من المبكر

عثمان بابكر محجوب
من المبكر لأوانه تحديد الغاية الاميركية من عقد لقاء جنيف لجمع طرفي قتل ونهب وتشريد الشعب السوداني الى طاولة واحدة ، رغم وضوح عنوان الدعوة ، فان الغموض يكتنفها من جهات عدة . فمن حيث التوقيت مثلا فان مشاغل الادارة الاميركية كثيرة ومنها تحريك اساطيلها الحربية نحو الشرق الاوسط لحماية اسرئيل من تداعيات حرب غزة مرورا بانشغالها في تصعيد وتيرة الحرب الروسية -الاوكرانية اضافة الى مشكلة ضبط الفلتان الحوثي في البحر الاحمر وختاما بدء حملة الانتخابات الرئاسية هناك ، ان هذا الجدول المتخم بالتحديات الاستراتيجية لا يؤشر ولا يعقل ان يكون فيه مكان لحرب السودان على جدول الاولويات خصوصا وان السودان في وضعه الحالي دولة فاشلة منهارة لا تقدم ولا تؤخر في التأثير على مجريات الاحداث في أفريقيا والعالم . اما من حيث التجربة وتكرار الاحداث يظهر لنا بوضوح ان العلاقة ما بين الاسلام السياسي وأميركا هي علاقة وطيدة تعود بالنفع على الطرفين رغم رفع الاسلام السياسي لشعار أميركا هي الشيطان الاكبر الواقع يظهر زيف هذا الشعارد الذي يستخدم للاستهلاك الداخلي والدليل هو ما لمسناه من ممارسات هذه التنظيمات الاسلامية الارهابية في تنفيذ سياسة الفوضى الخلاقة الاميركية من العراق الى سوريا مرورا باليمن وليبيا والصومال وافغانستان وحتى السودان وبالتالي فان الاسلام السياسي هو المنفذ الفعلي لما يرد في أجندة اميركا وبالتالي يمكن الجزم بان اقصى هدف لاميركا في السودان هو تحجيم وترويض اخونجية السودان مع ابقائهم داخل المعادلة السياسية السودانية . ويجب ان لا يغيب عنا ان الدولة العميقة في اميركا هي من ترسم وتحدد مصالح اميركا في العالم بحيث ان تبديل الرؤساء دوريا لا يغير من جوهر هذا النهج . والسودان بالنسبة لتلك الدوائر التي ترسم السياسة الخارجية يقع ضمن مفهوم الدولة المريبة . وبالتالي ما استطاعت أميركا فعله لخدمة أهل السودان هو فصل الجنوب عن الشمال سنة 2011م والتي هي بمثابة أكبر جرائم هذا العصر ومع ذلك فان الجزار الاميركي يريد مزيدا من التجزئة ايضا حيث انه في حرب دارفور لسنة 2003م تم استخدام الفصل السابع واتخذت تدابير اخرى اوقفت الحرب وبعدها تجاهل الاميركي حينها اسباب تلك الحروب عمدا باعتبارها نزلة برد ولهذا السبب عادت المجازر الى دارفور في دورة جديدة . والغاية من هذه المقدمة ليس ادانة المبادرة الاميركية بل نريد تذكير كل من يتحمس لدور أميركي حاسم في انهاء هذه الحرب بان اميركا مستعدة لتقديم السم لنا ولا حل عن طريقها لان من يجرعك من كأس السم مرات عدة لن يعطيك الترياق ابدا ، حتى ان سلاح العقوبات الظالم التي استخدمته اميركا لعشرات السنين ضد اهلنا في السودان بحجة ترويض صنعيتهم ودميتهم البشير لا تنسى ولا تغتفر ولو ان أميركا حريصة على الانتقال الديمقراطي لما فرضت خوة على السودان دفعها الوطني الهمام حمدوك صاغرا دون العودة الى اية مؤسسة دستورية لاقرار ذلك .
اما ماذا يريد الطرفان المتقاتلان من رحلتهما الى جنيف عدا الاستجمام . يبدو واضحا من خلال أقوال العسكري ابراهيم جابر ان البرهان يريد تعديلا على جدول أعمال اللقاء بحيث يتضمن بندا بموجبه يحصل البرهان على اعتراف بشرعيته حيث ورد في حديث العسكري جابر التالي : “وافقنا على حضور المحادثات لإنهاء الأزمة رغم عدم وضوح أجندتها” علما ان الاجندة واضحة ومن خلال بيان وزارة الخارجية المزيفة تظهر نية التنصل من جنيف اذا لم يحقق البرهان غايته حيث اعلن بيان الخارجية المزيفة عدم جدوى اجتماع جنيف الحالي قبل معرفة اسماء الوفد الذاهب الى جنيف. مشكلة البرهان الحقيقية هو انه يحاول الجلوس على مقعدين في نفس الوقت مقعد الجيش ومقعد الاخونجية ومن يريد الجلوس على مقعدين لا شك انه يقع بينهما وهذه هي حال البرهان الذي لم نر على وجهه غير امارات الغباء منذ ان ظهر على الشاشة.
بالمقابل فان حميدتي بفطرته البدوية يراهن على عدم استعداد البرهان لوقف الحرب لذلك يحاول ان يظهر كحمامة سلام ولعبته مكشوفة لانه يعتمد استراتيجية يوليوس قيصر :” Veni, vidi, vici” “أنا أتيت, أنا رأيت, أنا احتليت “.
وفي الختام لا بد من التنويه باننا نأمل ان تنجح المساعي الاميركية لا ان تكون الغاية من هذا اللقاء هو تحقيق نجاح دبلوماسي وبعد فشل اللقاء تنتقل الحرب الى عموم السودان وهل من المعقول ان هذا بالصبط ما تريده أميركا ؟! .