الموت في زمن الشتات
أحمد إبراهيم أبوشوك
(1) في تقديمه لكتاب الدكتور حسن أبشر الطيب إطلالة في عشق الوطن (أم درمان مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي 2001م) كتب محمد المكي إبراهيم عن جيل العطاء الذي ينتسب إليه عبر زميل دراسته بجامعة الخرطوم وصديق عمره حسن أبشر الطيب قائلاً : “ينتمي المؤلف إلى جيل الستينيات في السودان ، هو جيل يجمع إلى الريادة الإبداعية المواكبة المستمرة والتجويد المتفوق والاطلاع الغزير… وهذا السفر الذي بين يدي القارئ الآن شاهد على صحة تلك المقولة ، فها هي بين أيدينا ما يقرب من أربعين مقالة في مختلف شؤون الحياة والثقافة في السودان. تتناول فيما تتناول أعلامه الكبار : الطيب صالح ، والمجذوب ، وجمال محمد أحمد ، والتجاني الماحي ، ومحمد إبراهيم أبوسليم. كما تتناول أهل الفن والإبداع فيه : أحمد المصطفى ، وعبدالعزيز محمد داود ، وليلى المغربي. إلى جانب أشهر آثاره الأدبية المعاصرة : “موسم الهجرة إلى الشمال”، و”غضبة الهبباي”، و”أمتي”.
(2) لكن يصف محمد المكي إبراهيم الوطن في بداية الألف الثالثة بأنه “يمر بأسوأ أيامه ، وأشدها بؤساً وسوء حظ ، وفي السنوات الأخيرة من القرن العشرين كانت قد اكتملت مسلسلة الخروج من السودان هرباً من العسف السياسي ، والبؤس الاقتصادي ، وغياب الحرية ، وإظلام الحياة الفكرية وإجدابها. وكانت السلطة في بداية أمرها تريد إفراغ البلد من ذوي الفكر والرأي ، فأفرطت في القسوة عليهم ، حتى هجروا البلاد بالألوف ، ثم توسعت حلقة الرعب وطالت من لا ينتمي لتلك الفئة من المواطنين ، فأجفلت العصافير وخرج السودانيون بالملايين ما بين ناشد حرية ، وطالب دنيا يصيبها ، أو أمن يشتهيه …. وفي المنافي الاختيارية التي تقاطر عليها السودانيون تحول السودان في نفوس بنيه المهاجرين إلى ذكرى سيئة ومدعاة للحسرة واليأس والألم ، فالأخبار التي تأتي من تلقائه لا تحمل إلى الجماعة المهاجرة سوى أنباء الفقد والفجيعة والتدني المستمر في نوعية الحياة ، والتكرار المميت لكل أخطاء الماضي ورزاياه. وأمام أعينهم كانت سمعة السودان المشرقة تتحول إلى صيت سيء ، وكان اسمه الشريف يتمرغ في الوحول”.
(3) الآن رحل محمد المكي إبراهيم إلى الدار الآخرة في يوم الأحد الموافق 29 سبتمبر/أيلول 2024م بقاهرة المعز وفي زمن شتات لم يشهد السودان له مثيلاً من قبل ، وحال الوطن أسوأ مما كان عليه في بداية الالفية الثالثة ، إذ حولَّت حرب الخامس عشر من أبريل 2023م واقع أهله إلى جحيم لا يطاق ، بعد أن احتلت قوات الدعم السريع معظم مساكن المواطنين في العاصمة المثلثة وود مدني وغيرها من المدن ، ونهبت مقتنياتهم الثمينة ، وجعلت حواضن ذكرياتهم وتراثهم أثراً بعد عين ، وأجبرتهم على الأمرَّين ، إما النزوح إلى الولايات الآمنة في السودان ، أو اللجوء إلى دول الجوار ومهاجر ذوي القربى. وعن تداعيات الحرب وتعقيدات استمراريتها ، تصدق الحقيقة الذهبية التي طرحها الدكتور حسن أبشر الطيب : “إن المدفع لا يبنى بيتاً ، ولا يشفي مريضاً ، ولا يزرع حقلاً ، ولا يحصد إلا دماراً. إن الأوطان تبنى بالمحبة والتعاطف ، وبالاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر وبالسعي الموصول لتعظيم عناصر الاتفاق ، ونبذ مسببات الفرقة ، وبالسمو فوق المنافع الذاتية الآنية إلى مصلحة الوطن ، بالاحتفاء بكل المبدعين من أبناء الوطن في مختلف الميادين ، تقديراً للعبقرية وتجسيداً للقدوة المتميزة ، وبالانفتاح الذكي المتبصِّر على المعطيات والتجارب الإنسانية المعاصرة” كما يصدق استفهام الشاعر محمد الحسن سالم (حميد) الاستنكاري ، عندما انشد قائلاً : “أخــيــر كــرّاكــةً بـتـفــتـح حـفـيـر وتـراقـد الركام*** أم الدبابة البتكشح شخـيـر الـمـوت الزؤام؟ *** درب مـن دم مـاب يـودي حرِب سُبّه حرب حرام*** تـشـيـل وتـشـيـل مـابِ تـدِّي عُـقـب آخــرتا انهزام”
(4) وعندما شعر حسن أبشر الطيب بتعاطف الحركة الديمقراطية السودانية المعارضة لنظام الإنقاذ آنذاك مع بعض أعمال الدمار والتخريب التي كانت تطال خط أنابيب تصدير النفط كتب مقالاً بعنوان : “هذا كلام أعوج”، ويتمثل اعوجاج ذلك في بُعد نجعته عن القيم العليا التي تطالب الساسة بالعمل من أجل إسعاد الناس أجمعين ، ما دامت سعادة الناس تتجسَّد في الحفاظ على مصادر معاشهم اليومي وخروجهم من عنق زجاجة المعاناة ؛ لأن تدميرها يعتبر طغياناً من السياسة على مقدرات الدولة الاقتصادية. فأي سياسي أو عسكري غير عاقل يدمِّر موارد أرزاق الناس ويشردهم من مساكنهم الآمنة ، ثم يعدهم بالحكم المدني والديمقراطية ، فأنه يضحك على عقولهم في صلف وكبرياء وعدم استحياء ؛ لأن أولويات الحياة الأساسية تقوم على المسكن والمأكل والمشرب والحريات العامة ، وما سواها أولويات كمالية مؤجلة لا يستقيم ميسمها إلا باستقامة مَيَاسِم الأولويات الأساسية.
(5) إذاً يا سادتي دعونا نجمع القول :”أرضاً سلاح”؛ لأن إيقاف الحرب لا يعني إعفاء الذين ارتكبوا الجرائم والفظائع في حق الشعب المسكين من العقوبة ؛ ولا يعني إشراك الذين كانوا سبباً في الحرب أن يكون جزءاً من الحل. لكن إيقاف الحرب يُسهم في إبقاء ما لم يُدمَّر من بنية البلاد التحتية، وفي الحافظ على الوطن من التقسيم وجعله نهباً لمصالح الدول الإقليمية والعالمية ، وفي صون أرواح أبنائه وبناته الشرفاء الذين يحلمون بغدٍ أفضل. إيقاف الحرب ، يا سادتي ، يعني الحفاظ على مؤسسات الدولة ، وإعادة احتكار العنف القانوني لجيش مهني واحد وقوات شرطة مؤهلة ، ويعني التخلص من المليشيات المسلحة ، والتواضع على نظام حكم يكون تداول السلطة فيه بطرق ديمقراطية سليمة. ولا يتحقق ذلك إلا بتوافق الصف الوطني. والشاهد في ذلك قول الرئيس الرواندي بول كاغامي (Paul Kagame) ، الذي انتشل بلاده من ركام الحرب الأهلية الضروس والعداوات العرقية إلى البناء والإعمار ، عندما صرّح قائلًا : “إنّ تقدم بلادنا سببه أنتم أيها الروانديون ، وخاصة الشباب والنساء منكم ، الذين أخذوا زمام المبادرة لتقرير مصير بلادهم من خلال روح العمل والابتكار والوطنية كمفتاح للرقي والتنمية […] فليس ذلك بسبب وجود الفاتيكان ، أو الكعبة ، أو البيت الأبيض ، أو الإليزيه ، أو تاج محل” في بلادنا.
إنا نعلق الآمال على جيل يُشبه الجيل الذي غنى له محمد المكي إبراهيم ، جيل “يعطي لهذا الشعب معني أن يعيش وينتصر ، جيل يقرر “التاريخ والقيم الجديدة والسير”، جيل يصوغ “الدنيا وتركيب الحياة القادمة”، جيل مستميت على المبادئ مؤمنًا ، ومشرئباً إلى “النجوم لينتقي صدر السماء”. رحم الله شاعر جيل العطاء ، الذي عاش بروح الجيل الذي ينشده ومات وفي نفسه شيء من حتى.
مقال ممتاز يا سعادة البروفيسور أبو شوك، اسمح لي أن أقتبس من مقالكم بضع سطور: “بعد أن احتلت قوات الدعم السريع معظم مساكن المواطنين في العاصمة المثلثة وود مدني وغيرها من المدن ، ونهبت مقتنياتهم الثمينة ، وجعلت حواضن ذكرياتهم وتراثهم أثراً بعد عين ، وأجبرتهم على الأمرَّين ، إما النزوح إلى الولايات الآمنة في السودان ، أو اللجوء إلى دول الجوار ومهاجر ذوي القربى”. يجب أن لا تنسى – من باب الموضوعية و الحيادية- أن للحرب طرفان و كلاهما كما هو معلوم للقاصي و الداني قد إرتكبا كل أنواع العنف و التقتيل على المدنيين في السودان كان يجب عليك الإشارة إلى الطرف الآخر حتى و لو كانت إنتهاكاته أقل – كما يدعون. (Sauce for the goose is sauce for the gander)
طبعاً الشايقي ده لازم يجيب ابن رحم الكيزان في جملة مفيدة وهو يعلم أن المصيبة في الرحم الذي أنجبت قبل أن يكون في ولد السِفاح.
عمرك يا كلب ما حتكون منصف وانت تستخدم بعض وقائع التاريخ لطمس وقائع أخرى.
مع الاحترام للدكتور ابو شوك فإن الدمار لم يبدأ أو النزوح لم يبدأ فى أبريل ٢٠٢٣ ولكنه بدأ قبل ذلك بكثير فى العام ٢٠٠٣م عندما أحرقت أربعة آلاف قرية وقتل ثلاثمائة ألف فى دارفور بل قبل ذلك بكثير عندما تمنى السودانيون أن يحرق حسن بشير جنوب السودان بنائه وبقرع وشجره..يتمنون ذلك كأنما يطلبون ذبح خروف للضيافة لا بشرا اكرمهم الله. أننا فى السودان يبدو أن بعض الأرواح اغلى من بعض وأن بعض اجزائه اغلى من بعض بل إن عرقا بعينه اغلى من غيره لذلك أظهرت الحرب أسوأ ما فينا من أنانية وحقد وكراهية وتمييز وهى الصفات التى الخقتنا هذه الدرجه من التردى…مثقفو السودان أثروا الازرار والناى بأنفسهم عن قول الحق بل ساهم كثيرون فى تمجيد الطواغيت وسلوكهم المميت للوطن والمواطن. رحم الله حسن ابشر الطيب والدكتور منصور خالد فقد قرعا اجراسا فى وقت مبكر واشعلا فوانيس الكوارى منذرين ومحذرين لكى لا يتهاوى الوطن ولات ساعة مندم
لكن استشهادك بمقولات حسن ابشر لا أستسيغه لكون الراحل حسن ابشر -الله يرحمه- كان معرّص لنميري