مقالات وآراء سياسية

الكتابة في زمن الحرب (33) : ضرورة تعليم المرأة في السودان

عثمان يوسف خليل

في زمن ولى كان مشروع الجزيرة يمثل الشريان الحيوي لاقتصاد السودان ، ولم يكن المشروع يقتصر على دوره الاقتصادي فحسب ، بل لعب دوراً هاماً في النهوض بالتعليم والخدمات الاجتماعية في كافة القرى المنتشرة في نطاقه. ضمن هذه الخدمات ، برزت جهود محاربة محو الأمية للكبار ، والتي كانت إحدى أهم مبادراتها برنامج “المرشدات”.

ساهم هذا البرنامج التعليمي والإرشادي في ترقية الدارسات ورفع وعيهن ، وذلك عبر تقديم فرص تعليمية للنساء اللواتي كنّ محصورات ضمن أدوار تقليدية. تعد تجربة مشروع الجزيرة في تعليم المرأة نموذجًا يحتذى به ، حيث نجح في تغيير حياة الكثير من النساء وتوجيههن نحو أدوار أكثر فاعلية في المجتمع.

مشروع الجزيرة ودوره في التعليم
الخلفية التاريخية:

كان مشروع الجزيرة يمتد على مساحات واسعة في وسط السودان ، ويعتمد بشكل أساسي على زراعة القطن كمحصول نقدي. وقد تأسس ذلك المشروع في أوائل القرن العشرين تحت الاستعمار البريطاني ، إلا أنه استمر بعد الاستقلال كركيزة أساسية لاقتصاد البلاد.

الأهمية الاقتصادية :
كانت أهمية مشروع الجزيرة للاقتصاد السوداني تنبع من إنتاجه للقطن الذي كان يُعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية ، بالإضافة إلى توفير فرص العمل للكثير من سكان المناطق الريفية. وقد أتاح ذلك للمشروع القدرة على توسيع نطاق خدماته الاجتماعية ، بما في ذلك التعليم.

برامج تعليم المرأة : المرشدات

هدف البرنامج :
كان برنامج المرشدات جزءًا لا يتجزأ من جهود مشروع الجزيرة لمحو الأمية بين النساء في القرى. وهدف البرنامج إلى توفير فرص تعليمية للنساء ، مما يسهم في تحسين مستواهن التعليمي والثقافي والاجتماعي.

منهجية التنفيذ :
اعتمد برنامج المرشدات على عدة أساليب تعليمية تشمل :

• دروس محو الأمية : تعليم النساء القراءة والكتابة والحساب الأساسي.
• التوعية الصحية والاجتماعية : تقديم نصائح وإرشادات حول الصحة العامة ورعاية الأطفال.
• التدريب المهني : تعليم النساء مهارات يدوية وحرفية يمكن أن تساعدهن في تحسين دخلهن. مثل الخياطة والطبخ..
كذلك الإسعافات الاولية..

التحديات والإنجازات :
على الرغم من التحديات التي واجهت برنامج المرشدات ، مثل قلة الموارد ووجود بعض العادات والتقاليد التي تعيق تعليم المرأة ، إلا أن البرنامج نجح في تحقيق الكثير من الانجازات الملموسة :

• زيادة معدل تعليم النساء : أدى البرنامج إلى زيادة نسبة النساء المتعلمات في مناطق المشروع.
• تمكين المرأة : ساهم التعليم في تعزيز دور المرأة في المجتمع ومنحها صوتًا في صنع القرار.
• تحسين الأوضاع الاقتصادية : عبر تعليم المهارات الحرفية والمهنية ، استطاعت العديد من النساء تحسين مستوى معيشتهن.

تأثير الحرب على تعليم المرأة
التحديات التي أفرزتها الحرب :

مع اندلاع الحروب والنزاعات في السودان ، تأثرت العديد من جوانب الحياة اليومية ، وكان تعليم المرأة أحد أبرز المتضررين. أدت هذه الحروب إلى:

• تهجير السكان : شهدت كل مناطق الحروب نزوح الكثير من الأسر عن مناطقهم الأصلية مما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية.
• قلة الموارد : استنزاف الموارد الاقتصادية وتوجيهها نحو مجهودات الحرب بدلاً من التعليم. وكانت نتائج ذلك تفتيت عضد النسيج الاجتماعي وظهور سلوكيات سالبة..
• انتشار الفقر : ومن اكبر مساوئ الحرب زيادة نسبة الفقر مما جعل التعليم أولوية ثانوية لبعض الأسر.

الجهود المبذولة لمواجهة التحديات :

على الرغم من هذه التحديات ، استمرت بعض الجهود لمواجهة تأثير الحرب على تعليم المرأة ، من خلال :

• المبادرات الأهلية والدولية : بدات المنظمات المحلية والدولية بمبادرة تعليم النساء في المناطق المتضررة. وعلى الرغم من قلتها وقلة المنتفعات منها إلا انها كانت تجربة حقيقية في مجال التعليم ومحو الأمية
• تطوير برامج تعليمية مرنة : تكييف البرامج التعليمية لتناسب هذه الظروف الاستثنائية ، مثل التعليم عن بُعد.

التعليم كوسيلة للسلام
دور التعليم في تعزيز السلام :
يلعب التعليم دورًا محوريًا في تعزيز السلام وبناء المجتمعات المستقرة ، وذلك عبر :

• تعزيز الوعي : بلا شكك فان التعليم يساهم مساهمة كبيرة في رفع الوعي لدى الأفراد بأهمية السلام والتعايش السلمي.
• بناء القدرات : من خلال تطوير مهارات الأفراد ، يصبحون أكثر قدرة على المساهمة في تنمية مجتمعاتهم.
• تمكين المرأة : تعزيز دور المرأة في المجتمع ، مما يسهم في نشر قيم التسامح والمساواة.

تجارب ناجحة :
توجد العديد من التجارب الناجحة في مناطق النزاع التي استفادت من التعليم كوسيلة لتعزيز السلام ، مثل:

• برامج التعليم في مخيمات اللاجئين لتقديم التعليم للأطفال والنساء في المخيمات لضمان استمرارية التعليم رغم النزوح.
• مبادرات تعليم المرأة : مثل برنامج المرشدات في مشروع الجزيرة ، والذي يُعد نموذجاً يُحتذى به في تمكين المرأة وتعزيز دورها في المجتمع.

الخاتمة

يبقى تعليم المرأة في السودان ، وفي كافة مناطق النزاع ، واحدًا من أهم القضايا التي تستحق الاهتمام والدعم. على الرغم من التحديات التي فرضتها الحروب والنزاعات ، إلا أن الجهود المستمرة لتحقيق هذا الهدف تعكس الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا للنساء والمجتمعات بشكل عام.

بتعزيز تعليم المرأة ، يمكننا بناء مجتمعات أكثر قوة وتماسكًا ، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق السلام والاستقرار .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..