تراجع إنفاق السعودية على كرة القدم.. أبرز الأسباب
اقتحمت المملكة العربية السعودية عالم كرة القدم بخطى كبيرة، حيث أنفقت ما يقرب من مليار دولار لاستقطاب أبرز النجوم في محاولة لتحويل دوريها الناشئ إلى مقصد للاعبين والمدربين الكبار، لكن هذا التدفق المالي الهائل لم يستمر، وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وانخفض إنفاق الدوري السعودي للمحترفين على اللاعبين الجدد هذا الصيف إلى ما يزيد قليلاً عن 530 مليون دولار، وفقًا لموقع بيانات كرة القدم “ترانسفير ماركت”.
وضمت المملكة عددًا أقل من النجوم البارزين، بما في ذلك لاعبو الدوري الإنكليزي الممتاز مثل إيفان توني وجواو كانسيلو وموسى ديابي.
ورغم أن هذا الرقم لا يزال كبيرًا، إذ كان الدوري السعودي سادس أكثر الدوريات إنفاقًا في العالم هذا الصيف، إلا أنه قد يكون مجرد موجة عابرة.
علامة استقرار؟
قال متحدث باسم الدوري السعودي للصحيفة إن انخفاض التعاقدات الجديدة يُعَد “علامة على الاستقرار”، حيث يتمتع الدوري بالفعل بتشكيلة قوية من المواهب الأجنبية. وأضاف: “ليس من الممكن التوقيع مع أفضل لاعب في العالم كل عام”، مشيرًا إلى أن السعودية تعمل على تحسين حضور الجماهير في جميع أنحاء الدوري.
ويعكس الانخفاض في ميزانية نجوم كرة القدم تقلبات أوسع في الإنفاق داخل السعودية. ففي ظل ارتفاع تكاليف الإنفاق وتراجع أسعار النفط، أضحت البلاد تفتقر إلى الأموال الكافية لتمويل جميع المشاريع الضخمة والمبادرات الطموحة التي يدفع بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
على مدى السنوات الماضية، أطلق بن سلمان خططًا بمليارات الدولارات لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي ورفع مكانة البلاد عالميًا. تشمل تلك الخطط مشاريع تهدف لجعل المملكة مركزًا لصناعة السيارات الكهربائية، وقائدًا في الذكاء الاصطناعي، ومطوّرًا لمشاريع عملاقة عالمية المستوى. كما سعت المملكة للعب دور كبير في عالم الرياضة، باستثمارها في دوري الغولف الجديد “LIV Golf” وأصبحت راعيًا رئيسيًا للتنس والكريكيت.
لكن في أواخر العام الماضي، بدأ المسؤولون السعوديون بالاعتراف علنًا بأن البلاد تفتقر إلى الأموال اللازمة لإكمال جميع المشاريع التي بدأت بها.
ورأى داعمو الاستثمار في الرياضة أن دوريًا محليًا قويًا سيساهم في بناء قطاع ترفيهي محلي كان شبه معدوم قبل صعود الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة.
في عام 2022، توسعت خزينة الأموال عندما نجح فريق النصر السعودي في استقطاب كريستيانو رونالدو، أحد أشهر الرياضيين في العالم، من نادي مانشستر يونايتد. وفي العام الماضي أيضًا، استحوذ صندوق الثروة السيادي للمملكة على 75 في المائة من حصص أربعة فرق ضمن الدوري السعودي للمحترفين، وتعهد بتمويل كبير لجلب أفضل اللاعبين.
ثم أغدقت الفرق المال على النجوم، مستقدمة لاعبين مثل نيمار البرازيلي، والفائز بكأس العالم الفرنسي نغولو كانتي، بينما أصبح الصندوق السيادي أكبر منفق فردي في كرة القدم بين ملاك الفرق.
وهزت هذه المدفوعات عالم كرة القدم بشكل عام، حيث رفعت توقعات اللاعبين البارزين فيما يتعلق بالرواتب، فيما ملأت عمليات الشراء السعودية حسابات الأندية الأوروبية بالأموال، وفقًا لما قاله كيران ماغواير، محاضر مختص في كرة القدم بجامعة ليفربول “لقد حصلوا فعليًا على أموال مجانية”.
متابعة لا ترقى لمستوى الاستثمار
قفزت مكانة الدوري السعودي بسرعة، بمساعدة نجاحه في جذب اللاعبين، ليس فقط النجوم “المسنين” وفق تعبير الصحيفة الأميركية، ولكن أيضًا اللاعبين في منتصف مسيرتهم المهنية مثل نيمار (32 عامًا) وروبن نيفيز (27 عامًا).
وانضمت شبكات تلفزيونية تعمل في أكثر من 130 دولة ومنطقة لبث المباريات، وبدأت الرعايات بالتدفق.
لكن، ورغم تدفق تلك المواهب، لم يتابع الجمهور هذه المستجدات بنفس الوتيرة، فقد انخفض متوسط الحضور الجماهيري لكل مباراة بنسبة 16في المائة ليصل إلى أقل من 8200 مشجع، بينما زاد الحضور الإجمالي في الدوري بنسبة 13في المائة ليصل إلى 2.5 مليون مشجع، وفقًا لموقع Transfermarkt.
وألقى الدوري السعودي باللوم على عمليات تجديد الملاعب والأحداث التي دفعت إلى نقل المباريات إلى ملاعب أصغر.
كما غادر عدة لاعبين، مثل قائد ليفربول السابق جوردان هندرسون، بعد أشهر قليلة من التوقيع. يذكر أن بعض اللاعبين والمدربين يعيشون في البحرين المجاورة بدلًا من السعودية، حيث يُسمح بالكحول وبعض الأنشطة الأخرى المحظورة في المملكة.
يرى داعمو المشروع الرياضي للمملكة أن هذا الدفع سيستغرق سنوات حتى يؤتي ثماره، ويشيرون إلى دلائل على النجاح. فقد جذب الدوري بالفعل رعاة جدد من القطاع الخاص، كما تجتذب الأندية الكبرى في بعض الأحيان أكثر من 50 ألف مشجع في المباريات.
بالإضافة إلى ذلك، يتجمع الآلاف من المشجعين في حفلات مشاهدة المباريات في المقاهي ودور الترفيه الأخرى.
الصحيفة ترى أن طريق الرياض لتحقيق هدفها “قد يكون طويلًا”، مشيرة إلى أن بناء كرة القدم الاحترافية في الولايات المتحدة استغرق عقودًا من الجهد، بينما كافحت الصين لبناء فريق محلي قوي. ويطمح الدوري السعودي على المدى الطويل لتطوير المواهب المحلية، خاصة أن القوانين تمنع وجود أكثر من 10 لاعبين أجانب في كل فريق.