الحالة السودانية وكوابح النفس البشرية

عادل محجوب على
• يمثل تغليب مصلحة الذات و الانتماءات ، على مصلحة الوطن ، عند القائمين بأمر الشأن العام بالسودان أكبر معوقات نهضته من كبوته ، وجرثومة هذا الداء كامنة فى كل ما أصاب الوطن من تخلف ، وشقاق ، ونفاق ، وكروب وحروب .
• ومن أكبر أسباب إستشراء هذا الداء ضعف المؤسسية والعقل ، وسيادة روح الانطباع والعاطفة ، التى تتسربل بمجمل الأداء العام للدولة ، وتجعلها رهينة لرغبات الذات والانتماءات الحزبية والعرقية والجهوية ، وأثر هذا الأمر الخطير على فت عضد الدولة السودانية .
• ومن المعلوم أن كوابح النفس البشرية الأمارة بالسوء تتمثل فى الدين والأخلاق والعرف والقانون.
•وبالنظر لحالنا بصدق بعيدا عن أقوال المبالغة فى تمجيد ذاتنا والتى تمثل واحدة من مقعداتنا ، نجد الوازع الدينى لدى الأغلبية معطوب بالتدين المظهرى وليس الجوهرى الا من رحم ربى .فجوهر الدين مكارم الأخلاق . عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
• قال الشاعر أحمد شوقى:-
وإنما الأمم الأخـلاق ما بقيـت
فـإن هُمُ ذهبت أخـلاقهم ذهــبوا
•ولوإلتزم أولى الشأن بالسودان فى كل مفاصل الدولة بقيم الدين ومكارم الأخلاق لساد الصدق والعدل والإحسان والإتقان والأمانة طريق الحاكمين والمحكومين ، وعصم الدين الحق الأنفس عن حب الذات والانتماءات ، وتوقف النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ، الذى كان له القدح المعلى فى ما أصاب البلاد من جور وفساد وحرب و دمار . •والإستغلال الأمثل للموارد الكثيرة المتاحة ، لن يتم إلا إذا تحلى الحكام والمحكومين بمكارم الأخلاق ، وحتى الحرب اللعينة. الراهنة لن تتوقف مالم يلتزم قائدا المتحاربين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة. ونائبه بمجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع وهذا هو المسمى الرسمى لهما إلى مابعد نشوب الحرب ، (والاراء المختلفة حول المسميات وفق زاوية النظر وردود فعل الحنق عن ماحدث من انتهاكات هذا شىء آخر ) فيجب أن يلتزما بقيم الدين ، لأجل أنفسهما ، يوم لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولأجل هذا الوطن المنكوب والشعب المسكين ، يقول الله سبحانه وتعالى.(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦١ الأنفال) ويقول تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (١٩٩الاعراف)
•وضعف الوازع الدينى والأخلاقي القويم بالسودان يقف وراء الحرب ، وكان ومازال يقف وراء ما يسود من ظلم وأنانية ونفاق وكذب وبث كراهية وتفشى فساد وهدر موارد البلاد ووصول الوطن لهذا الدرك السحيق من الإنحطاط فى كل شىء .
• ويشكل العرف فى كثير من المجتمعات حائط صد متين يحول دون الوقوع فى عيب الفعل والقول ، وكان لعهد قريب العرف السودانى يكبح جماح من تسول له نفسه الوقوع فى براثن ما يعيبه المجتمع من فساد وكذب ونفاق وعدم أمانة ومروة وشح نفس ، وأحدثت المفارقات التى سادت بالعقود الأخيرة ، وما صاحبها من تدين شكلى كبير يلازمه فساد وسوء أخلاق واضح شرخا كبيرا فى العرف السودانى نتيجة رمد أصاب رؤية التمييز بين الصالح والطالح لإختلاط حابل جيب الذات والقبيلة بنابل الحزب ووإمكانات الوطن .
• وبضعف الكوابح الثلاثة ، النابعة من الوازع الذاتى (الاوتوماتيكي) الدينى والأخلاقى ، والخوف من عيون الخلق ونظرة المجتمع وشيل الحال ، تبقى حائط الصد الأخير ، لحماية الوطن والمواطن من سيل الفساد والإستبداد المتمثل فى مؤسسية عمل أجهزة الدولة وسيادة حكم القانون ، التى يحمى سياجها المتين من طمع الطامعين بغير حق ، وهذا أيضا أصابته أمراض الأنظمة الشمولية ، ونظرتها لمصلحة الوطن من خلال مرآة ذاتها فكان التمكين سكين هدرا للقوانين بحجة الولاء قبل الكفاءة ، الأمر الذى صار مدخلا للإنفلات .وتشريدا للكفاءات ، وزريعة لسيادة غوغائية عاطفة الإنتماء ونفاق التزلف وظلم المظان وسبهللية الانطباع وغياب تناسق عمل أجهزة الدولة ، وظهور ضياع حكومية لأباطرة منتمين ، وجذر حكومية معزولة ببحار مصالح ذاتية وحزبية وقبلية مهولة . وكان لابد من توالد شرانق الفساد فى برك الشمولية الآسنة ، ووجود عصى الإستبداد ، وعشوش الدبابير ، لحماية أفيال الفساد ، ومن يتشبث بهم من القراد وما يطلقونه من جراد لمص دم الشعب وغرس الوطن . وكان حصاد هذا الهدر لوطن غنى الموارد ، بنية تحتية حافية ، وشعب فقير ، وقطط سمان ، ثم حرب مدمرة ، يصعب كل يوم أمر إيقافها ، أو حسمها ، إذا لم يعى الجميع الدرس ويتم التدارك قبل الوصول للمزيد من المهالك .
يا وطن تكلل بالسواد
وجماجم الموتى واكوام الرماد
أمطر سحابة حلمك البيضاء
رفقا بمن تبقى على رباك من العباد
لتغسل ما تسربل من دماء
أنثر كنانتك الوضيئة دع الرقاد
تنهض جباهك الشماء
تنبض بالحياة اركان البلاد.