أخبار السودان

جهود السلام في السودان تظل قاتمة طالما استمر الجيش في المقاطعة

فشلت كل الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية في تحقيق اختراق يذكر في مفاوضات السلام السودانية. ويرى محللون أن التلكؤ في تفعيل آليات الضغط يسمح بتوسيع هامش المناورة وعرقلة كل الجهود المبذولة.

في منتصف أغسطس الجاري رعت الولايات المتحدة محادثات سلام في جنيف بسويسرا بهدف إنهاء الحرب الأهلية في السودان، وهو الصراع المستمر منذ عام ونصف العام. ومع ذلك، تظل آفاق هذه المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة قاتمة طالما استمرت القوات المسلحة السودانية في مقاطعتها.

ويرى محللون أن الولايات المتحدة لا تزال مرنة بعض الشيء في الضغط على القوات المسلحة السودانية للجلوس إلى طاولة المفاوضات، في ما تبدي قوات الدعم السريع شبه العسكرية مرونة أكبر.

ويشير هؤلاء المحللون إلى أن واشنطن تمتلك ما يكفي من الآليات لإجبار القوات المسلحة السودانية لكنها لم تفعّل تلك الآليات إلى حد الآن ربما لأهداف جيوسياسية بعيدة المدى.

وفي عام 2018، اندلعت موجة من المظاهرات المناهضة للحكومة السودانية، مما وفر الغطاء اللازم للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للإطاحة بالرئيس عمر البشير من منصبه والاستيلاء على السلطة.

وفي الأشهر التي أعقبت الإطاحة بالبشير، تم إنشاء مجلس انتقالي يضم ممثلين من الجيش والمدنيين المتحالفين مع حركة الاحتجاج. وعند إنشاء المجلس، تولى قائد القوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي” السلطة على الفور.

وأدى انقلاب ثانٍ، هذه المرة في أواخر عام 2021، إلى إقالة رئيس الوزراء المدني المعين عبدالله حمدوك وإعادة السلطة إلى البرهان وحميدتي. وأدت الخلافات المستمرة بين حميدتي وبرهان حول سرعة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية إلى خلاف في نهاية المطاف بين الزعيمين. وكان هذا الخلاف هو الذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في السودان.

تأثير جيوسياسي

◙ أزمة متفاقة
◙ أزمة متفاقة 

إن الجغرافيا السياسية للسودان تضعه في منطقة محفوفة بالمخاطر. فقد شهدت جميع دول الجوار باستثناء مصر اندلاع صراعات كبرى في السنوات العشرين الماضية. وكان موقع السودان الإستراتيجي على البحر الأحمر محل توق من جانب القوى الخارجية التي تسعى إلى تأمين مصالحها البحرية الإقليمية بالقرب من واحدة من أكثر نقاط الاختناق التجارية ازدحامًا في العالم.

ويحدد موقع السودان الإستراتيجي البلاد كدولة تقع على مفترق طرق بين وسط أفريقيا وشرقها والعالم العربي الأوسع. وقد هيمنت هذه القطعة الجغرافية الإستراتيجية على تفكير السياسة الخارجية للقوى الخارجية مثل مصر والمملكة المتحدة تاريخيًا، ولكنها تهيمن الآن أيضًا على القوى الصاعدة.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم جنوب دارفور والمناطق المركزية من الحزام السكاني السوداني، بصرف النظر عن عدد قليل من المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية تحت الحصار.

ورغم أن أيًا من الجانبين لا يسيطر بشكل كامل على منطقة الخرطوم، فإن قوات الدعم السريع تسيطر أيضًا على مناطق كبيرة من النيل الأزرق تقع في أراضي السودان مباشرة إلى الجنوب من الخرطوم.

◙ واشنطن تمتلك ما يكفي من الآليات لإجبار القوات المسلحة السودانية لكنها لم تفعّل تلك الآليات إلى حد الآن

وفشلت محاولة الولايات المتحدة للتوسط في خطة سلام في منتصف أغسطس 2024 في النهاية بسبب عدم المشاركة الشخصية في المحادثات من جانب القوات المسلحة السودانية، التي اختارت بدلاً من ذلك المشاركة افتراضيًا.

وكانت قوات الدعم السريع أكثر استعدادًا لإرسال وفد إلى جنيف، موقع القمة، ربما لأن قوات الدعم السريع كانت تمتلك المزيد من الأراضي التي تستحق السيطرة عليها. واتهم نائب رئيس المجلس العسكري السوداني والزعيم السابق للمتمردين مالك عقار الولايات المتحدة بعدم الجدية في الالتزام بعملية السلام.

واستشهد بفشل المبعوث المعين من واشنطن والنائب الأميركي السابق توم بيرييلو في دخول البلاد. وترى القوات المسلحة السودانية أن التدمير الكامل لقوات الدعم السريع هو مطلب رئيسي للسلام. وتنشأ تعقيدات إضافية من تورط القوى الأجنبية، إذ تشير تقارير إلى تورط روسيا وتركيا وآخرين في تسليح أطراف الصراع.

وعادة ما يكون تدخل القوى الخارجية في حرب أهلية علامة على أن الصراع قد يستمر لسنوات، إن لم يكن عقودًا، كما هي الحال في سوريا واليمن. وإلى جانب المتحاربين الرئيسيين، هناك على الأقل ثلاث مجموعات أخرى تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض.

وتقاتل اثنتان من هذه المجموعات ضد القوات المسلحة السودانية ولكنها لا تتحالف بنشاط مع قوات الدعم السريع. وأما المجموعة الثالثة، قوة حماية دارفور المشتركة، تحاول العمل كقوة “حفظ سلام” محايدة في المنطقة ولكنها تقاتل بفعالية إلى جانب القوات المسلحة السودانية.

نظرة إلى المستقبل

◙ حلول مبتورة
◙ حلول مبتورة 

إن المصلحة الأساسية للقوى الأجنبية مثل الولايات المتحدة هي احتواء التداعيات الجيوسياسية لتفكك السودان. ولقد أدى تفكك ليبيا، وهي دولة يبلغ عدد سكانها حوالي سُبع سكان السودان، إلى زعزعة استقرار المنطقة بالفعل.

ويقول الباحث أليك سولتس في تقرير على جيوبوليتيك مونيتور إن الحرب الأهلية المتدهورة في السودان لديها القدرة على تفاقم الأزمات في البلدان المجاورة، وخاصة في تشاد وجنوب السودان، على الرغم من أن العنف لم ينتشر بشكل كبير حتى الآن.

ولدى أصحاب المصلحة الدوليين عدد من الأدوات تحت تصرفهم لمحاولة إنهاء الصراع. واقترحت الولايات المتحدة فرض حظر على الأسلحة على البلاد، والذي على الرغم من أنه مفيد، إلا أنه يحتاج إلى التنفيذ الصارم. وقد يثبت هذا أنه مهمة صعبة.

ولدى السودان ما يقرب من 7000 كيلومتر من الحدود مع الدول المجاورة، والعديد منها يكافح للحفاظ على سلامة أراضيه، مما يخلق بدوره فرصًا لتهريب الأسلحة وعبور السلع غير المشروعة الأخرى عبر تشاد المجاورة.

وقد تكون العقوبات، التي اقترحتها الولايات المتحدة أيضًا، أداة أخرى للضغط على الطرفين للتوصل إلى اتفاق. وحتى الآن، تقتصر اقتراحات الولايات المتحدة على قادة محددين، في ما يجب أن تكون العقوبات واسعة النطاق ليكون لها تأثير.

ويجب فرض عقوبات على الصناعات الرئيسية بالإضافة إلى الشركات والكيانات التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. ولا شك أن هذا من شأنه أن يخلف آثارًا سلبية على الاقتصاد السوداني بأكمله، وهذا هو السبب المحتمل وراء اقتصار الولايات المتحدة على نطاق العقوبات المستهدفة.

وإذا نفذت الأمم المتحدة الجولة الأولية من العقوبات، فمن المرجح أن يتبعها المزيد كلما طال أمد الحرب. ولضمان التوصل إلى اتفاق، لا بد من تكثيف الضغوط على البلدان التي تدعم مختلف أطراف الصراع وإشراك الجهات الفاعلة الإقليمية بغض النظر عن مستوى المصلحة الجيوسياسية.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..