الحزب الشيوعي السوداني … مخترق ام مختطف – الحلقة الأخيرة
(11) رسالة إلى الرفاق
في الختام رسالة إلى الرفاق باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني :
بعد السلام والاحترام ، اسمحوا لي أن أخاطبكم مباشرة في هذا الحيز … بعد أن أغلقت الطرق وسدت في وجهي السبل في التواصل الشرعي معكم عبر القنوات الرسمية ، والتي اضطررت مجبرا إلى تجاوزها ومخاطبتكم بالصوت العالي الذي حتما سيصل إلى مسامعكم ومسامع كل الزملاء الشيوعيين وكذلك أصدقاء الحزب والمهتمين. ولا أخفي عليكم عدم ثقتي بأن صوتي ما كان ممكناً له الوصول إليكم أو إلى غيركم عبر القنوات الرسمية ، لان الممسكين بالبلف من حراس المعبد – للأسف – يمررون فقط ما يتفق مع وجهات نظرهم وهواهم وحجب ما سواه. وتلك هي تجارب العديد من الزملاء الذين كتبوا من قبلي! والمجرب لا يجرب! وأتمني من كل صاحب رأي مختلف أن يسلك هذا الدرب لتوصيل صوته ورأيه. فهذا الحزب ليس ملكاً لزيد أو عبيد أو حكرا على أعضائه بل هو ملك عام لكل أفراد الشعب السوداني. أعلم أن محكمة اللوائح ستنصب لي ، وأتوقع حتى مقصلة الفصل والتوقيف ، لكنه افضل لي من الصمت وكبت الرأي. وعليه أخاطبكم وأتحمل المسئولية على ما قلت وما سأقول لكم وإلى كل العضوية ولكل من يهمه أمر هذا الحزب. شعاري من الجماهير وإليها أعلم وأتعلم منها ، ومهما كان تباين الآراء بيننا. فأرجو أن يواجه الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة وأن تسمو النفوس وأن تتغلب الروح الرفاقية التي غرسها فينا المؤسسون الأوائل على كلّ ما سواها ، وأن يكون الهم الأكبر هو استعادة الحزب لألقه المعهود ، والوطن كما نحلم ، ومبدأ ومنتهى الأمر مناط بكم … فالوقت ضيق للغاية ، فالسودان يقف على حافة هاوية الضياع إلى الأبد بسبب الحرب اللعينة ، فهو الآن يكون أو لا يكون. الأهمية القصوى والأولوية لوقف الحرب ، توصيل مواد الإغاثة الإنسانية ، عودة النازحين ، استعادة مقومات الحياة الأساسية والأمن ، والحزب وحدَهُ لن يفعل شيئا. مكانه هو الاصطفاف في خندق واحد مع القوة المدنية الداعية لوقف الحرب مهما تباينت وجهات النظر بينه وبينها. فالأولية القصوى وقف الحرب وتأجيل كلّما هو عدا ذلك إلى أن يحين أوانه. كل شيء قابل للتأجيل إلا الوطن ، فالوطن والمواطن في وضع لا يحسدان عليه ، وغياب الحزب عن كل المسارات التي تؤدي لوقف الحرب وتوصيل الإغاثات سواء في جنيف أو أديس أبابا أو القاهرة غير مبرر وغير مقبول ، وإطلاق الشعارات ، والتمترس خلف مطالب التغيير الجذري ليس سوى نوعا من الترف السياسي في الظرف الراهن وهو بمنزلة انتحار سياسي ، مع الهجمة الشرسة من قوى فاشية مدججة بالسلاح والمال وأكثر تنظيماً وتوحداً حول أهدافها المتمثلة في إجهاض مكتسبات الثورة واستعادة عرشها من بوابة الحرب الكارثية التي أهلكت الحرث والنسل وقضت على الأخضر واليابس…
كما لا يفوتني أن تخوين الآخرين الذين هم في جبهة المصادمة لن يخدم قضايا الحرية والسلام والعدالة التي ينادي بها الحزب والشعب. الأمر يتطلب ما هو أكثر من أطلاق الشعارات! والنداء لبناء الجبهة الشعبية لوقف الحرب يتطلب من الحزب ليس عقد الندوات وإصدار البيانات فحسب ، بل التحاور مع كل الأطراف التي لها نفس المطالب لتأسيس تلك الجبهة ، ومخاطبة الأطراف المتحاربة ، والمشاركة في المنابر الخارجية ومقابلة أصحاب المصلحة في وقف الحرب وتوصيل صوت الحزب لها…
أنني لا أدعو لأن يتخلى الحزب عن برنامج التغيير الجذري. فالحزب منذ تأسيسه وهو يناضل من أجل التغيير الجذري ، ولكني أنادي بتوسيع الماعون وأن يجلس قادة وممثلو تحالف التغيير الجذري مع قادة تقدم والأطراف التي لها نفس المطالب ، مثلما جلسوا مع قادة الحركات المسلحة، وان يتوافقوا على ما هم متفقون حوله (برنامج الحد الأدني) من ضرورة إنهاء الحرب والعودة للمسار الديمقراطي وخروج العسكر من السلطة ووضع يد الدولة على المال العام ، ويشكل ذلك برنامج التحالف الجديد الذي يجمع شمل كل المطالبين بوقف الحرب وعودة الديمقراطية. وحينما يتحقق ذلك ينفض المولد وكل حزب يمارس نشاطه منفردا حسب ما يرى.
وفي ذلك نستلهم تجربة طيبي الذكر الأساتذة التجاني الطيب وفاروق أبوعيسى ، تنزَّل عليهما شآبيب الرحمة، والتنازلات التي كانا يقدماها وصبرهما وتجاوزهما لكثير من الأمور في ظل الصراع والتنافر بين القوى المتحالفة في التجمع الوطني الديمقراطي ، والمنحنيات والانكسارات التي مرَّ بها التجمع ، لم ينسحبوا بالرغْم من الكثير من الأسباب الداعية للانسحاب ، بل ظلا يكدان ويجتهدان ، مع من معهم من الشيوعيين والديمقراطيين ، ديدنهما ، فيض البذل والعفة عند المغنم ، من أجل المحافظة على وحدة قوى المعارضة مما أجبر النظام البائد على فتح نافذة للضوء في جدار العتمة وسمح بهامش من الحرية أتاح للقوى السياسية أن تضمد جراحها وتنظم صفوفها وتخرج بصحفها للعلن. ولو قارنا ما بين تحالف التجمع الوطني الديمقراطي وتحالف الحرية والتغيير أو تنسيقية تقدم نجد الأخيرين أكثر مرونة ، ويفوقا الأول ثورية وديمقراطية بسنوات ضوئية فما لكم كيف تحكمون؟! .
بارك الله في امرئ عرف قدر نفسه ، الحزب لا يمتلك الأدوات اللازمة (منفردا) لإجبار أطراف الحرب وأمرائها وتجارها والمراهنين عليها على وقفها ، إذ ليس بيده سلاح أو حتى قاعدة داخلية صلبة يستند إليها كي يفرض إرادته في تطبيق شعار لا للحرب. فالشارع ما عاد هو الشارع ، ولا يتمتع الحزب بعلاقات دولية ، أو إقليمية ، بعد انحسار الشيوعية ، يوظفها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الحرب. لذا فمن الأجدى له على الأقل دعم كل جهد يسعى لوقف الحرب سواء كان ذلك الجهد داخلياً أو خارجياً ، على أساس أن وقف الحرب صار يشكل الأولوية القصوى. بدلاً من أن يكون معولاً بيد خصوم الديمقراطية والتحول المدني لضرب الثورة. وكما قال الراحل الأستاذ محمد سليمان عبدالرحيم في إحدى إسهاماته الفكرية الثرة “أي اصطفاف غير الاصطفاف ضد الحركة الإسلامية سيساعد على انتصار الثورة المضادة”. وقال في خاتمته ، ما أود أن أقوله في ختام هذا المقال هو بالتحديد أن أي اصطفاف غير الاصطفاف الواضح والكامل ضد الكيزان والحركة الإسلاموية لن يقودنا إلى تحقيق أهدافنا في إيقاف الحرب وإقامة الدولة المدنية واسترداد الثورة. تلك هي الحقيقة الناصعة فأي اصطفافات أخرى ستعمل على تقسيم صفوف القوى الشعبية والمدنية – كما هو حاصل الآن – لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب أو القبول بتسويات ضعيفة تعيد إنتاج الأزمة.
البلاد على حافة الانهيار ، حيث أكثر من خمسة وعشرين مليون سوداني يتهددهم كأداء التشرد والنزوح والمرض والموت ، وملايين الأطفال يتضورون جوعاً ، والتلاميذ بلا مدارس. فبالله عليكم ماذا تنتظرون حتى تضعوا أياديكم مع الأيادي المنادية بوقف الحرب؟! .
إن المهددات ليست فقط على السودان ووحدته الوطنية ، فالمهددات أيضا تطال كذلك الحزب الذي يمر بأزمة لا مثيل لها ، إن لم يرتق تنظيمياً وفكرياً بخطابه ، وأدواته ، وثقله السياسي إلى مستوى المسئولية ، فقد يتلاشى ويصبح أثراً بعد عين ومجرد ذكرى ، وبضعة كتب يعلوها الغبار بين دهاليز مكتبة منسية…
لذا أتمنى المضي قدماً حتى يعود لنا الحزب وضاءاً كالشمس في رائعة النهار يرفرف عالياً خفاقاً مثل هامات النخيل ونحن على مشارف العيد الثامن والسبعين لتأسيسه نصطف من جديد خلف محجوب شريف نتناجى ونغني
((حارنك نحن ودايرنك الما من شعبنا مامنك …
عشقنا جوانا اتارنك …
حزباً في القلب مضارنك … للشمس حتمشي مبارنك …
فخرا للشعب السوداني والطبقة العاملة الثورية)).
الحزب مخترق مخترق مخترق، وكل مخترق مختطف بالضرورة والاختراق اقصى مراحل الاختطاف.
لا يمكن انت تكون شيوعي.
الحزب فوق راس الجميع
وكل الذكرته في كل الحلقات من مقالك الا نوع من الضعف الفكري لديك