مقالات وآراء سياسية
وقف الحرب المستدام ما هي شروطه؟

الحسن النذير
نعم الأولوية الملحة الآن ، في رأي أغلبية الشعب السوداني ، هي للوقف الفوري للحرب . لماذا؟ لأن البديل هو انعدام الشروط الضرورية لبقاء الملايين من السودانيين علي قيد الحياة. وبدون أي تبرير ، اتضح لكل العالم أن حياة الملايين من السودانيين في ظل استمرار هذه الحرب ، باتت معرضة للخطر ليس فقط بالموت المباشر بالسلاح (من كلا الطرفين المتحاربين) ، وانما بسبب الجوع والعطش وانعدام الخدمات الصحية والأدوية المنقذة للحياة … هذا اضافة الي ما “زاد الطين بلة” من السيول والامطار ! لذلك الأولوية لكل من في قلبه ذرة من الإنسانية ، هي الوقف الفوري للحرب والفتح العاجل لمسارات اغاثة الناس. أي شئ غير ذلك يعني أن بقاء الناس علي قيد الحياة أمر مستحيل!! .
السبب الرئيسي لرفض أي طرف من الطرفين المتقاتلين لوقف اطلاق النار ، هو عدم رضاه عن وضعه في ميدان المعركة وفقدانه الفرصة لتحقيق الهدف الذي قاده إلي الإحتراب. وهذا شئ متوقع ، ولكن القبول به أو بالأحري الإذعان له كأمر واقع لا يتم إلا في حالة الإقتناع بالهزيمة العسكرية والركون للأمر الواقع.
حالياً يبدوا أن طرف الجيش أو بصورة أدق “جيش الحركة الإسلامية”، غير مقتنع بتوازن القوى في أرض المعركة ، وهو أمر متوقع ، ويبدو أنه يراهن علي تغيير هذه الموازين باستمرار الحرب ، بغض النظر عن أثر ذلك الإستمرار علي حياة المواطنين ! هذا بطبيعة الحال أمر مؤسف وغير مقبول بكل المقاييس. هذا أمر لا يمكن تبريره بأي حال .
في الجانب الآخر ، جانب الدعم السريع ، من الؤكد أن الموقف المعلن له ليس قبول بالسلم من أجل الشعب السوداني والحفاظ علي أرواح الناس . هذا الجانب رغم تقدمه العسكري علي الأرض ، إلا أنه قد هزم في داخل السودان جماهيرياً وعلي المستوي الدولي للفظائع التي ارتكبها في حق المدنيين العزل ، خلال حربه الموجهة اصلاً ضد الشعب السوداني من أجل الثروة والسلطة ، أسوةً بجيش الحركة الإسلامية. لذلك كلا الطرفين المتحاربين قد خسر الحرب . ومن المؤكد ان كلاهما لم ولن يتمكن من تحقيق هدفه الذي من أجله حارب : “السلطة والثروة”! .
الآن، “يبدو” أننا نعيش لحظات تفاؤل بقرب الأيام الأخيرة للحرب ، علي أمل نجاح مبادرة التفاوض بجنيف ، سويسرا ، من أجل وقف اطلاق النار. وفوراً يظهر علي السطح سؤال مهم : كيف يمكن استدامة وقف الحرب ، أي انهائها؟ هل يمكن ان يتم ذلك بترك طرفي الحرب مدججين بالسلاح ومهيمنين علي المواقع التي يسيطران عليها؟ بلا شك إن استمرار الوضع علي هذا الحال لن يمكن من تحقيق سلام قابل للاستدامة وينذر باندلاع القتال مرةً أخري في أي لحظة . لذلك ، لا بد من تجريد القوات المتقاتلة من السلاح ولا بد من انشاء قوات مسلحة وقًوات أمنية ، مؤهلة لتأمين استدامة السلام والامن بعقيدة قوامها حماية حدود البلاد وصيانة أمن أهلها . قد يبدو هذا في نظر البعض ، أمر بعيد المنال! لكنه إذا تأملنا جيداً ورجعنا للتجارب المماثلة ، نجده أمر لا بد منه. إضافة إلي ذلك من الضروري قيام سلطة تنفيذية وطنية لتنفيذ برنامج تتفق عليه القوي المدنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي ، بأولويات أهمها معالجة الوضع الانساني بما في ذلك توفير ضرورات الحياة للمواطنين في كل أنحاء البلاد ، من غذاء ، دواء ، مأوي وأمن . ذلك يتطلب أيضاً بناء جهاز قضائي يحقق العدل والمساواة والحرية ويضمن عدم تكرار الأخطاء في حق الوطن والمواطنين والإفلات من العقاب . بلا شك كل ذلك لن يتم دون رجوعنا الي منصة تأسيس ثورة ديسمبر المجيدة محصنين باستيعاب دروس تجربتنا المريرة خاصة فيما اقترفنا من أخطاء مثل قبول بالوثيقة الدستورية المعيبة وتفويت فرصة وواجبات الحسم الثوري واهمال المكتوين بضيم التهميش التاريخي و”الخطأ التاريخي” بقبول إشراك القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع في الحكم الإنتقالي . كل ذلك يمثل الشروط الضرورية لاستدامة وقف هذة الحرب المدمرة ويضمن استمرارية السلام ويفتح الطريق أمام شعبنا المنكوب للخروج من وضعه الكارثي الحالي.
اللهم إنا نعوذ بك من شر ما خلقت. ونسألك أن تنجي بلادنا من الويلات التي آذونا بها ؛
إنك سميع مجيب .