مقالات وآراء

ما وراء انفصال جنوب السودان واستقلال الهند وباكستان

إسماعيل عبد الله

 

من المعلوم أن استقلال الهند وباكستان جاء بقرار من داخل البرلمان البريطاني في العام 1947م ، من شهر أغسطس يوم الخامس عشر – (موعد تدشين منبر جنيفا الخاص بوقف اطلاق النار بين قوات الدعم السريع والجيش) ، فكان كيان دولة شبه القارة الهندية جامعاً للدول الثلاث – الهند – باكستان – بنغلاديش ، وكان الزعيمان المؤسسان غاندي ومحمد علي جناح لوقت قصير قبيل الاستقلال ، يعملان في تناغم تام وقناعة كاملة تحت مظلة الدولة الواحدة ، إلى أن جنح جناح الباكستاني جنوحاً دينياً ، ليؤسس الجمهورية الإسلامية المعبّرة عن آمال مسلمي الهند آنذاك ، بينما اختار غاندي أن تكون الدولة علمانية تنصهر في بوتقتها كل الأديان ، وسارت الدولتان في خطيهما اللذين رسماهما الزعيمان المؤسسان ، وفي العام 1971م حدث زلزالاً عنيفاً شطر باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن باكستان ، وذلك الانقسام أيضاً لعبت فيه العلمنة والديننة دوراً محورياً ، بينما استمرت الهند كمنظومة فدرالية ديمقراطية حوت العديد من الأديان والأعراق ، واليوم تعتبر الهند خامس اقتصاد في العالم ، وما زال حبل تجارتها على الجرار ، تقتحم الأسواق العالمية بالبضائع وبالعمالة الماهرة والعادية ، وبالخبرات العلمية والمهنية الكبرى ، ويكفي وجودها الطاغي في سوق تقنية المعلومات كأجهزة وكعقول ، بينما المسكينة باكستان ترزح تحت نير الإرهاب والتطرف ، وأصبحت بيئتها صالحة لاحتضان الرموز والتنظيمات الأصولية ، وارتفع معدل الجرائم الانتحارية والتفجيرات المدفوعة بأفكار الغلو الديني ، ويقيني أن المسلمين المعتدلين الذين غرّهم مشروع محمد علي جناح الطوباوي حينذاك فذهبوا معه ، أجدهم اليوم يعضون أصابع الندم ويسألون أنفسهم لماذا لم يبقوا في الهند ، لكنه القدر اللعين الذي ساق خطاهم وما دروا ماذا كانوا يصنعون.

لقد بلغ النمو الاقتصادي للهند 8.4% السنة الماضية وهذا المعدل يعتبر متقدم جداً إذا ما قورن بمعدلات نمو اقتصاديات دول كبرى لمنظومة “البريكست”، وعلى خلفية السرد التاريخي لتطور الدولة الهندية (العلمانية) ، ينكشف السر الأعظم للتخلف الاقتصادي للشعوب والدول الراكنة للأنظمة الراديكالية ، فأكثر ما أضر بالاقتصاد الباكستاني هو الانزواء داخل كهف المنظومات السياسية المرتدية لعباءة الدين وما جرته العصبيات العقائدية من أسباب التخلف الاقتصادي ، ومن تجاربنا الاجتماعية في بلدان الخليج نجد الإخوة الباكستانيين يكنون وداً وحباً لأخوتهم السودانيين، من منطلق قاعدة الإخاء الديني ، لكن لم تستطع الحكومتان الدينيتان في اسلام أباد والخرطوم ترجمة هذا الود اقتصادياً ، وربما تعاون النظامان على مستوى التخابر الداعم لحركة الجماعات المتطرفة هذه المقاربة القصد منها فضح عاطفية العقل الديني ، الذي لا يعير التنافس الاقتصادي العالمي أدنى اعتبار ، فعالم اليوم يحترم العمل والعلم الداعمين للابتكار والإبداع والتسابق للحصول على براءات الاختراع ، ولو كانت للعاطفة الدينية الجياشة من مردود منفعي اقتصادي لجاءت لنا هتافات مليشيات الدفاع الشعبي في السودان بالخير الوفير ، لا الوبال الكبير الذي انتج حرب اليوم ، والحرب الأخرى الطويلة الأمد التي أجبرت الجنوب للذهاب جنوباً ليؤسس دولته ، هب أن الجنوبيين خرجوا من نفق الوحدة الكاذبة لا الجاذبة مبكراً في العام 1956م ، أكاد أجزم أن تكون العاصمة جوبا اليوم في مقام حسناء افريقيا وعروس مدائنها ، بدلاً عن استهلاك السنوات الطويلة والعقود المديدة في خوض حرب الوحدة التي دفع ثمنها طرف واحد ، وباعتبار أن النهج الفكري للحركة الشعبية لتحرير السودان – محررة جنوب السودان ، نهج علماني ، سيقفز شعب جنوب السودان للرفاه الذي يليق به ، وذلك لسبب واحد هو انفصاله عن (باكستان السودان).

العبرة من رسالة هذا المقال أن يحذر السودانيون من مغبة مهادنة أي جماعة دينية ، تبشر بمشروع سياسي يتخذ من الدين وسيلة للوصول لمقاعد البرلمان وكراسي القصر ، وكما أسهم مشروع المؤتمر الوطني الإخواني في فصل جنوب السودان ، سيكون الاستمرار في مجاملة أي طرح ديني وصولي انتهازي مؤدياً لانقسامات أخرى ، ومن أكثر الأقاليم المرشحة للنأي بنفسها عن مهزلة الحكم الاسلاموي ، جبال النوبة وجبل مرة ، وإذا لم يفق السودانيون من غيبوبة خدر المتاجرة بالدين سيرزحون تحت نير التخلف الاقتصادي ، ويغرقون في فوضى العيش تحت إمرة فتاوى الكتب الصفراء ، التي يصدرها أمثال المعتوه الذي أشار للدكتاتور بسفك دماء ثلث المسلمين ، وأنا على يقين من إتيان ذلك اليوم الذي يخرج فيه من أصلاب هؤلاء الشيوخ المسوخ ، جيل ينصب لهم المحاكم وهم عظام نخرة تحت القبور ، لقد حكمنا فقهاء الإخوان المسلمين بالدجل ، وبالشعوذة التي أعطت الفكي (الفقيه) الحق في أكل أموال الناس أكلاَ حراماً ، تحت ستار الدين ، وأن يغتصب الأطفال في الكتاتيب مستغلاً منهج “إقرأ” النبيل لإشباع شهوته المنحرفة ، ويحرم الناس من خيرات الذهب الأسود اتباعاً لفتاوى فاجرة وفاسدة أطلق عليها المعتوهون (فقه التحلل) ، والناظر لحال الدولتين الآسيويتين – الهند وباكستان – اليوم، يعي مغبة الانجرار وراء فوضى فتاوى الضلال من معتنقي نظريات الهوس الديني ، فلابد لمن أراد خيراً بشعب بلاده من أن يشعل قنديلاً للسلام والمحبة والتسامح الديني، ويعلم النشء علماً يستبين به طرق الخلاص من منهج التمائم والكتب الصفراء ، التي ما زالت تذخر بها أرفف مكتبات المدارس والجامعات.

 

[email protected]

 

‫9 تعليقات

  1. والله يا استاذ إسماعيل حيرتنا معاك
    بالأمس كتبت مقال تنادى فيه بضروره فصل دارفور استناداً على وقائع تاريخيه وسياسيه واليوم تحذر من مغبه هكذا انفصال وتتحسر على حال الوحده بين الهند وباكستان!!!!!!!!!!!!!!!
    اقتباس (سيكون الاستمرار في مجاملة أي طرح ديني وصولي انتهازي مؤدياً لانقسامات أخرى ، ومن أكثر الأقاليم جبال النوبه وجبل مره) انتهى
    الغريب فى الأمر انك لم تذكر دارفور كأقليم مرشح للأنفصال!!!!!!!!!! مما يجعلنا نتسأل واليس هذا ما كنت تدعوا اليه بالأمس فلماذا التحذير من خطورته اليوم؟؟؟؟؟؟؟
    ثم تعود مره اخرى لتمدح انفصال الجنوب عن الوحده الكاذبه
    اقتباس (، هب أن الجنوبيين خرجوا من نفق الوحدة الكاذبة لا الجاذبة مبكراً في العام 1956م ، أكاد أجزم أن تكون العاصمة جوبا اليوم في مقام حسناء افريقيا وعروس مدائنها ) متلبساً ثوب الكاهن والعرّاف مدعياً بحماس غير مبرر ان جوبا كانت ستكون حسناء افريقيا لو كان الجنوب قد انعتق من براثن الوحده الكاذبه سنه ٥٨ دون ان تقدم من البراهين والتحليلات المنطقيه والقراءه المتأنية للتاريخ السياسي لجنوب السودان ما يدعّم كهانتك !!!!!!!!!
    بأختصار كل ذلك يظل مجرد speculation وأمنيات النفس.
    اخيراً اصبحت تتخبط فى كتاباتك بعد انت كنت فينا مرجوا

    1. هو لم يتخبط ويناقض كتاباته السابقة المؤيدة للإنفصال ، ولكن “الكفيل”
      غّير الإتجاه والتكتيك ، وأعطى الكويتب المرتزق صاحب القلم المأجور تعليمات جديدة. ولذلك كان التغيير المحوري في كتاباته وشخابيطه.

  2. الهند ليست علمانية. دولة دينية هندوسية متطرفة. العيب ليس في الاسلام و لكن في من يدعى الاسلام. الجنوب انفصل منذ ١٥ سنة. ماذا فعل؟ حروب و نزاعات و تنافس على السلطة. و سيظل هكذا و لن يكون حسناء افريقيا. ١٥ سنة فترة كافية ع الاقل لنرى بداية التطور. اليس كذاك؟ الدول تنهض بمكافحة الفساد و الحرية و التعليم. لا يهم من يحكم بشرط يكافح الفساد و حرية و تعليم.

  3. ليست الهند تحت حكم مودي وحزب بهاتيا غناتا بأفضل من حال باكستان فكلتاهما قد تحولاتا إلى دولتين دينيتين قبيحتين.
    المصيبة هي في محاولة التحاكم إلى تشريعات تنتمي إلى التاريخ أكثر من إنتماءها إلى الحاضر والمستقبل.
    الغريب ان دستور الهند يدعي أنه علماني في الوقت الذي يحمي فيه حزب بهاتيا غناتا التشريعات الهندوسية.
    الهند مقدمة على كوارث وانقسامات على أسس دينية وعرقية طالما ظل مودي وحزبه حاكمين.

  4. السيد اسماعيل يحلم بانفصال دارفور ومعها الجزيرة وسنار والنيل الأبيض لتكوين دولة كما لمح في مقاله السابق وكثير من المقالات تقرأ فيها بين السطور كراهية موجهة لاهل نهر النيل والشمالية.

  5. الحل في الاتي … تقسيم السودان الى اصله كما كنا :

    دولة كوش
    دولة دارفور
    دولة جبال النوبة
    دولو الفونج

    او عمل فيدرالية كاملة او كونفيدرالية واضحة او حكم ذاتي بين المناطق الاربعة وان تحكم كل منطقة نفسها وتصدر قراراتها وقوانينها لكن داخل الدولة الواحدة.

    غير كدا لن تتوقف الحرب ابدا ابدا وستستمر الكراهية والعنف والتحريض ضد الشعوب المختلفة الى ان تحدث الطامة الكبرى.
    وانا شايف انو الافضل هو الخيار الاول وهو الانفصال المباشر بين هذه الدول المختلفة

  6. الهند دولة فاشلة ومعرضة للتقسيم والحروبات الدينية ما بين الهندوس والمسلمين وتوجد بها تفاوت طبقي كبير جدا اما جنوب السودان دولة فاشلة وستظل فاشلة الي يوم الدين طالما يقدس الإنسان قبيلته ويضعها في مرتبة اعلي من الوطن كما في دارفور التي لم ولن تنعم بالامن والسلام حني ولو ظفرت بدولتها الوليدة فنخب دارفور الفاشلة بدلا من محاربة الجهل والقبلية وعدم تقبل الاخر ونشر ثقافة التسامح والحاق شعوبهم بركب البشرية المتحضر اتخذوا،باقي اهل السودان كاعداء،لهم(الجلابة)…. طلعت سطحي وعنصري بشهادة…..

  7. خلاص يا سمعة قنعتوا من حكم السودان بكامله ياحكامة الجنجويد بعد ان يئستم من اعطاءكم اي وضعية في دولة الرزيقات المقترحة واعدوا لكم الموت الزؤام جزاء دفاعكم غنهم وموتكم زي الصان في حربهم كان لازم تعرف انكم مجرد بندقجية للرزيقات اذا انتصروا في الحرب لن تجدوا لكم موطء قدم وحتكونوا موتوا فطايس ساي كل مقالاتك السابقة والخالية مجرد جعجعة وطحن بلا دقيق قلنا ليك زمان انت شخص مونور سيء الفهم غبي وخذها مني لن تنفصل دارفور عن السودان لان ظارفور لها اهلهم المشتركة وسيتم محوكم انتم واسيادكم الرزيقات فيداك اوكتا وفوك نفخ خم وصر

  8. كاتب المقال ينظر للحرب من منظور قبلي و جهوي و يكن كراهية شديدة جداً لاهل الوسط و الشمال لا ادري سببها ربما مريض نفسي فهو و معه بعض المرضي لهم بوستات في منبر سودانيز اون لاين يعبرون فيها عن فرحهم و ابتهاجهم بجرائم مرتزقة عربان الشتات الافريقي من ( اهاليهم ) في الخرطوم و الجزيرة و دارفور و يهددون بقية المدن و القري الآمنة بهجوم ( الأشاوس ) ههههه يصفون المغتصبين و القتلة و ناهبي دهب النساء تحت تهديد السلاح يصفونهم بالاشاوس و الفرسان فهذه الجرائم في ثقافتهم يعتبرونها شجاعة و فروسية… بئس الرجال أنتم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..