
فيصل محمد صالح
سنة أولى صحافة
دخلت إلى مكاتب صحيفة “الصحافة” ذات يوم أحمل صورا من شهاداتي أبحث عن العمل. كان زميلنا في الجامعة عثمان نمر قد سبقنا للعمل الصحفي، رغم أنه خريج كلية الزراعة. لم تكن لدي معرفة قوية به ، لكن قررت المحاولة. دلفت لمكاتب صحيفة الصحافة في شارع علي عبد اللطيف وسألت عن عثمان ، أدخلوني له بعد دقائق. وقفت أمامه مترددا وبدأت في سرد كلام كنت قد حفظته مسبقا ، رفع وجهه من الورق ، قال لي بسرعة : إنت فلان اتخرجت وجايي تشتغل في الصحافة ، ثم سكت. جلست إلى جانبه حوالي عشر دقائق ، دون أن يرفع وجهه من الورق ، تململت ، فقال لي بنفس السرعة ، أصبر دقائق. بعد حوالي عشر دقائق أخذني لمكتب الاستاذ فضل الله محمد : الزول دة كويس يا أستاذ فضل الله … شغلوا ، ثم خرج وتركني في مواجهة الأستاذ فضل الله.
كدت أولي هاربا ، فما تخيلت أنه سيتركني في هذا الموقف ويخرج ، سكت دون أن أنطق حرفا ، رفع الاستاذ عينيه ونظر لي ، قال كلمتين: نحن بنجرب الزول بعد ذلك نقرر يشتغل معانا أم لا ، خلي عثمان يوديك لعراقي.
أومأت برأسي وخرجت مضطربا عائدا لعثمان نمر ، عرفت أن الأستاذ بابكر العراقي هو رئيس قسم التحقيقات ، قلت لعثمان أني لا أريد العمل في التحقيقات ، أساتذنا من جهابذة الإعلام المصري الذين تتلمذنا على أيديهم، سواء مباشرة في الجامعة أو عبر المتابعة والقراءة ، أجمعوا كلهم أن المدخل للعمل الصحفي هو في قسم الاخبار ,,,,,, وصرفت عربي كتير. أقنعني عثمان بعد جدل طويل بأن العمل في التحقيقات لا يمنع التعاون مع قسم الاخبار … وقد كان .
كانت تجربة العمل مع أستاذ عراقي في بداية العمل الصحفي أقصى ما يتمناه الصحفي المبتدئ ، كان بالقسم عدد كاف من الصحفيين لتغطية عمل القسم خلال الاسبوع ، لهذا كان لديه الوقت ليقرأ ويصحح ويناقش ، ثم يعيد لك ما كتبته لتراجعه وتعيد كتابته مرة أخرى. لم يعد هذا هو الامر في السنوات الأخيرة ، إما أن يتم نشر ما يجلبه الصحفي المبتدئ كما هو ، وأما أن يحال لمحرر عام ليعيد صياغته بسرعة ويتم نشره.
كانت الجريدة خلية نحل وملتقى رموز وأعيان المجتمع مدير التحرير الاستاذ شريف طمبل ، سكرتير التحرير الاستاذ نور الدين مدني ، رئيس قسم الاخبار الاستاذ توفيق صالح جاويش أشهر مخبري الصحافة السودانية وملك الطرافة والنكتة الحاضرة ، في المنوعات الاستاذ فؤاد عباس ، في الرياضة أحمد محمد الحسن ودسوقي وحسن عز الدين في الاخبار الخارجية الاستاذ الكبير محمود بابكر جعفر “عمو”، في الاقتصاد الأستاذ حسن أبو عرفات ، ومجموعات من الصحفيين من أجيال مختلفة في مختلف الاقسام مجرد محادثة أحدهم في أي يوم أو ملاحظة عابرة تكسبك معلومة وخبرة. كنا مجموعة من خريجي الإعلام غزونا الصحيفة في وقت متزامن ، وكان العاملون بالصحافة خريجي كليات مختلفة ، وأكثر من نصفهم لم يدرس في أي جامعة ، لكننا كنا نعلم يقينا أنهم اساتذة و”أسطوات” في العمل الصحفي ويجب أن نتواضع ونتعلم منهم.
كان الحماس يدفعنا لمزيد من العمل ، تحقيقين في الاسبوع ، ثلاثة أو أربعة أخبار لقسم الاخبار ، مساهمات في المنوعات والشؤون الحارجية وحتى الرياضة. دخلنا في وقت واحد ، شخصي وراشد عبد الرحيم وعطيات عبد الرحيم ولحق بنا محمد الشيخ حسين ، وسبقنا الصديق محمد محمود راجي. وجدنا مجموعة من الأساتذة الصحفيين والصحفيات سبقونا بفترات متفاوتة وكانوا خير عون لنا ، عدا واحد كان يقابلنا بالسخرية ” هي الصحافة بيدرسوها..؟ الصحفي بيولدوه من بطن أمه صحفي”. هذا طبعا اعتقاد شائع ولا أجد غرابة فيه ، ما زال البعض يستنكر دراسة الموسيقى والدراما تمثيلا وإخراجا وبقية الفنون.
كونت ثنائيا مع الصديق محمد محمود راجي، كان راجي قد تم تعيينه قبل وصولنا ، وكنت أنا تحت الاختبار والتدريب. وخلال الستة أشهر الاولى حققنا ثلاث خبطات صحفية كبيرة في مجال الاخبار الخارجية ، بمقاييس تلك الايام التي لم تكن فيها فضائيات أو انترنت وموبايل. كان الاعتماد على الإذاعات وما تقدمه لنا وكالة السودان للانباء “سونا”.
قصفت الطائرات الاسرائيلية مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس ، حين تم إعداد ماكيت الصفحة الأولى كانت التفاصيل قليلة ، لذلك كان خبرا صغيرا في ركن الصفحة الأولى. كان لدينا عمل يبقينا في الصحيفة حتى المساء ، تابعنا التطورات ووسعنا الخبر من الإذاعات ومن أخبار سونا ، ولم يكن سهلا التواصل مع رئيس ومدير التحرير ، لذلك أخذنا الماكيت من الدرج المخصص له ، وأعددنا ماكيت جديد وضعنا فيه هذا الخبر رئيسيا ، ووضعنا الماكيت الجديد في الدرج. المهم بعد غضب محرر السهرة وتهديده لنا، لم يجد بدا من تنفيذ الماكيت الجديد بعد أن أشهد كل من بالدار.حضرت صباح اليوم التالي متخوفا من المساءلة ، ومر اليوم عاديا والذي بعده. في اليوم الثالث كان الاستاذ فضل الله يتحدث عن ضرورة المبادرة في العمل الصحفي وعدم انتظار التكليف ثم ختم حديثه بالقول ” الولدين ديل عملوا حاجة ما بطالة قبل يومين”. تلقينا التهاني بعدها من الزملاء الصحفيين الذين قالوا لنا أن أعظم إشادة يقدمها الاستاذ فضل الله هي وصف “ما بطال”..!. بعد مبادرات متشابهة طالب الأستاذ حسن أبو عرفات من رئيس التحرير بضرورة تعييننا لأننا اثبتنا وجودنا ، وفوجئنا بقيادات الصحيفة يردون ” هم ما معينين ، والله افتكرناهم اتعينوا زمان” وتم تعييني في نفس اليوم مع عدد من الزملاء.
الكوز الحمار راشد عبدالرحيم المعروف براشد الحمار كان معاكم؟؟؟
الاستاذ فيصل متعك الله بالصحة والعافية
ياريت يا فيصل تواصل في سرد حكاياتك في عالمي الصحافة والسياسة وتعمل على تدوين كل ذلك في مذكرات مكتوبة، فآفة حارتنا النسيان.
لفيصل مخزون كبير من الذكريات مع أشخاص وأحداث كثيرة وكبيرة تحتاج ربما لمجلدات لتدوينها.
فيصل محمد صالح حكواتي كبير وصحفي من الطراز (الهيكلي) أخشى ما أخشى أن ينتقل إلى دار البقاء دون أن يوثق ما رأي وسمع فما أكثر ما سمع من السياسيين وما أكثر ما حضر من الأحداث.
شبين ..اؤيد ما ذهبت اليه تماما .. التوثيق اهم من الشفاهة .. قرات في روزنامة الراحل كمال الجزولي .. ما كتبه ..فيصل محمد صالح ..عن صديق عمره ..وخدن روحه كما ذكر .. معتصم الفاضل الجلابي ..رحمة الله عليه .. وكانت تلك كلمات من اروع ما قرات .. واحتفظ بها حتى يومنا هذا .. فارجو من الاخ فيصل مواصلة ما بداه ..
أى زول عارف جريدة الصحافة وقتها كانت مؤممة تكسر تلج لنميرى فكيف زول زيك عامل بتاع حكم مدنى يكوش شغل فيها؟
لانو لغاية الوكت داك كيزانك الرمم ما كانوا حكموا وبدؤا في التمكن من بعد التمسكن أيام جعفر الحمار.
لمن لم يحضر تلك الأيام فقد كانت هناك صحيفتان فقط لا غير في أوائل التسعينات.
هاجر فيصل وكل الصحفيين الأحرار واعادوا تأسيس صحف مثل الخرطوم والاتحادي وغيرها.
أيام نميري يا حمارة كان عادي تلقى مدير مصلحة أو وكيل وزارة شيوعي أو كوز أو حزب أمة مش زي الأيام الوسخة بتاعتكم.
الله لا عادكم ولا عاد أيامكم يا وهم.
فيصل لمن هاجر القاهرة بعد سنوات ذكر فى برنامج بتوقيت القلب فى تلفزيون الإنقاذ أنه كان يزور ناس السفارة حقت الإنقاذ ببيوتهم كاصدقاء وبشيل منهم صحف سودانية برضو زمن الإنقاذ شارك محمد لطيف نسيب البشير فى طيبة برس. فيصل ناصرى وعبدالناصر دياشى زى البشير و برهان فما علاقة فيصل بالحكم المدنى؟
الصحافة جريدة. كانت تابعة لنظام. جعفر نميري. مايو
فيصل. سيبنا من الحركات دي يعني عايز تقول الصحافه زمن مايو كانت احسن
مين أتى بك إلى حكومة الثورة. والان عرفت ليه كنت صامت ولا تتكلم. كوزير. لانك خايف من تاريخ اسود
يا أبو كلجة أعمل شخيت واقيف بعيد.
فيصل محمد صالح ظاهره كباطنه وليس له تاريخ اسود أو حتى رمادي.
العمل بل والترقي في كل دواوين الحكومة بما فيها الصحافة والأيام والتي كانت إسماً فقط تتبع الإتحاد الاشتراكي على أيام مايو كانت متاحة للجميع بدون فرز.
من الأمثلة أن مدير سكك حديد السودان في أواخر عهد نميري كان شيوعياً وهو هاشم محمد احمد واستقال إحتجاجاً على قبول نميري لتوصيات صندوق النقد الدولي بخصوص السكة الحديد.
وقد كان وكيل وزارة المالية حسبو أحمد عرابي إتحادياً.
انت قايلها زي أيام الكيزان الشراميط؟
جعفر نميري كان حماراً بإمتياز ولكنه لم يكن قاطع للارزاق. حتى الشيوعيين الذين فصلهم في عقابيل إنقلابهم الفاشل في ١٩٧١ أعادهم للعمل بعد تصفية المعتقلات.
تلك ايام كنا شهوداً عليها وما شهدنا اإلا بما علمنا.