراطي المنشود وهو سنام مطالب الثوار في الثورة المجيدة
    نفطة سطر جديد

    1. إن قبول المفاوضات يعني السماح للإمارات بالسيطرة على السودان من خلال عملائها الذين سيشاركون في المفاوضات، وأميركا تعلم ذلك جيداً لأن أميركا والإمارات وجهان لعملة واحدة.

  2. اقراوا كلام اماني الطويل لتعرفوا الفرق بيننا وبينهم لتعرفوا الفرق الشاسع بين السياسي الوطني الذي يقرأ الاحداث بصورة صحيحة والسياسي المغفل صاحب العقل المنغلق بايدلوجيات بائسة ومحنطة
    بيان الخارجية السودانية بشأن المشاركة في مباحثات سويسرا لاغبار عليه قالوا نفكر وهو حق بل وسلوك مطلوب. وأنا أنتهز هذه الفرصة لأطرح الأفكار الآتية لعلها تحظي بنقاش وتداول قبل إتخاذ الموقف النهائي:
    ١- أن الشرعية السياسية والدستورية للجيش محفوظة وهي التي تعطيه وزنه علي مائدة المفاوضات.
    ٢- أن إنتهاكات الدعم السريع ستخفض من وزنه التفاوضي رغم سيطرته علي أراض لن يستطيع أن يحكمها حتي عن طريق أي حليف سياسي بسبب الضرر في مساحة الأمن الشخصي الذي لحق بالسودانيين ، حيث ثبت عن طريق الممارسة عدم الأهلية .
    ٣- أن الشعب السوداني يريد إىقاف الحرب ، وأن مقاومة هذه الرغبة تحت أي مبررات أو مزاعم لاتلقي لاقبول ولاترحيب .
    ٤- أن ملكية بيوت الناس فعلا مهددة بالحيازة الحالية من المعتدين عليها وفي حالة إمتداد الحيازة بسبب إستمرار العمليات العسكرية دون قدرة علي الحسم النهائي في توقيت مقبول باتت غير مضمونة .
    ٤- أن الدعم السريع ليس له مستقبل الا في إطار دمج في الجيش القومي .
    ٥- أن العالم والإقليم سوف يتعاون مع الجيش السوداني في حال التمسك بالأداء المهني وليس السياسي في ترتيب الأوضاع السياسية الداخلية بما يمهد لإستقرار السودان ومشاركة الجميع بلا إستثناء .

    ٦- أن الجميع يحتاج وقفا لإطلاق النار كي يفكر كل طرف في الخطوة القادمة بما يسمح ببقاء دولة السودان.
    #مقالـقادم
    #لاـللحرب
    من صفحة اماني الطويل

    1. يا أخونا لا شرعية سياسية للقوات المشلخة السودانية ولا لإبن رحمها من الجنجويد.
      القوات المشلخة السودانية تتساوى مع قوات الدعم السريع دستورياً وقانونياً ولا سلطة قانونية لإحداهما على الأخرى.
      فك الاشتباك بين القوتين المسلحتين ستأتي بعد مفاوضات كثيرة.
      لن تكون هناك شراكة ولو مؤقته بين الطرفين المتقاتلين بل ستكون هناك عملية سياسية ستنتهي بتقسيم السودان إلى عدة دول.

  3. “هذه الإدارة في آخر أشهرها ، وأنها بحاجة إلى بعض الفتوحات في السياسة الخارجية لدعم حملتها الإنتخابية للرئاسة ، خصوصا بعد النقد الذي واجهته والحراك “ كاتب المقال وكثير من السودانيين المواهيم يعتقدون أنهم مركز الكون … 90% من الناخبين الأمريكان لا يعرفون أين يقع وماذا يحدث فيه ولا يهمهم ان استمرّت الحرب او توقفت ، الناخب الامريكي لا يعرف ما يحدث في المكسيك جارتهم دعة من السودان

  4. الاسلام السياسي يواجه محنه كبيره جدا فبعد ان خسر معركة كرامته ضد الجنجويد لم يعد امامهم سوى المناوره للحصول على اي مستقبل لهم في الدوله السودانيه وهذا يستدل من خطاب المؤتمر الوطني الاخير عن انهاء الحرب والسلام وانهم لاينون الانخراط في اي حكومه ” انتقاليه” وكأن هذا شرطا جزائيا لما بعده اي ان يضمن الاخوان مستقبل وجودي لهم. على الجيش السوداني ان يستقل هذه الفرصه الذهبيه ويفتك من قبضة التنظيم الذي مرق سمعة المؤسسه العسكريه وجعلها تخوض بالانابه عنها حربا عبثية تعرض خلالها الجيش السوداني لكل انواع الهزائم العسكريه. الان اما ان يستقل البرهان فرصة جنيف الذهبيه لانهاء هذا العبث بارواح الملايين من السودانيين او ينتحر لغايت النهاية مع التنظيم الاسلاموي المهزوم. كل المؤشرات المستقبليه ليست في صالح الجيش وحاضنته الاسلاميه فالاثنان يخسران المعارك بصوره متسارعه ولم يعد لهما سلطة امر واقع الا في ثلاث ولايات شرقي السودان ومثلها في شماله! ايضا لايمتلك الجيش وحاضتنه اي سند اقليمي ذو ثقل الا اريتريا والتي باغتت الجميع بطردها للقائم بأعمال السفاره السودانيه بأسمرا ! ماينذر بانهاء محتمل لعلاقتها بحكومة بورتسودان، وعلى المستوى العربي والدولي الوضع سيان بالنسبه للاخوان فلااحد يرغب في مساندتهم او حتى الاعتراف بوجودهم؟

  5. لا شرعية في السودان لأي من الطرفين الجيش والدعم السريع. الشرعية فقط للشعب السوداني المكلوم .

  6. (حكومة الأمر الواقع الانقلابية في بورتسودان ، شاركت عبر صحفي إسلامي قيادي سبع مرات في منتدى رسمي في تل أبيب ، حيث دعا الصحفي لتجاوز اتفاقيات أبراهام والتعامل مع الحكومة الانقلابية مباشرة لتطبيع كامل مع اسرائيل) .

    الخبر ده جبتو من وين والصحفي الإسلامي ده منو؟

    أنا ما عارف انت داسي اسمو ليه؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..