وقفات مع حديث والى (النهر) بشأن موانى (البحر)

عوض البارئ محمد طه
حديث غريب ذلك الذى تفوه به علنا وخارج البلاد محمد البدوي عبد الماجد أبوقرون ، والي ولاية نهر النيل في الملتقى الاقتصادي التركي السوداني .. بل مثير للدهشة والشفقه ليس على الموانى بل على مصير السودان بأكمله فى هذه الظروف الحرجة ؛ اذا كان حكامه المسؤولون عن ولاياته المهددة يتحدثون بهذه الطريقة من التبسيط المخل والمتقاصر عن فهم الواقع والتاريخ القريب وادراك العلاقات الرأسية والافقية بين مؤسسات الدولة فى زمن الحرب وعدم انتقاء التوقيت المناسب للحديث على الاقل اعتمادا على القول المأثور (لكل مقام مقال ولكل زمان واوان رجال) ففى المكان غير المناسب وفى الزمان والاوان غير المناسب تحدث والي نهر النيل حديث من يجهل كل الحقائق عن هيئة الموانئ البحرية التي تسند السودان اقتصاديا فى هذا الوقت بالذات بعد خروج الموارد والإيرادات المالية الاخرى من ميزانية الدولة وانعدام وشح مصادر الدخل وحالة التردى الاقتصادى بسبب الحرب وفى مقدمتها الحرب الاقتصادية الخانقة والمخطط لها والمقصودة .
بل ان الموانى هى من تسند الجيش وتجهزه للقتال مثلما جهز عثمان بن عفان رضى الله عنه جيش العثرة وان كان الزمان غير الزمان والمكان غير المكان .. وهذا وحده يبين بجلاء ان الحرب ليست بالبندقية وحدها وهى بالطبع ليس حديث فى مكبرات الصوت وليست خطب وحماسيات وقرارات خاطئة مثل ما فعل هذا الوالى تحديدا واصدر قرارات استنكرها حتى العالم وقصد منها ان يقال عنه : (انه فات الكبار والقدروا) وهذا ليس موضوعنا ولكن الشئ بالشيئ يذكر.
الوالى قال فى الملتقى انف الذكر فى تركيا انه درس موانى ابوظبى وعلم حجم قدراتها فى المناولة لينتهى الى مقارنة ليست منطقية على الإطلاق مع الموانى السودانية مفادها ان ميناء بورتسودان يجب (هزه) او التخلص منه !! . بل ذهب الى استبداله بميناء (ابوعمامه) المقترح !!!!! ولكن قل لنا بربك يا سيادة والى نهر النيل (ابوقرون) لماذا لم تدرس ميناء بورتسودان ايضا لتتحقق عدالة المقارنه .. أقلها كنت عرفت -واخالك لا تعرف- ان ميناء بورتسودان بدأ انشاؤة فى العام 1903م ومنذ ذلك الحين ظل يفرخ الخبرات التراكمية المتصلة ؛ والان العمالة التى فيه يمكن ان ترفد مواطنى ابوظبى بالخبرات لو لا ضيق ذات اليد لاسباب تجهلها أو تتجاهلها لشئ فى نفس يعقوب..
ولو كنت درست موانى بورتسودان كما درست موانى ابوظبى لكنت عرفت ان ميناء بورتسودان ظل صامتا ويعمل فى مواجهة حصار اقتصادى امتد لفترة 22 عاما وما زال يعمل رغم العثرات وسيظل يعمل حتى تشرق الشمس من مغربها .. طالما سنده عمال اوفياء وليس ساسة من النخب التى (هزت) السودان بحديثها الفوقى والسطحى فيما تعلم وفيما لا تعلم .. ولكن السؤال (لصالح من الترويج لميناء ابوعمامه وفى هذا الوقت بالذات)؟؟!!!! هذا الوقت الذى وصلت فيه الحرب الى اطراف نهر النيل وللاسف والى (النهر) مشغول بأمر (البحر) وهو لا يعلم ان لاشيئ يثير ثائرة اهل البحر غير مجرد الحديث او المساس بالموانى السودانية.
هذا الحديث يجانبه الصواب فى هذا الوقت بالذات لان هيئة الموانى البحرية هى المؤسسة السودانية الوحيدة التى تتقدم فى زمن التراجع وتستجلب الكرينات الچديدة الان .. بعد ان ظلت تعمل باليات متهالكه طوال فترة الحصار الاقتصادى وتمثل رأس الرمح فى الحرب الاقتصادية ؛ وتدعم القوات المسلحه وعمالها يؤثرون على انفسهم وبهم خصاصه ؛ فهم لعام كامل ينتجون ولا يصرفون حافز الانتاج بل كما قال مديرها العام الكابتن محمد حسن مختار لقناة الجزيرة الفضائية : ان عمال الموانى يقاتلون مثل القوات المسلحة ؛ فالجيش يقاتل بالسلاح وهم يقاتلون بالانتاج .
واخيرا يا سيادة الوالى (ابوقرون) ان من اهم اسباب الحرب التى يخوضها الجنجويد وينهبون فيها ويقتلون ويسرقون ارضاءا (لام قرون) من اهم اسبابها الموانى البحرية السودانية. فهل يا ترى نعطيهم بالحديث فى القاعات والملتقيات ما عجزوا عن الحصول عليه بقوة السلاح ؟؟؟ ام ندخلهم عبر بوابة (ابوعمامه) فنصبح مثل النعجة التى خافت على صغارها من المطر فاخفتهم فى بيت المرفعين..؟؟!!! .
تسلم ايديك ي بكل كفيت وافيت.