مقالات وآراء

السودان – سيناريو حل الدولتين.!!

إسماعيل عبد الله

 

حروب الشرق الأوسط وشمال افريقيا، المخطط لها بعناية فائقة بسياسات الخارجية الأمريكية ، ووكالة المخابرات الأمريكية ، وبالأخص في عهد مستشارة الأمن القومي الأمريكي الدكتورة كونداليزا رايس ، قد أتت أكلها بتقسيم ليبيا إلى دولتين – إحداها محكومة من طرابلس والأخرى عاصمتها بنغازي ، وبعد حرب العراق تمتع إقليم كردستان بحكم شبه ذاتي في إطار دولة فدرالية ديمقراطية ، واليمن قسمت ليمنين ، وحرب السودان جعلت سيناريو حل الدولتين يلوح في الأفق ، ليكون خياراً من الخيارات المطروحة بخجل ، على الأقل حتى الآن ، وما يدفعنا لتغليب كفة سيناريو حل الدولتين هو ذلك التمدد الكبير الذي أحرزته قوات الدعم السريع في الميدان ، وانتقائها لولايات بعينها ، دون التوسع نحو ولايات أخرى هي الأقرب للعاصمة التي تسيطر على أجزاء واسعة منها ، فمع إمكانياتها العسكرية الكبيرة إلّا أن أول ما بدأت به هذه القوات هو الاتجاه جنوباً وغرباً، نحو الجزيرة والنيلين الأبيض والأزرق وكردفان ودارفور ، ما يشي بأن هنالك استراتيجية محددة للمتحركات العسكرية ، ومن الواضح سعي هذه القوات الحثيث لحسم معارك الفاشر وكوستي والأبيض والقضارف وشندي ، لفرض أمر واقع على المؤثرين في الشأن السوداني ، وللوساطتين السعودية والسويسرية ، فعبور قوات محمد حمدان دقلو الحدود الجنوبية لولاية نهر النيل متجهة شمالاً ، بمثابة وضع الحدود الفاصلة بين دولة عاصمتها الخرطوم ، وأخرى جعلت من بورتسودان مقراً لها ، ومن المؤمل أن يتم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيشين ، بعد أن يتم تحديد الحدود الفاصلة بين الدولتين ، فهذا السيناريو ترجحه المواقف المتصلبة للجيش الذي تقوده عناصر متطرفة من حزب المؤتمر الوطني ، تقف من وراءها دول لها تأثيرها الكبير في الإقليم.

السودان وليبيا واليمن والعراق بينها قواسم مشتركة مساعدة على التفتت والتفكك ، والفشل في البقاء ككيان واحد ، والسودان كنموذج نلاحظ فيه أن هذه القواسم المشتركة تعكسها الحروب المندلعة منذ ما قبل الاستقلال والتي أدت في آخر المطاف لفصل جنوبه عن شماله ما أدى لولادة أول دولة مستقلة من كيان السودان الكبير ، الذي برزت ارهاصات شبه استحالة استمراره موحداً ، كما ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بالتسريح بإحسان ، لبعض اجزاءه التي لم تصمد في أن تكون وطناً جامعاً – على عكس ما انشد حسن خليفة الفنان الوطني الغيور ، فكما صدم الطيبون من السودانيين بانفصال الجنوب ، يجب أن لا يندهشوا إذا ما آلت الأمور لانقسام آخر ، يشفي صدور قوم مهمومين بالتخلص من عبء الدولة الشاسعة الواسعة التي حدد ملامحها المستعمر ، فبعد المآسي التي خلفتها حرب أبريل والتشرد والنزوح الذي طال السودانيين ، يمكن للجهات ذات المصلحة أن تبتز وتقايض طرفي الحرب بالسلام مقابل التقسيم ، وهذا سيكون الهدف غير المعلن من تهيئة الأوضاع منذ وقت مبكر للاحتقان الذي أفرز الحرب ، فصناعة الحروب وإخماد نيرانها بما يتوافق ومصالح القوى الإقليمية والدولية ، من ممارسات أجهزة مخابرات (الدول العظمي) ، التي على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وحلفائهما ، فتوقيت حرب السودان جاء بعد عام من حرب روسيا – أوكرانيا ، وقبيل اندلاع حرب غزة بأشهر ، وهنا لابد من الربط بين هذه الحروب بالنظر إليها من خارج الصندوق ، لنرى التماهي الروسي الإيراني والصداقة الحميمة لإسرائيل والولايات المتحدة فكما أراد الأمريكان والإسرائيليون تذويب قطاع غزة بتوريط إيران وجرها لحرب يعلم أحفاد إسحق أنهم المنتصرين فيها ، كذلك هيأ أصحاب المعبد لحرب السودان.

فشل النخبة السودانية في توحيد السودان أسال لعاب القوى الإمبريالية القديمة ، واستعجلها لالتهامه مجزئاً ، ودفعها لتفويت الفرصة على الدب الروسي الذي وطأ جغرافيا الغرب الافريقي ، حتى لا يبتلع السودان المشروع المؤجل لمستعمريه ، الذين خرجوا منه اسماً لكنهم تركوا أبناءه غير البررة الذين عملوا على إطالة أزمنة فشل الدولة ، إلى هذا اليوم الموعود ، فقصور رؤية النخبة الوارثة للدولة من حكم البريطانيين ، لابد وأن يورث الشعب السوداني أوطاناً مجزأة ، فالبريطانيون أصحاب السبق الاستعماري لهذه الرقعة الجغرافية ، لن يسمحوا للساسة الأغبياء من أبناء البلد لأن يستمروا في ممارسة الفوضى السياسية إلى ما لا نهاية ، فالتدخل الدبلوماسي الخفي للمملكة المتحدة في خط حرب السودان ، لم ينتبه له حتى بعض أصدقاء السودان ، وهو تدخل ذكي يعرف من أين تؤكل الكتف، والهيستيريا التي أصابت ما تبقى من النخبة الفاشلة الممثلة في بقايا جماعة الاخوان المسلمين التي تخرج عرّابها من أكسفورد ، هو نتيجة للبلاهة السياسية التي تؤول بمعتنقها إلى الهلاك ، وكما يخبرنا ديننا الحنيف أن ما يحيق بنا دائماً يكون من كسب أيدينا، وما سويسرا وجدة إلّا خيطين رفيعين من الخيوط الحائكة لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية ، لهذا القطر الذي يفاخر سكانه بأن مساحة أرضه تبلغ المليون ميل مربع ، دون أن يبذل هؤلاء السكان جهداً في زراعة خمسة بالمائة من مساحته بالقمح ، وكما أخبرنا كبراءنا أن الأرض لمن يفلحها ، لذلك لن تدعنا القوى الحريصة على الرفاه العالمي أن نقف حجر عثرة أمام استنفاع الإنسانية من خيرات هذه الأرض الحلوب ، فقد تضافرت كل العوامل المؤدية لحسم فوضى النخبة السودانية الفاشلة ، وآن أوان سماع المريض لتفاصيل روشتة الطبيب العالم ببواطن العلل والأسقام التي يحتويها جسده.

 

[email protected]

‫11 تعليقات

  1. هذا حلمك يا سيد اسماعيل لكنه بعيد المنال …تبا للكيزان والجنجويد….

  2. انعل د…ي…ن الجنجويد والكيزان ……اي دولة يقيمها الجنجويد؟! هؤلاء اللصوص الحرامية العطالي الذين كل ما يجيدونه في حياتهم هي الهمبتة والقلع؟!! تحليلك فطير ومجرد احلام مفاوضات جنيف معنية بوقف اطلاق النار وايصال المساعدات فقط ولا توجد اي مناقشات سياسية و هي الأخيرة بعد ظهور المجاعة بشدة في مناطق كثيرة وفد قالها المبعوث الامريكي هناك خيارات متاحة في حالة فشل الوصول لاتفاق وهذا يعني استخدام القوة لفرض الأمن اما أحلامك بإنشاء دولة تشمل مناطق النيل الأبيض والجزيرة وسنار وتغيير ديمقرافي دي فسوة مدنقر في الخلاء…

  3. غيرت هواك غيرتو هواك ……. مقالاتك الاولى كانت تتحدث عن ديمراطية ومدنية وقبلها ثورة وما الى ذلك …….. الان باحث للانفصال …… بعد تأكد للجميع ان دعمك الصريع فقد الشرعية الاخلاقية التي هي مقوم اي عمل متعدي باحث لنفع الانسان واصبح مستحيل ان يكون له دور في حياة الانساني البتة لا دور عسكري ولا مدني ولا خلافه حتى دارفور هي اكثر من اكتوى بنيران الدعم الصريع لن تقبله مهما
    انتهى دور الدعم الصريع في حياة السودانيين فقط عليهم تحمل ما بقي من اذي سوف يحدثه قبل فنائه باذن الله ……الحمد لله

  4. حباب الدولتين بل اربعة دويلات . المهم ولاياتنا لن يدنسها الجنجويد ومرتزقة الجوار . اما ولايات الوسط الجزيرة وسنار وشمال كردفان ستعود بعزة بنحر كل الجنجويد وأهلها ينظمون انفسهم و القتال لا زال في بداياته.

  5. نقول لاخونا التعايشي الاستاذ اسماعيل عبد الله …يا فلنقاي اصحي ..
    اصحي واستيقظ من تكهنات الرجم بالغيب ومقاطعة النظر الي وجهكك في المرآة كافضل علاج لكم من حالة الاستلاب العروبي والوعي الزائف والسلبطة …
    قال العراق وكردتسان وليبيا واليمن مهلاً يا اخا العرب ؟؟!!

    1- السودان تم تقسيمه الي دولتين …
    2- شمال افريقيا العراق واليمن هذه بلدان عربية شرق اوسطية … أما السودان -ألا في نظر العاهات من ابناءه- فهو دولة افريقية وتقع في محيط دول مثل افريقيا الوسطي والكونقو ويوغندا ودولة جنوب السودان ..
    3- آفة التغطيات الاعلامية في القنوات العربية للاحداث السياسية في السودان انها خلقت توهماً لدي بعض المتعلمين السودانيين ولا اقول المثقفين ان مصير التطورات مرتبط بما يجري في العالم “العربي” … والتوهم ان راسمي السياسة الخارجية في اوروبا وامريكا يصنفون السودان ضمن الدول العربية الشرق اوسطية.
    4- الصراع الدائر الآن في السودان هو مزيج من السياسة والهوس الديني والصراع القبلي وهو مثال نموذجي لطبيعة الصراعات الافريقية ..

  6. الأخ إسماعيل يستخدم قلمه الحاد ليقول لنا: استيقظوا وإلا فإن الكارثة آتية. ومن الواضح أنه لا يريد تقسيم السودان وتدميره.

  7. حروب الشرق الأدنى، ليس لها أي علاقة بأمريكا وغيرها ، سببها عدم وجود دوله بمفهوم الدوله المتعارف عليه ومما زاد الطين بلةهو قيام الأحزاب الإسلامية وتسيدها الموقف ، لأن الأنظمة القمعية قضت على اي رأي ولم تستطيع الاغلاق المساجد التي نشأت فيها الجماعات الإسلامية السياسية.
    إذا تريد أن تدمر شعبا وتنشر الحروب بين الشعوب فما عليك إلا ا ن توصل الجماعات الإسلامية للحكم
    يافيها يانطفيها كما هو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..