توقيع على محضر الأحزان الكبرى.. في رثاء سيد ألرصة والمنصة المفكر الخالد محمد سليمان

مجدي عبد القيوم(كنب)
الحزن لا يتخير الدمع ثيابا
كي يسمي في القواميس بكاء
هو شىء بتعرى من فتات الروح
يعبر من نوافير الدم الكبري
ويخرج من خدود المادة السوداء
شىء ليس يفني في محيط اللون
أو يبدو هلاما في مساحات العدم
الحزن فينا كائن يمشى علي ساقين
“الصادق الرضي”
لم أجد في قاموس الحزن ما هو اكثر تعبيرا عن الدواخل من ذلك الذي تصدر هذا الرثاء مثلما لم اتعثر بلغة من الممكن أن تحتشد بها صيوانات العزاء التي طالما نصبت في وداع نخلات البلاد الباسقات علي امتداد حقب مواسم الاحزان الكبري وكاني باللغة طواها اللحد نفسه الذي عجز علي ما به من سعة نورانية في الملكوت من احتواء صاحب المقام الرفيع الذي طالما كساها القا وعمقا وثراء علي ثراء كلما امسك بالقلم وغاص في بحرها العميق مستخرجا كنوزا ولألي
حاولت مرارا الفكاك من الحالة التي تلبستني مثل كل زملاء ومعارف الفقيد ومن زاملوه في سوح النضال أوان احتدام وغى المعارك في ازمنة القهر والتسلط أو من مشوا معه في “دروب المحبة”في دناوات الفنون وليلات الادب والفكر الرصين فاميز ما يميز الراحل تنوع اهتماماته شأن أي مثقف عضوي
علي اثر الرحيل الفاجع لاستاذنا محمد سليمان والجسد المنهك لم يزل مسجي بعد اتي صوت الصديق بهاء الدين بكري مثقلا بالحزن مشبعا بالاسي بالكاد تستبين منه الكلمات ناقلا الخبر الصاقع ويطلب مني التماسك حتي أتمكن من كتابة نعي الحركة للراحل الخالد ولم أجد بدء من ان “اغالب دمعي واتصبر’ علي ما بالمهمة من صعوبة يزيدها الألم المضنىء مشقة فليس يسيرا أن تكتب عن مفكر ضخم عميق الرؤى نافذ البصيرة ثر التجربة واسع المعرفة متسق الفكر والسلوك حى الضمير لين العريكة نقى الدواخل علي ما به من قوة شكيمة وكان الشاعر ادريس جماع عناه حين قال :
هين تستخفه بسمة الطفل
قوى يصارع الأجيال
منذ ذاك الوقت وحتي اللحظة لم افق من هول الصدمة مثل الاخرين.
احدي عشر عاما مضيئا من سنوات العمر الذي دخل من باب الخروج ظل حبل الود بيننا موصولا والتواصل مستمر سيما في قضايا الشأن العام فالراحل كان كان مثالا للخروج من سلة الحلم الخاص إلي براحات الهم العام .
ومع اشتغاله وانشغاله بالعام لم يكن الراحل المقيم ممن يحبون الأضواء هذا أن لم يكن يمقتها علي الرغم مما ظل يقدمه من فكر سياسي ورؤى متجددة تحتفي بها الاصدارات والمنابر وكان حريا به تصدر المشاهد بما يمتلكه من قدرات لكنه كشأنه في كل تفاصيل حياته العامرة يدفع بالاخرين ومع ذلك ظل هو البؤرة ومركز الاشعاع وكأن” امرسون” عناه بالقول “أن الرجل العظيم لوحده أغلبية”
عكف الراحل الخالد مؤخرا وربما قبل اندلاع هذه الحرب اللعينة وبعد انقلاب ٢٥ اكتوبى علي بلورة فكرة الجبهة الشعبية المدنية ومن ثم بعد اندلاع الحرب تطورت الفكرة إلي منصة سلام السودان وجوهرها تجميع القوي المدنية لمجابهة التحدي الكبير الذي يجابه البلاد ويهدد وجودها ككيان
لعل أكثر ما تميز به الفقيد الكبير الواقعية التي لا تحدها حدود ولا يشدها وثاق المسلمات.
كانت هذه الواقعية هي التي تجعله دوما قادرا علي انتاج أفكار خارج الصندوق وهذا ما يبدو واضحا في كل مساهماته الفكرية وكتاباته الصحفية.
طوي الدهر صفحات المفكر الوطني محمد سليمان ناصعات البياض في وقت كان فيه الوطن الذي تعشقه حتي الثمالة احوج ما يكون إلي امثاله من ابناءه البررة الذين ما ساوموا عليه يوما في ازمنة عرض المواقف في اسواق بيع الضمير الوطني.
غادر محمد سليمان الدنيا وجرح البلد النازف لم يندمل بعد فما اشقي هذه البلاد التي لا تنفك ترتدي ثوب الحداد وتدخل بيت الحبس كلما بزغ فيها في سمائها نجم وتصر علي ممارسة هوايتها في الترمل الذي يجعل من ابنائها يتامي
يا ويح قلبي من بلاد كلما تفتقت عبقرية أحد ابناءها كلما عاجله الموت واختطفه علي حين غرة
يا وجع اللغة ويا لحزن القواميس
ويا لجلال الموت وما افسي السلوان حين يكون الفقد ليس اقرب إليك من حبل الوريد بل يستقر بين الاوردة عندك والشرايين ويتحكر في المسافة ما الضحكة والعبرة .
يا لعظمة الفقد في ظرف استثنائي بالغ التعقيد ولا غرو أن يلملم محمدا جراحاته ويغادر بلا وداع فالقلب علي ما به زادت فاجعة الحرب من الامه واضعفت قدرته علي الاحتمال فتوقف.
توقف القلب المعني مع اصراره علي البقاء وسط المهمومين بالوطن واوجاعه رغم الحاح ورجاءات صديق عمره الدكتور الشفيع خضر بشد الرحال إلي كندا لمداواة القلب العليل.
لقد ترك الراحل المقيم ارثا ضخما يمثل تركة ثقيلة علي رفاقه في الحركة ومثلما شكل غيابه فراغا كبيرا في الساحة الفكرية عموما والسياسية علي وجه الخصوص فإنه بلا شك ترك اثرا عميقا عمق جراح فقده من الصعب اقتفاءه علي طريق الاقتداء به فهو علي ما به من نبوغ وما يميزه من قدرات كان شديد الاستقامة لا يحيد عنها بل كان ضميرا يمشى علي قدمين وذاك هو التحدي
سنوأت من الاقتراب والالنصاق الحميم بالراحل الخالد تركت اثارا لن يمحوها الزمان وطبعت بصمة متفردة شكلت جانبا كبيرا فينا
كانت بيننا كيمياء ربما كانت الواقعية التي ميزت الراحل أحد أهم لبناتها
في رثاء الراحل الكبير حفي بالكتابة أن تلطم الخدود وتشق الجيوب وان تهيل علي رأسها التراب و”تضرب الثكلي” و’تسوي الحي ووب”
وداعا استاذي
عليك السلام
لك القيام
الي لقاء “سيد الرصة والمنصة”
مجدي عبد القيوم(كنب)
بورتسودان
١٢ اغسطس ٢٠٢٤
عرفنا واكتب لنا شيئا عن الفقيد حتي نعرفه
أنا لا أعرف عمن تتحدث و تنعي
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم آله ,اصدقاءه وزملاءه الصبر والسلوان. ليتك، كما ذكر المعلقان الآخران، أوجزت سيرته الذاتية لتعرفنا نحن القراء بهذا المقكر الذي لم نحظ بمعرفته وإسهاماته الفكرية.