مقالات وآراء

التخوين سلاح الجبناء في حرب السودان

غازي محي الدين عبد الله كباشي 

الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من شهر ابريل من العام 2022م بين الجيش والدعم السريع احدثت انقسام وشرخ كبير في النسيج الاجتماعي السوداني … ولم يكن الامر بهذه الخطورة في بدايات الحرب التي انحصر نشاطها داخل العاصمة … ولكن مع تمددها وانتشارها في معظم ولايات السودان بدأن عملية الاصطفاف والتي أخذت أشكال مختلفه فيها القبلي وفيها السياسي وفيها الاجتماعي وفيها الانتهازي … ان الاختلاف في التقديرات السياسبة حول هذه الحرب طال البيت الواحد والحزب الواحد والقبلية الواحدة وهكذا مال البعض للجيش وظلت افئدة البعض معلقة مع الدعم السريع وتسمر كثيرون عند الحياد والانحياز بشكل كامل نحو السلام باعتبار ان الشعب هو الخاسر الاول والاخير .. ولا منتصر في هذه الحرب مهما طال أمدها .. ان المزايدة على وطنية هذا وذاك في ظل هذه الحرب اللعينة تزيد من عبثية المشهد وتلقي بثقل جديد على المجتمع فتوسع الهوة بين افراده وتخلق نوع من الكراهية يمكن ان تتطور فتصل الى حد قتل مواطنين أبرياء بتهمة العمالة والتعاون مع اي من طرفي الحرب .. وهكذا يعلق المواطن بين سندان الجيش ومطرقة الدعم السريع.
لا ادري الى اين سوف ترمي بنا المزايدة بالوطنية … وبعيدا عن نظرية من بدأ الحرب … لا بد لنا من حوار منطقي نضع فيه الحقائق في سلة واحدة ونتجاوز صناعة الخيال ونسج الاكاذيب … من حقائق المشهد الحالي ان هذه الحرب لا هي حرب كرامة ولا هي حرب المهمشين … ان الواقع السياسي ما قبل الحرب كان ينذر بالشرر .. فالخلاف بين قادة الجيش الذين إنحازوا لمشروع الحركة الاسلامية والتي تبين لاحقا أنها ما زالت ممكسة بتلابيب الجيش وتجره جرا الى مشروعها دون مقاومة او اعتراض من قادتها الشيء الذي جعلهم يماطلون في التوقيع النهائي على الإتفاق الإطاري والذي وقعوا عليه بالاحرف الأولى مع القوي السياسية ومع الدعم السريع والذي كان من المفترض ان ينهي حالة الانسداد السياسي الذي امتد لاكثر من عام بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021م وعالج ازمة الانتقال المدني بعودة الجيش الى ثكناته وخروجه مع الدعم السريع من المشهد السياسي بشكل كامل.
لا ادري على اساس يعتبر البرهان نفسه رئيسا شرعيا وهو الذي استلم السلطة مع شريكه حميدتي بعد انقلاب عسكري في 25 اكتوبر 2021م صار بموجبه السودان دولة منبوذة في المحيط الاقليمي (تجميد عضويته في الاتحاد الافريقي) والمحيط الدولي (توقف الدعم الاوربي و الامريكي للاقتصاد السوداني وتجميد عملية إعفاء الديون الخ) .. ولا ادري كيف منح الناس البرهان حق القيام بانقلاب على السلطة المدنية واعترضوا على انقلاب حميدتي نائبه في الانقلاب (ان افترضنا ان ما قامت به قوات الدعم السريع انقلاب من اجل السلطة) .. لا ادري على ماذا استند البعض على تخوين حميدتي وقواته ولم يجرؤ على فعل ذلك مع انقلاب البرهان. هل لو قام عدد من الضباط داخل المدرعات بانقلاب على سلطة البرهان وانفجر الوضع فانقسم الجيش بين قائد المدرعات الاتقلابي الجديد وقائد الجيش الانقلابي القديم واستمرت حرب بينهما تجاوزت الشهور والسنة فهل سيكون موقف التخوين هو نفسه ما عليه الحال الآن ام سيختلف الامر؟ هل هذا الأمر له علاقة بأثنية او قبلية او أمر مهني؟
المفهوم العام هو ان الانقلابي العسكري عندما ينقلب على حكومة منتخبة ديمقراطيا يبدأ في كيل الاتهامات للحكومة واحزابها بكل ما هو سيء بما ذلك العمالة والإرتزاق كجزء من تبريرات انقلابه غير الشرعي فهذا أمر ليس بجديد .. فاعتقد انه من الطبيعي جدا عندما يختلف الانقلابين وتقع بينهم الحرب يحاول ان يتهم كل منهم الآخر بالعمالة والإرتزاق … الخ بينما المعلوم للجميع ان العمالة والإرتزاق يمكن ان تكون هي جزء من كل في قيام هؤلاء الجنرالات بالانقلاب على السلطة الشرعية. إذن لا البرهان ومجموعته العسكرية ولا حميدتي ومجموعته العسكرية هم ممن يتعطفون علينا بصكوك الوطنية او يرمون علينا تهمة العمالة .. لهذا استغرب جدا من بعض الناس الذين يروجون ويسوقون لهذه الاتهامات ضد القوى المدنية بدون وعي .. لا احد يستطيع ان يزايد في وطنية قادة القوى المدنية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ولجان مقاومة الخ … ان الوقوف ضد الحرب والانحياز للسلام في هذه الحرب لا يقدح ابد في وطنية كل من اتخذ هذا الموقف … وكذلك الوقوف مع الجيش في هذه الحرب لا يزيد او ينقص من وطنية أحد … والوقوف جانب الدعم السريع لا يعني الارتزاق والعمالة ولا يقلل من وطنية كل من ذهبت تقديراته السياسية مع الدعم السريع.. فالجيش جيش الدولة رغم الاختطاف الكامل من الحركة الإسلامية والدعم السريع جزء من الجيش بالقانون … وبالتالي الخلاف ما بين الجيش واحد فصائله لا يخرجهم الاثنين من حوش الوطنية ولذلك الاتهامات المتبادلة ما هي الا رغوة اعلامية يحاول ان يكسب بها كل طرف تعاطف الشعب..
وحتى لا يحمل البعض هذا المقال ما لا يحتمله .. ان التقديرات السياسية التي انتجت موقفا سياسيا محددا عند البعض منحازا للجيش او للدعم السريع فإن هذا الموقف لا علاقة له بالجرائم التي يرتكبها الطرفين في هذه الحرب ولا يعني باي حال من الاحوال رضاهم عنها الجرائم ولا تدخل ضمن تقديرهم السياسي بل هم بالضد تماما على هكذا جرائم و يأملون في ان لا تسقط هذه الجرائم من دفتر الحسابات بعد نهاية الحرب.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..