مقالات سياسية

المدنية او الحرب 

يوسف السندي 
حكم العسكر السودان لمدة ٥٨ سنة من عمر السودان المستقل البالغ ٦٨ سنة ، فماذا كنا نتوقع غير السقوط في الحروب؟ لا أفهم كيف لعاقل يعلم ان هذا السودان حكم بالبندقية والسلاح والقهر طيلة هذه السنوات ، ولا يستنتج ان هذه البندقية ستقود إلى الحرب والقتل والدمار!! .
الازمة من بساطتها لا يراها الكثيرون ، ومن سطوع حقيقتها لا يتبينها الكثيرون ، الازمة ببساطة أزمة بندقية ، وحقيقتها استخدام البندقية للوصول للسلطة. وطالما ان هذه البندقية استخدمت في كل الانقلابات فان الطبيعي ان تنتهي البلد إلى حرب لا تبقى ولا تذر ، فالبندقية التي انقلبت على السلطة ، تكاثرت وتناسلت ، وملأت الارض بنادق ، وهو شيء طبيعي ، فالبندقية لن تنتج عباقرة ولا فلاسفة ، بل تنتج قتلة ومليشيات.
فلماذا يستغرب البعض هذا المصير؟ لماذا يظنون ان هذه الحرب جاءت فجاة ، او اندلعت بلا سابق إنذار! الحقيقة ان معظم القوى السياسية الوطنية نبهت منذ بداية الستينيات من هذا المصير ، وظلت تكرر وتؤكد ان كل انقلاب عسكري يقرب البلاد إلى مصير قاتم واحتراب مؤكد وتمزق وجحيم ، ليس عسيرا ان يجد الناس هذا مكتوبا في مخرجات تحالفات المعارضة السودانية للانظمة الدكتاتورية ، منذ انقلاب عبود وحتى انقلاب البرهان ، كلها جاءت تحمل نفس التشخيص الذي يقول : الانقلاب يقود للخلاف ويعمق الكراهية ويشتت الوجدان القومي ويمزق الوحدة وأن كل هذا سيقود للحرب. ولكن من يقرأ؟ ومن يهتم؟! .
لا تحتاج أزمة السودان لعبقري لكي يشخصها ، هي أوضح من الشمس في رابعة النهار ، وهي أزمة استخدام السلاح وسيلة للوصول للسلطة والثروة ، وهي الازمة التي جعلت كل عسكري يحلم اباه بانه سيكون رئيس السودان في المستقبل ، فهذا السودان لا يحكمه الا العساكر ، كما انها الازمة التي تجعل كل رئيس مليشيا وكل متمرد يحمل السلاح مكانه محجوز في القصر الجمهوري، منذ تمرد انانيا ون ، والى تمرد مناوي وعقار وجبريل ، كلهم حجزوا مكانهم في السلطة بسلاحهم ، فلماذا لا يسعى الاخرون لحمل السلاح لكي يصلوا لهذه السلطة؟! .
قل لي كم مليشيا وحركة مسلحة توجد الان في السودان؟ غالب الظن انك لن تستطيع احصاءها ولو كنت من المهتمين بالبحث، فهي أكثر من ان تحصى ، وكل يوم جديد تظهر مليشيا جديدة ، فلماذا تظهر هذه المليشيات؟ . لانها الوسيلة المعتمدة للوصول للسلطة والجاه والثروة ، وماذا يحدث حين تختلف هذه المليشيات حول السلطة؟ الحرب ، لا شيء يحدث سوى الحرب ، اذا لماذا يستغرب البعض من اندلاع هذه الحرب ولماذا يظنون انهم بدعمهم لهذه البندقية او تلك سيوقفون الحرب؟ هذه الحرب لن تقف ما لم تخرج البندقية تماما من الساحة السياسية ، ويسود الحكم المدني.
 نقطة لا سطر جديد.

‫4 تعليقات

  1. اجزيت خيرا على هذا التحليل الراقي دائما تضع النقاط على الحروف نحن دائما في إنتظار ما تجود به تجليات في الوضع الراهن المأزوم اللهم اجمع قومي على قول الحق والنصيحة وقبولها آمين

  2. ارجو ان تواصل استاذ يوسف لان مقالاتك تأتي بالسهل الممتنع و اعلم انك تخاطب قسم كبير من البشر صم بكم لا يعقلون.

  3. فعلا يا استاذ يوسف…نقطة وسطر جديد ….لقد وضعت يدك في موضع الجرح فكثرة البنادق تنتج الحروب وهؤلاء العسكر الاغبياء مكانهم الثكنات وليس دواوين الحكم….نقطة سطر جديد….

  4. كلامك صحيح يا أستاذ يوسف، بس المشكلة في أحزابنا الضعيفة المملوكة لبيتي المهدي والميرغني والتي تعتبر هي الأحزاب الكبري ذات القواعد الكبرى وللأسف زعيمها يكون من المهد إلى اللحد ثم يرثها أبناؤه من بعده، هذه ليست أحزاب بالمعنى الصحيح لمعنى كلمة حزب بل هي مجرد اقطاعيات تخص أصحابها، وللأسف لا تتاح الفرصة لأي شخص من خارج هذين البيتين بتولي زعامة الحزب مهما كانت قدراته وكفاءته، بل يتولى الزعامة أبناء زعيم الحزب ذوي القدرات المتواضعة جدا مما ينعكس على أداء الحزب بعد أن يتولى الحكم فيحدث السخط والتململ من جانب الشعب فيجد العسكر فرصتهم فينقضوا على الحكم، ولعلك تذكر عندما انقض عمر البشير على السلطة بعد انقلابه في عام ١٩٨٩م ومن قبله نميري في ١٩٦٩م لم يخرج الشعب في مظاهرات لحماية الديمقراطية، لم يكن هناك بواكي على الديمقراطية على الإطلاق بسبب سخط الشعب على تواضع أداء الأحزاب الحاكمة في ذلك الوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..