تحصينُ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ القادمِ في السودان عبر “بَصِيرَة”، “عِزْوَة” و”تَاوِق”

د. عبد المنعم مختار
“الديمقراطيةُ الحقيقيةُ لا تعني فقط إلغاءَ الظلمِ ، ولكنْ أيضًا ضمانَ أنْ يُسْمَعَ الجميعُ ويُحترم” .
مهاتما غاندي
المجتمعُ السودانيُّ هو العمودُ الفقريُّ لقوتِنا الحقيقيةِ. هذا المجتمعُ ، بتنوعِه وقوتِه ، يتفوقُ في تأثيرِه وأهميتِه على الدولةِ التي كانت ، في جلِّ تاريخِها ، رمزًا للظلمِ والفسادِ. لقد مرَّ السودانُ بعقودٍ من القهرِ والاستبدادِ، حيثُ تحولت الدولةُ من حاميةٍ للعدالةِ إلى أداةٍ للقمعِ والظلمِ. في هذا الوضعِ المأساويِّ ، يبقى المجتمعُ هو الأملُ الوحيدُ للتغييرِ والتحوُّلِ نحو مستقبلٍ أفضلَ.
لكنَّ التحدياتِ التي نواجهُها اليومَ ليستْ نتيجةَ صراعٍ بين القوى الحديثةِ، مثلِ الأحزابِ السياسيةِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ ، وبين القوى التقليديةِ المتمثلةِ في القبائلِ والطرقِ الصوفيةِ والطوائفِ. بل على العكسِ تمامًا ، نحن في حاجةٍ ماسةٍ إلى اتحادِ هذه القوى جميعًا. لكلٍّ منها دورٌ فاعلٌ وأساسيٌّ في تحقيقِ الديمقراطيةِ وبناءِ مستقبلٍ يعكسُ تطلعاتِ الشعبِ السودانيِّ. المعركةُ الحقيقيةُ ليستْ بين الحداثةِ والتقليدِ ، بل هي بين قوى التغييرِ التي تسعى لتحقيقِ العدالةِ والديمقراطيةِ ، وقوى الظلامِ التي تتغذى على الفسادِ والانقساماتِ.
إنَّ قوى الثورةِ المضادةِ والتطرفِ واللاتسامحِ لا تتلاشى بمرورِ الوقتِ. بل على العكسِ ، هذه القوى تتغذى على الانقساماتِ، الجهلِ، والخوفِ ، وتستغلُّ كلَّ فرصةٍ لزرعِ الفتنةِ بين أفرادِ المجتمعِ. إذا لم نتحركْ الآن ، فإنَّنا نخاطرُ بتكرارِ المآسي التي عاشها السودانُ في الماضي ، والتي لا تزالُ مستمرةً حتى اليومِ. الحربُ الأهليةُ السودانيةُ الرابعةُ ما زالتْ مشتعلةً ، وما زالَ الشعبُ السودانيُّ يعاني من تداعياتِها. هذه الحربُ ليستْ مجردَ صراعٍ مسلحٍ ، بل هي معركةٌ من أجلِ بقاءِ السودانِ كدولةٍ موحدةٍ ومستقرةٍ.
لقد دفعَ السودانُ ثمنًا باهظًا لهذه الحروبِ الأهليةِ ؛ أرواحٌ فقدتْ ، أسرٌ تفككتْ ، واقتصادٌ انهارَ. إذا لم نتحركْ الآن لوضعِ حدٍّ لهذا النزيفِ المستمرِ ، فإنَّ الانقلاباتَ والحروبَ الأهليةَ ستستمرُّ في تدميرِ ما تبقى من هذا الوطنِ. المستقبلُ يبدو قاتمًا إذا لم نبادرْ الآن باتخاذِ خطواتٍ جادةٍ نحو بناءِ دولةٍ ديمقراطيةٍ عادلةٍ ومستقرةٍ.
الديمقراطيةُ والاستقرارُ لن يأتيانِ بالتمني أو بالشعاراتِ الجوفاءِ ، بل بالأفعالِ المدروسةِ والخططِ المحكمةِ. إذا لم نبدأْ اليومَ بوضعِ رؤيةٍ واضحةٍ لتحصينِ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ، فإننا نخاطرُ بالبقاءِ في دوامةِ العنفِ والانقساماتِ.
لهذا السببِ ، نحن بحاجةٌ إلى التحركِ الفوريِّ عبرَ تأسيسِ ثلاثِ ركائزَ أساسيةٍ :
1. مركزُ “بَصِيرَة”: نحن بحاجةٍ إلى مركزٍ يُعنى بدراسةِ الأوضاعِ السياسيةِ، الاقتصاديةِ ، والاجتماعيةِ في السودانِ ويقدّمُ حلولًا مبتكرةً تعكسُ التنوعَ السودانيَّ وتضعُ أساسًا لدولةٍ تحتضنُ جميعَ مواطنيها. “بَصِيرَة” سيكونُ مركزًا بحثيًا ومنبرًا فكريًا يجمعُ الدراساتَ والرؤى لبناءِ سودانٍ متجددٍ يعززُ الوحدةَ الوطنيةَ.
2. جبهةُ “عِزْوَة”: لا يمكنُ لأيِّ مجموعةٍ بمفردها أنْ تواجهَ التحدياتِ الكبرى التي يمرُّ بها السودانُ. نحن بحاجةٍ إلى جبهةٍ موحدةٍ تضمُّ الأحزابَ السياسيةَ ، منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ ، القبائلَ ، الطرقَ الصوفيةَ ، والطوائفَ. “عِزْوَة” ستكونُ الجبهةَ التي تجمعُ كلَّ هذه القوى من أجلِ تعزيزِ الوحدةِ ومواجهةِ كلِّ محاولاتِ التقسيمِ التي تهددُ استقرارَ البلادِ.
3. هيئةُ رقابةٍ تُسمى “تَاوِق”: الديمقراطيةُ تتطلبُ الشفافيةَ ، وبدونِ رقابةٍ صارمةٍ ، يمكنُ التلاعبُ بالعمليةِ الانتقاليةِ. “تَاوِق” ستكونُ الهيئةَ المستقلةَ التي تراقبُ وتضمنُ أنْ كلَّ خطوةٍ في التحوُّلِ الديمقراطيِّ تتمُّ بشفافيةٍ ونزاهةٍ. لا يمكنُ التسامحُ مع الفسادِ أو التلاعبِ في هذه المرحلةِ الحساسةِ.
علينا أنْ نضعَ أيدينا معًا ونتحركَ نحو العملِ الفعليِّ. الانتقالُ إلى ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ يتطلبُ جهدًا مشتركًا ومثابرةً من الجميعِ. كلما تأخرنا ، زادت التحدياتُ وتعقدتْ الأمورُ أكثرَ. التحصينُ الحقيقيُّ لهذا الوطنِ يبدأُ الآن، وهو مسؤوليةٌ جماعيةٌ لا يمكنُ تأجيلُها.
هذه دعوةٌ صادقةٌ ومخلصةٌ لكلِّ أبناءِ وبناتِ السودانِ ، لكلِّ الأحزابِ السياسيةِ، القبائلِ ، الطرقِ الصوفيةِ ، الطوائفِ ، وكلِّ منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ. إنها دعوةٌ للنفيرِ الوطنيِّ ، للعملِ الجماعيِّ ، لنهضةٍ حقيقيةٍ تضعُ السودانَ على الطريقِ الصحيحِ.
الهبةُ يجبُ أن تبدأَ الآنَ. لا وقتَ للترددِ أو الانتظارِ. كلُّ يومٍ يمرُّ دونَ أنْ نتحركَ هو فرصةٌ لقوى الفسادِ والانقساماتِ للتغلغلِ أكثرَ في مجتمعنا. تحصينُ السودانِ من الشرورِ لم يعدْ خيارًا بل أصبحَ واجبًا لا يمكنُ الهروبُ منه. هذا الواجبُ يقعُ على كلِّ فردٍ في هذا الوطنِ ، لا استثناءَ.
د. عبد المنعم تحيه طيبه ومتعك الله بالعافيه
بالرغم من انى أختلف معك فى طرحك حول طبيعه الصراع على السلطه منذ فجر الاستقلال ( الصورى الكذوب) عن المستعمر البريطانى إلى يومنا هذا، إلا أننى اتفق معك وأشد من اذرك فى ما ذهبت اليه من ضروره اتخاذ خطوه عمليه جاده فى سبيل تكوين المراكز والآليات التى إقترحتها لتكون ليست فقط حامى للديمقراطيه بل بؤر فكريه تنتج وتؤطّر لمفاهيم جديده فى مجال السياسه والحوكمه والاجتماع انطلاقاً من مبادئ العداله والحريه والديمقراطيه والمساواه .
خلو الساحه فى السودان من مفكرين سياسيين ( عدا القله القليله) ذوى نظره تتخطى الماضى والحاضر وتركز على المستقبل بأطروحات تتناول كيفيه الخروج من دوامه الصراعات السياسيه والقبليه والحروب الاهليه والنزعات الجهويه إلى فضاء واسع يشرح كيفيه إداره التنوع عبر اليات
سلميه تتيح الفرص المتكافئه للتمازج الفكرى والتفاعل الثقافى من خلال الاعتراف بالأخر كمواطن سودانى بغض النظر عن الهويه او القبيله او العرق او الدين. هذا الفراق الفكرى هو ألذى أتاح ومازال يتيح الفرصه تلو الأخرى للقوات المسلحه ولجماعات الفكر الظلامي بملئه بمفاهيم مغلوطه ومشوهه عن الدين وعن السياسه ينتج عنها استيلائهم على اهم مفاصل الدوله مثل الاعلام والاقتصاد والتى يتم استغلالها لانتاج ونشر المزيد من ادوات التجهيل ( مثال على ذلك برنامج فى ساحات الفداء وكذلك ما اسموه بهتاناً بثوره التعليم العالى وانتشار الجامعات التى لا ترقى لمستوى مدرسه متوسطه) جنباً إلى جنب مع انتاج ونشر ادوات العنف ( بيوت الاشباح والمعتقلات ) التى بدورها تتيح لهم الاستمرار لعقود من عمر الزمن مستقلين فى ذلك عدة عوامل أهمها جهل السواد الأعظم من المواطنين بأبسط المفاهيم السياسيه مثل مفهوم الشرعية الدستوريه وكذلك الجهل بأبسط المفاهيم المتعلقه بأداره الدوله مثل مفهوم الفصل بين السلطات.
عامل آخر وهو الميل الفطرى ( غير الواعى) للمواطنين لتلبية كل دعوه مغلّفه بطلاء دينى ( إسلامى) ولو كانت هذه الدعوه تلبيه لنداء الموت ( كفطائس ) فى حرب ضد المواطن الاخر طمعاً فى الزواج من الحور العين والحظوه بالغلمان المخلدون. وغير ذلك الكثير. فقد ان الاوان لملاء هذا الفراغ وقفل باب التدليس والمتجاره بقضايا الوطن ولن يتم ذلك إلا بنشر الوعى السياسي والدينى ومحاربه الجهل.
اكتب عن تصورك العملى لكيفيه البدء فى تكوين هذه الآليات وستجدنى فى مقدمة الصفوف.
شكراً جزيلاً لك استاذ ود الباوقة. وارجو منك التكرم بمراجعة تصوراتي الشديدة التفصيل على الرابط التالي
https://sudanile.com/category/opp-portal/%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b9%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d8%b1/