مقالات وآراء سياسية

نحو سودان جديد : القوى المدنية في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية

زهير عثمان حمد

 

ضعف الحركة السياسية وغياب الرؤية الاقتصادية والتنموية
كانت الحركة السياسية السودانية التي قاومت الاستعمار تتألف في البداية من مجموعة من المثقفين الذين أنشأوا مؤتمر الخريجين. ومع تحولهم السريع إلى أحزاب سياسية ، فقدت هذه الحركة ارتباطها المؤسسي بقاعدة جماهيرها. افتقدت الأحزاب إلى برامج اقتصادية وتنموية واضحة ، وانغمست في المناورات السياسية عند توليها السلطة، مما أضعف قدرتها على القيادة والتوجيه.

نخبة سياسية غير مهيأة وأثر الاستعمار
النخبة التي تولت الحكم بعد الاستقلال كانت تربيتها وإعدادها بيد المستعمر ، مما جعلها تنفذ أجنداته بدلاً من الأجندة الوطنية. حتى مع وجود الوطنية والإخلاص ، افتقرت هذه النخبة للخبرة العملية في إدارة الدولة ، مما أدى إلى العديد من الأخطاء التي أضعفت البلاد.

انسحاب الاستعمار بشكل سريع ومفاجئ
انسحبت دولتا الحكم الثنائي (مصر وبريطانيا) بسرعة ، تاركة السودان يواجه مصيره بقدرات محدودة لدى النخبة الحزبية. انسحاب مصر جاء بعد أن أعلن الاتحاديون الاستقلال بدلاً من الاتحاد معها ، وبريطانيا فقدت مصالحها المتوقعة بعدم انضمام السودان للكومونولث. هذا الانسحاب السريع ترك السودان يواجه تحديات كبيرة دون دعم كافٍ.

الصراعات الداخلية والتعامل الخاطئ مع الجنوب
اندلعت الحرب في الجنوب قبل إعلان الاستقلال بسبب التعامل الخاطئ مع طموحات الجنوبيين ، مما حول التمرد إلى حرب أهلية. كذلك ، النزاعات في الغرب التي تفاقمت بسبب غياب التنمية والاتهامات ضد الشمال النيلي بالسيطرة على الحكم المركزي.

الانقلابات العسكرية وتعطيل الديمقراطية
الانقلابات العسكرية المتكررة عرقلت مسار الديمقراطية وحرمت الشعب من فرص التعلم من تجاربه. كلما عادت القوى السياسية إلى الحكم بعد ثورات شعبية ، كانت تعود أضعف بسبب غياب القيادات الكاريزمية وبسبب العداء من الذين اكتسبوا نفوذاً خلال فترات الحكم العسكري.

سطوة الطائفية الدينية
الطائفية الدينية المتمثلة في الطريقتين الكبيرتين (الختمية والأنصار) وانغماسها في السياسة أضعفت الحكومات الائتلافية ، وأعاقت اتخاذ القرارات الهامة. التنافس بين هذه الطوائف أدى إلى تقويض الاستقرار السياسي وأعطى الفرصة للإسلاميين للسيطرة على الحكم في 1989م ، مما أدى لاحقاً إلى انفصال الجنوب في 2010م .

التطبيق السيئ لنظام الحكم الفيدرالي
تطبيق نظام الحكم الفيدرالي بشكل غير ملائم أدى إلى تعميق فجوة التنمية بين الولايات والمدن الكبرى ، مما دفع السكان للهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص العمل. هذا الضغط على المرافق الخدمية في المدن زاد من تعقيد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

الفشل الاقتصادي
لم تقم الدولة إلا ببضعة مشاريع استراتيجية مثل خزان مروي واستخراج البترول ، الذي ذهب عائده إلى جيوب بعض المحظوظين. في المقابل ، دمرت مشروعات قائمة مثل مشروع الجزيرة ، السكة الحديد ، وسودانير. الصناعة ظلت تعتمد على استيراد المواد الخام ، مما شكل ضغطاً كبيراً على العملة الوطنية. إضافة إلى ذلك، إجراءات التأميم التي اتخذها النميري أدت إلى هروب المستثمرين. تهريب الثروات الوطنية واستمرار تصدير المواد الخام بأسعار زهيدة، والاعتماد على القروض الدولارية لإنشاء مشاريع وهمية ، كل ذلك أثقل كاهل الاقتصاد السوداني.

تلك العوامل المتشابكة والمتداخلة ساهمت في إضعاف الدولة السودانية بعد الاستقلال ، حيث فشلت في تحقيق التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي ، مما جعلها تواجه تحديات كبيرة ما زالت تعاني منها حتى اليوم. ولإخراج السودان من دوامة الفشل ، يجب على القوى المدنية أن تأخذ زمام المبادرة السياسية لتحجيم دور العسكر في الحياة السياسية.

المطالبة بالقوى المدنية بأخذ زمام المبادرة السياسية

تحتاج القوى المدنية في السودان إلى المبادرة والتصدي للتحديات السياسية والاقتصادية عبر مجموعة من الخطوات المهمة:

التسوية السياسية والمصالحة

تحقيق تسوية سياسية شاملة تشمل جميع الأطراف المعنية ، مع التركيز على حل النزاعات الداخلية.
تعزيز الحوار والتفاهم بين الأحزاب والمجتمع المدني للوصول إلى توافق وطني.
التنمية الاقتصادية والاستثمار

تطوير البنية التحتية والاستثمار في الصناعة والزراعة والسياحة.
تشجيع الاستثمار الأجنبي وتنويع مصادر الإيرادات.
تعزيز الديمقراطية والمؤسسات الحكومية

تعزيز دور المؤسسات الديمقراطية مثل البرلمان والقضاء والصحافة.
تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
تطوير التعليم والتدريب

تحسين نوعية التعليم وتطوير برامج التدريب لتأهيل القيادات السياسية والإدارية.
تشجيع الشباب على المشاركة في العمل السياسي والاقتصادي.
تعزيز الوحدة الوطنية والهوية السودانية

تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء الوطني بين المواطنين.
تعزيز الهوية السودانية المشتركة والتفاهم بين مكونات المجتمع.
نصائح للقوى المدنية في التعامل مع المكونات العسكرية

لضمان تحقيق حكم مدني ديمقراطي ، يجب على القوى المدنية اتباع النصائح التالية في التعامل مع المكونات العسكرية:

الحوار والتفاهم

تعزيز الحوار المباشر بين القوى المدنية والعسكرية.
البحث عن نقاط التوافق والمصالح المشتركة للتوصل إلى حلول مشتركة.
التوعية والضغط الشعبي .

توجيه جهود التوعية للجماهير حول أهمية الحكم المدني والتحول الديمقراطي.
تنظيم حملات إعلامية ومظاهرات سلمية للضغط على المكونات العسكرية.
التعاون مع المجتمع الدولي

البحث عن دعم دولي للتوسط والتأثير على العسكر للتخلي عن السلطة.
توجيه الانتباه إلى أهمية الاستقرار والديمقراطية في المنطقة.
التركيز على الحلول السلمية

تجنب العنف والتصعيد ، والبحث عن حلول سلمية للأزمة.
العمل على تحقيق التوافق بدلاً من التصعيد.
التعاون مع القوى السياسية الأخرى

توحيد الجهود مع الأحزاب والتنسيقيات الأخرى لتحقيق الهدف المشترك.
العمل كفريق واحد لتحقيق التغيير المطلوب.
هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تعزيز قدرة القوى المدنية على قيادة السودان نحو مستقبل مستقر ومزدهر، مع تحجيم دور العسكر في الحياة السياسية لضمان تحقيق حكم مدني ديمقراطي شامل .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..