السرج المقلوب ووثيقة الخلاص الوطني

عثمان يس ود السيمت
الجزء الأول : السرج المقلوب (الوضع الراهن)
مدخل :
الولاء والموالاة والعهود والمواثيق في الإسلام :
جاء في سورة الحجرات الآيتين التاسعة والعاشرة (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10). هذا أمر للمؤمنين ، أي أن الخطاب للمؤمنين من المسلمين. وبالرغم من أننا لم نر تطبيقاً لهذا المبدأ الهام في فقه الدولة عند المسلمين لا في التأريخ الإسلامي القديم ولا الحديث ، إلا أننا في عصرنا هذا تغيرت صيغة التعامل مع هذا الأمر بدخول كافة المسلمين فيما يشبه الولاء أو الحلف أو العهد أو الميثاق أو كل هذه الصور مع دول العالم كافة. فلم تعد الدول الإسلامية معزولة عن بقية العالم ولم تعد يدها طليقة يمكن أن تتصرف بمعزل عن المؤسسات الدولية التي دخلت معها في مواثيق وعهود وموالاة. فمن مجموع 1.6 مليار مسلم في العالم ويشكلون 22.7% من جملة البشرية ، ومن مجموع 49 دولة مسلمة (ذات غالبية إسلامية من السكان) . نجد جميع المسلمين وجميع الدول الإسلامية قد وقعت على جميع المواثيق الدولية وأصبحت جزءً من منظومة دولية لا تستطيع التصرف بمعزل عنها. بل إن ديننا يحضنا على احترام تلك المواثيق والعهود في أكثر من موضع في القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد)ُ (1)المائدة. وفي سورة البقرة في آية البر ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) . لقد احترم والتزم نبينا صل الله عليه وسلم بالعهود لدرجة أنه كان يرد من جاءه مسلماً من مكة وسورة الممتحنة خير دليل على ذلك. لا يختلف اثنان منا أننا قد دخلنا في عهد وميثاق هو ميثاق الأمم المتحدة وبالتالي جميع المنظمات التابعة لها. وبناءً على هذا الميثاق أصبحنا جزءً من منظومة أمنية دولية هي (مجلس الأمن الدولي) وهو بناءً على ميثاق الأمم المتحدة مكلف بحفظ الأمن والسلام الدوليين ، لا يهم أن نسمي ارتباطنا بهذا الميثاق ولاء أو موالاة أو عهد لكنه ميثاق وهو وفق تعريف الميثاق هو (ما يتعاهد عليه رسمياً شخصان أو أكثر وهو رابطة تتألف من أجل عمل مشترك) وأمثلة احترام الرسول صل الله عليه وسلم للعهود والمواثيق كثيرة وقد جاءت سورة براءة بالحض على الوفاء بالعهود حتى مع المشركين حتى يبلغ عهدهم مدته (طالما أننا عاهدناهم). والآيات كثيرة التي تتحدث عن الذين بيننا وبينهم ميثاق حتى في أمر الديات ورد من يلجأ من المعاهدين إلى أهله كما ذكرنا. هل بعد كل هذا السرد هناك مكان لدعوة الدول الإسلامية (بحسبانهم أو افتراض أنهم مؤمنين) ليصلحوا بين أهل السودان المتحاربين (على افتراض أنهم مؤمنين أيضاً). هل يسمح القانون الدولي (وهو الميثاق الذي وقعنا عليه ويربطنا بالبشرية جمعاء) هل يسمح بحرب إن افترضنا أن الدول الإسلامية ستقوم بها وفقاً لما جاء في سورة الحجرات.
موقف أطراف النزاع من قضية الإسلام والإيمان :
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسلِمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانه ويده ، والمُهاجِرُ مَن هجَرَ ما نهى الله عنه)) ؛ متفق عليه. هذا تعريف للمسلم يتعذر معه جداً إطلاق صفة (مسلم) على طرفي الحرب في السودان ، بل يشمل ذلك كل من رفع السلاح مناصراً لأي طرف منهما والأمر واضح لا يحتاج لشرح. فلا نحن سلمنا من يدهم وبطشهم ولا سلمنا من لسانهم. أما عن صفات المؤمن (فحدث ولا حرج) وهي كثيرة في القرآن اقرأوا ما جاء في سورة المؤمنون ({قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1-11] كم من هذه الصفات انتهك طرفي الحرب بل وأوغلوا في انتهاكها خاصة (حفظ الفروج) حيث كان انتهاكهم (ممنهجاً) طرف يقول أن (أمهاتهم ربينهم على اغتصاب ثلاثة نساء في اليوم على الأقل) والطرف الآخر (نظم الموضوع) وأدخل في نظام الوظائف العامة للدولة وظيفة (مغتصب) فما علاقة الإيمان بهؤلاء. إننا عندما نسوق هذه الأدلة لا نوزع صكوك غفران ولا ننصب من أنفسنا قضاة في مسألة العقيدة ، ولكننا نضع أدلة لا يمكن تجاوزها ونحن نفكر في كيفية حل مشكلة الحرب في السودان.
ﻳﻮﻡ ﺟﺎﻧﺎ ﺍﻟﺤﺼﺎﻥ ﻣﺠﻠﻮﺏ ﻓﻮﻕ ﺿﻬﺮﻭ ﺍﻟﺴﺮﺝ ﻣﻘﻠﻮﺏ :
هذه أبيات من مناحة (حليل موسى) وهي مناحة عمت كل السودان وترجمت للغات محلية لقيمتها والتسليم بقيمة معانيها ، بل وردت عدة روايات عن أصلها. كناية الحصان المجلوب (يعني سايقنوا من لجامه) والسرج المقلوب على ظهره ، كلها ترمز لموت الفارس وحامي العشيرة لذلك تقول الأبيات بعد ذلك (أبكنوا يا بنات حي ووب) . ففقدان حامي الحمى ليس بعده إلا البكاء.
من هو حامي العشيرة وحامي الحمى المفترض عندنا ، أليس هو الجيش السوداني (الحارس مالنا ودمنا)، دعونا نفترض حتى الآن أنه (جيشنا) وليس جيش جهة (أخرى) . لماذا عجز عن حمايتنا؟ هل قصرنا في الصرف عليه أو تدليله والغناء له. لكن الواقع يقول أنه لا ينتمي إلينا ونحن كنا نعلم ذلك ورضينا الخديعة بل وخدعنا أنفسنا ، فجيشنا ليس كموسى صاحب المناحة: ﻻ ﺑﻴﺎﻛﻞ ﺍﻟﻤﻼﺡ ﺍﺧﻀﺮ ﻭﻻ ﺑﺸﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻳﺴﻜﺮ . موسى حامي الحمى ومقنع الكاشفات لم يكن متنعماً (يأكل الملاح أخضر وهو ملاح الطبيخ كما نعرفه الآن ، وهي غاية التنعم عند من عهد إليهم في الماضي بحماية العشيرة) ولم يكن فاسقاً فاسداً (يشرب الخمر يسكر) ، صاحبة هذه المناحة (قربت شديد) ولا بد أن الاستخبارات العسكرية تبحث عنها بشدة. خلاصة الأمر أن حامي العشيرة عندنا لم يعد موجوداً ونحن لم نكن نريد أن نصدق ذلك حتى حين قال البشير (حميدتي حمايتي) ، فإن كان حميدتي حمايته وروسيا أيضاً حمايته فمن حامي الحمى الذي ننتظره وقد عاد حصانه مجلوباً.
لم تعد تفرق معانا كتير :
من المجرم في هذه الحرب؟ من الذي أشعل الحرب؟ من أطلق الرصاصة الأولى؟ من صاحب المصلحة في استمرار الحرب؟ من هو المنتصر الآن؟ من هو المهزوم الآن؟ هذه أسئلة لا تهم المواطن السوداني لأنه يعرف إجابات هذه الأسئلة وغيرها فيما يخص هذه الحرب. فقط السؤال الذي يهم المواطن ، متى تنتهي هذه الحرب؟ وكيف تنتهي هذه الحرب؟ وماذا بعد نهاية الحرب؟
متى تنتهي الحرب؟
تنتهي عندما يقوم المجتمع الدولي بدوره تجاهنا كموقعين على جميع مواثيقه.
كيف تنتهي الحرب؟
تنتهي بتواجد قوة (أياً كانت) تستطيع معادلة ميزان القوى على الأرض وتجريد أطراف الحرب من السلاح.
ماذا بعد نهاية الحرب؟
بلغة الكورة ؛ مما لا شك فيه أن فريقنا (التيم بتاعنا) فشل فشلا ذريعاً في إحراز أي نصر يؤهله لأن (يتواجد في الأدوار القادمة من المنافسة) والتيم بتاعنا هنا المقصود به تيم المدنيين وتيم العسكريين (مكون مدني ومكون عسكري) ولا يمكننا اللعب بنفس الفريق لنتوقع نتائج مختلفة إلا إذا توقعنا أن كل المنافسين لنا فاشلين مثلنا وهذا غير صحيح حيث أننا لم نترك ساحة ولا باحة للفشل إلا وكنا أهلها (وأسيادها). لذا وجب تغيير كل من كان له دور سياسي ، أو عسكري ، أو شبه عسكري ، أو ديبلوماسي أو حتى عشائري في حياتنا ، فقد كان الفشل أيضاً بنفس حجم الكارثة بل كان أشد ومن تداعياته قامت الكارثة.
الحركة الإسلامية وجيشها لن تنفعنا.
الحرية والتغيير وتقدم لن تنفعنا.
الدعم السريع لن ينفعنا ولا يصلح أن يكون مشروع دولة.
الحركات المسلحة وغيرها لا يمكن أن تدخل حتى في الحسبان إلا إذا عُد كلب الصيد في الفرسان .
وعلى كل فالذين ذكرناهم جميعاً ليسوا بفرسان ولا يتمتعون بأخلاق الفروسية وحربهم تقول ذلك.
ما هو الحل :
الحل تجدونه في الجزء الثاني من هذا الطرح بعنوان (وثيقة الخلاص الوطني) .
رائع ياود السيمت أنا اؤيد ما تقول وفي انتظار ما تقوم بطرحه من حل داعيا الله جلت قدرته أن يطفئ نار الحرب ويولي علينا من يصلحنا آمين الدعاء مخ العبادة وسلاح المؤمن
مبروك ايها الرجل… الهميم… على الطرح الرصين
..واصل ونحتاج لرؤى من خارج الصندوق …
اخي الفاضل.. تستوقفني كثيرا الآية ( ٧٢ )….ادناه …في آخر سورة الأنفال… التي وتؤكد بشكل قاطع …ان مراعاة العهود والمواثيق …اكثر الزاما للمسلمين حتى على مناصرة اخوانهم في الدين…على النحو الذى تفضلت به ..
(71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
وإليكم تفسير الآية أدناه مقتبس من شرح ابن كثير
يقول تعالى : وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني ، على عدو لهم فانصروهم ، فإنه واجب عليكم نصرهم ؛ لأنهم إخوانكم في الدين ، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار ( بينكم وبينهم ميثاق ) أي : مهادنة إلى مدة ، فلا تخفروا ذمتكم ، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم . وهذا مروي عن ابن عباس ، رضي الله عنه ….
..ختاما ..هذ المفهوم عن عالمية المواثيق الذي تفضلت به …كان يترواح في ذهني منذ فترة طويلة على ضوء استقراء هذه الآيات البينات ..وعلى ضوء ما ورد في القرآن في مواضع أخرى لامجال لذكرها الان ….ومن خلال من ماورد في السيرة النبوية الشريفة …نستطيع التأكيد بان ميثاق الأمم المتحدة هو الميثاق الدائم …والمستصحب والمتوافق مع ظروف هذا العصر بين الأمم المكونة لهذا العالم …وان علينا احترامه والمساهمة في تطويره.. والدفاع عنه والعمل به …ولامجال للتقسيم التقليدي إلى ديار اسلام وديار حرب …هذه التقسيمات التي تجاوزها التاريخ وتتناقض مع جغرافية انتشار المسلمين ..
خالص تقديري ومحبتي واعتزازي لجميع احرار ثورة ديسمبر…بوصلة السودان …نحو الانعتاق من التشرذم والجهل والتخلف والعبور بالوطن نحو آفاق العلم والايمان والازدهار والتقدم…
اللهم ارفع عنا نقمة وتسلط الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا…
واخر دعوانا …إن لعنة الله …والملائكة والناس اجمعين على الظالمين…على كل من اشعل هذه الحرب الملعونة واعان عليها…وسعى لها سعيها …واغتنى من وراءها مالا حراما …لعنة الله على من كل من اتهم …او.. اوهم واوعز …او اعتقل …او سجن او عذب او قتل ظلما وعدوانا..احدا من عباد الله المستضعفين… …ولعنة الله كل قاضي ..لم يتورع في اصدار حكم جائر… .. ..ارضاءا وموالاة..لطغيان السلطان .. ..