مقالات وآراء

ملامح من الحياة في كندا (5)

حامد بشري

في الحلقة السابقة تعرضت الي بعض العقبات التي تواجه المهاجرين الي كندا قبل حوالي ثلاثين عاماً وما زال بعضها قائماً الي يومنا هذا وتتلخص فيما يُطلق عليه أصحاب العمل أو المُخدمين” الخبرة الكندية” . عندما حضرت الي هذه المدينة سبقني اليها بعض الأخوة السودانيين حيث كان عدد الشماليين أقل من أصابع اليدين بالأضافة الي مجموعة أخوة من جنوب السودان . لم تكن هنالك أحصائية لعددنا ،  قدرت هذا الرقم بعدد الأشخاص الذين أشتركوا في مظاهرة نددت بزيارة حسن الترابي الي كندا كنا حوالي العشرين شخصاً في ذلك الوقت لا أذكر أن أحداً منهم كان ملتحقاً بمركز أكاديمي أو طالباً للدراسات العليا ما عدا شخص واحد كان يُحضر لدرجة الدكتوراة ومشغول بترتيب أوضاعه للأقامة الدائمة . لذا لم أجد من سلك  هذا الطريق شخصاً يحمل شهادة دكتوراة ويبحث عن عمل قبل وصولي الي هذه المدينة . بعد أن لازمني الفشل بالالتحاق بمؤسسة أكاديمية ، تصورت أن الفرص بالجارة الأمريكية أفضل فأرسلت لعدة مرافق صناعية أملاً في أن يصيبني الحظ في تطبيق براءة الأختراع التي تحصلت عليها. وُجهت بعقبة أخري وهي عدم أمتلا كي للجنسية الأمريكية .
سوق العمل المهني في كندا بدأ يضيق خاصة بعد أن أستلمت حكومة المحافظين اليمينية أمر الحكم وبالمقابل بدأت تزداد الألتزامات المالية خاصة في وجود أسرة وطفل حديث الولادة . شراء العربة العتيقة كان الغرض منه المساعدة في تدبير سبل العيش ، لذا لجأت للأستفادة منها في توزيع فطاير البتزا هذا قبل ظهور سيارات الأوبر بفترة طويلة . وفي ذات الوقت وقبل ظهور الأنترنت بصورتها الحالية ، وحيث كان سعر جهاز الكومبيوتر بآلاف الدولارات والتي يعجز شخصي عن شرائه ، التحقت لفترة تدريبية بمركز يتبع للجالية اليهودية أُفتتح خصيصاً لمساعدة المهاجرين الجدد في كيفية كتابة السيرة الذاتية التي تتوافق مع سوق العمل الكندي وطباعتها وتصويرها بالمركز . تمت كتابة السيرة وتمت مراجعتها من قبل أخصائيين وتبقي أرسالها عن طريق البريد الي الأماكن التي يمكن أن تتاح بها فرص للعمل والتي عادة ما يتم نشرها في إعلانات في الصحف الورقية في ذلك الوقت . أرسال ما يعادل 500 طلب للعمل تتطلب ميزانية للطابع البريدي لذا لجأت لحيلة أخري في التوزيع من دون خوض تجربة البريد . في السابق كانت توجد بالمدينة صناديق تشبه صندوق البريد بالقرب من العمارات السكنية تُوضع بها يومياً صحيفة المدينة (ستزن) حيث كانت تباع بنصف دولار كندي . كل من يريد نسخة عليه أن يضع قيمة الصحيفة وبعد ذلك يمكنك أن تفتح القفل لكي تأخذ نسختك من الصحيفة . الحيلة كانت بسيطة بعد ان أضع المبلغ المحدد لشراء الصحيفة ، أفتح الصندوق وأجد الصحف مرصوصة بعضها فوق بعض ، أفتح كل صحيفة وأضع في كل منها نسخة من سيرتي الذاتية ليصبح كل من يشتري الصحيفة يجد في داخلها نسخة من الطلب والسيرة الذاتية وبهذه الصورة أكون نجحت في توزيع طلبات التوظيف بتكلفة سعر صحيفة واحدة . الحكمة السودانية المتوارثة تعبر بشكل مختلف عن هذه الحالة( الرايحة ليه حاجه يفتح خشم البقرة) . بكل أسف لم يصلني رد أيجابي بطلب معاينة . في ذلك الوقت كان هنالك من لجؤا الي وسيلة أخري في توزيع سيرتهم الذاتية ، تستدعي الوقوف في تقاطع السيارات عند (الأستوب) وحين تقف السيارة تطلب من السائق أن يتناول نسخة من سيرتك الذاتية . تجربة وضع السيرة الذاتية في الصناديق المخصصة لصحيفة (ستيزن) أستفدت منها لاحقاً في محاربة وتعرية نظام الجبهة القومية الأسلامية .
كانت تصلني نسخة واحدة من صحيفة الميدان السرية الناطقة بأسم الحزب الشيوعي حيث أقوم بتصويرها وأشرع في توزيعها في المكتبات العامة وفي المتاجر العربية . في هذه الأمكنة يوجد صندوق مفتوح به صحف الأعلانات المحلية وبعد الأستئذان من صاحب المكتبة وأصحاب المحلات التجارية أقوم بوضع نسخٍ من الميدان في هذا الصندوق أو علي الطاولة التي تكون بالقرب من الكاشير فأصبح كل من يشتري بضاعة من هذا المحل أو يتجول في المكتبات يستطيع أخذ نسخة مجانية من صحيفة الميدان وحينها أصبحت الجالية العربية في هذه المدينة من القراء المنتظمين للصحيفة . برغم من وجود سفارة تتبع للنظام البائد والحالي بالمدينة وفي الأحتفالات والمناسبات المختلفة حين تتم دعوتي كنت أقوم بتصوير الميدان وتوزيعها علي الحضور . كنت مقاطعاً لما يُقدم من مأكولات ومشروبات من قبل سفارة النظام الا أني لم أمتنع عن الحضور وطرح رأي في النظام القائم علي عكس سياسة التغيير الجذري الحالية المبنية علي التعنت والرفض التام لكل ما تقوم به (تقدم) برغم الأختلاف الجذري بين (تقدم) والنظام البائد وبرغم ظروف الحرب التي أوشكت أن تؤدي الي تشرذم الوطن . ونقول بالفم المليان كفاية تلاعب بالأوطان . في السابق أبتدعنا أساليب كثيرة في محاربة نظام الجبهة القومية الأسلامية حتي كللت بنجاح ثورة ديسمبر المجيدة والآن فشلنا في أن نتحد لنوقف نزيف الدم الجاري أنهراً بأرجاء الوطن .
عندما تعثرت كل السبل في الحصول علي عمل يتوافق مع المؤهلات الاكاديمية فكرت في اللجوء الي الأعلام الرسمي . هنالك قضية يجب أن تُطرح وتجد حظها من النقاش وأبتدار الحلول لها . كندا تستورد مهاجرين ذو كفاءات عالية من دول العالم المختلفة ولا تسمح لهم بولوج سوق العمل الذي يناسب تأهيلهم بحجة ” الخبرة الكندية ” التي لا يمكن الحصول عليها الأ بممارسة العمل في كندا . والعمل في كندا لا يسمح لك بممارسته الأ بوجود خبرة كندية (الحلقة الشريرة) . أرسلتُ رسلة بريدية الي صحيفة المدينة (ستيزن) وضحت فيها مؤهلاتي ومحاولاتي المتعددة للحصول علي عمل . بعد حوالي أسبوع علي ما أذكر أتصلت بي مندوبة من الصحيفة وطلبت أن تزورني بالمنزل إذ لم يكن لدي مانع للتحقق فيما كتبت حتي يتم نشر الموضوع بعد أن تستوثق من المعلومات التي وصلتها في رسالتي. رحبت بالزيارة حيث كنت أنا وزوجتي وطفلنا (أمير) . كانت بالنسبة لها مفاجآة عندما علمت أن زوجتي التي بدون عمل تحمل كذلك نفس المؤهلات حيث تخرجنا من نفس الجامعة ونلنا ذات التقييم من المؤسسات الكندية . تبع ذلك نشر الموضوع علي الصفحة البارزة في الصحيفة تحت العنوان التالي :

AN UNEMPLOYED PhD
‘I can’t even get an Interview based on my qualifications’

هذه المحاولة كانت بمثابة ضوء في آخر النفق
تجربة البحث عن عمل لمهاجرين جدد مع وجود مؤهلات أكاديمية عالية ، أفادت بعض الذين أتوا لاحقاً ، بابتداع تحايل علي المؤهلات الأكاديمية . وهذا يعني علي القادميين الجدد الذين يريدون الألتحاق بالجامعات الكندية لكي يتم أستيعابهم في سوق العمل الكندي علي حسب مؤهلاتهم  ،  أن يتبرأوا ويخفوا شهادات الماجستير والدكتوراه وأن يبرزوا شهادة البكالريوس التي تتيح لهم فرص القبول للماجستير وبعد أن يتحصلوا عليه يمكنهم اللحاق بسوق العمل ومن ثم أبراز الشهادات العليا التي حازوا عليها في السابق . بهذا التكتيك يمكن كسر الحلقة الشريرة واللحاق بقطار القوي العاملة في مجال الخبرة السابقة . لا يغيب عن البال التعليم فوق الجامعي لا تتكفل به الدولة والحصول علي تمويل له يتطلب البقاء في كندا لفترة قد تمتد الي ثلاثة أعوام لطالبي اللجؤ حيث يتحصل فيها مقدم الطلب علي حق الأقامة الدائمة ومن ثم يحق له الحصول علي قبول للدراسة يتبعها التمويل من البنوك .
والي اللقاء في الحلقة القادمة

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. *
    مقال ممتع غاية في الروعة وأجمل ما فيه الصراحة التامة… الله يديكم العافية.

  2. ١-
    يا حبيب،
    علي ما اعتقد من السودانيين الأوائل في كندا الأخ/ اسامة غانم، من ناس ودمدني، كان زميلي في مدرسة الخرطوم الثانوية المصرية عام ١٩٦٤، سافر الي كندا في بعثة دراسية في هذا العام، وممكن ان تبحث عن عنوانه في قسم تسجيل الأجانب بطرفكم، ولا اعتقد انه وبسبب طول المدة اي قبل (٦٠) عام لا يكون اسمه في أرشيف…قسم تسجيل الأجانب.
    بطرفكم ايضا صديق “الراكوبة”- “سوداني طافش”… وصراحة لا اعرف اسمه الحقيقي رغم تعليقاته الكثيرة علي مقالاتي.
    ٢-
    معلومة مصدره موقع “ويكيبيديا”:
    (…- الكنديون السودانيون مجموعات عرقية تشمل الكنديين من السودانيين الأصل والمهاجرين السودانيين إلى كندا، ومن بينهم لاجئون من الحرب الأهلية السودانية الثانية، وسَجل تعداد كندا 2016، 19960 شخصًا أفادوا بأن عرقهم سوداني.).
    ٣-
    بدرالدين حسن علي:
    حكايات من تورنتو الوطن في عيون الأقباط السودانيين.
    https://www.alnilin.com/1257141.htm
    ٤-
    بيوت وعمارات مشهورة سكنها اوائل
    المهاجرين السودانيين فى كندا و امريكا
    ( موضوع في موقع “سودانيز أونلاين”- الرابط مفقود- اكتب اسم عنوان في “قوقل” تجد الموضوع.).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..