الحرب والمصالحة والمظالم التاريخية !

مناظير
زهير السراج
• رغم ان الكيزان هم الذين اشعلوا الحرب على أمل ان تعيدهم للحكم، ولكنها تستند علي اسباب وترسبات إجتماعية وثقافية ودينية ومظالم تاريخية عظيمة لا يمكن القفز فوقها بمصالحات وطبطبات وترضيات او غيره.
• بسبب ظلم الدوله للاقاليم واهل الهامش عموما، والمحسوبية والاستخفاف بالدم والدوس علي القوانين واحتكار المال والسلطات وغيرها من موبقات تفشت خاصة خلال حكم الاسلامويين، اصبح الكثيرون ينظرون الي الحرب اليوم علي انها طريق الخلاص من جحيم المظالم وإنسداد الأفق وتحقيق نوع من العداله إستحال علي المغلوبين المقهورين رؤيتها تتحقق طيلة عقود طويله.
• بإختصار ورغم نبل الغايات، لكن أن يظل منطق إيقاف الحرب والاحتفاظ بالمعادلة القديمة المختلة منطق بائس ومرفوض، ولابد من مخاطبة امر الدماء والمظالم العظيمة التي وقعت للناس وهدم صنم دولة التمكين الظالمة وبناء دولة المواطنة ومؤسساتها من جديد، بما فيها الجيش وفق عقد اجتماعي جديد عماده الحرية والسلام والعدالة والمساواة .
• ولا بد من تحقيق مبدأ المحاسبة والعقاب مهما كلف الأمر، لأن الحرب نفسها واحدة من افرازات جريمة الإفلات من العقاب التي برعنا فيها نحن السودانيون دوناً عن العالمين، فرغم كل الجرائم الكبري التي اُرتكبت في حق المواطن والتآمر ضد الوطن ورهن قراره وسيادته لدول اخرى والتنازل عن اراضيه وتهريب خيراته، لم نجرؤ علي محاكمة جنرال او سياسي واحد علي تلك الجرائم الكبري، وإذا إستمر تعاطينا بذات فهم (عفا الله عما سلف) ستتكرر ذات الجرائم، وقد نصحو يوما علي لا وطن ولاشئ، وما فائدة وطن لا يحفظ إنسانيتك وكرامتك وتُهان فيه انت واطفالك وكبارك وتُداسون بالبوت صباح مساء دون رحمة وانتم جوعي ومرضي تسألون الناس إلحافا مثلما هو حالنا اليوم!
• لا نريد وطنا بمواصفات الكيزان ولو ظللنا نحاربهم لقرن قادم فالعيش تحت حكمهم أهون منه الموت، ويجب ان يدفعوا ثمن ما فعلوه بنا وبوطننا مهما كلف الأمر، وليس مصالحتهم وإحتضانهم من جديد وإعادتهم للحياة السياسية ليفعلوا بنا مجددا ما يفعلوه اليوم!
• كان ذلك تعليق أحد القراء الكرام، بينما يقول آخر (واحترم خصوصيتهما بعدم ذكر الاسماء):
• الحقائق على الأرض تقول انه لا حل بدون تقديم تنازلات، ورغم كل الجرائم التي ارتكبها الجيش والدعم السريع فهما الطرفان الأساسيان في اي مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار، ولا يمكنك أن تقول لهما “أوقفوا إطلاق النار وضعوا السلاح جانبا وتعالوا لنحاكمكم على الجرائم التي أقترفتموها، ومن يُدان سيتم سجنه أو إعدامه”، هكذا لن تقف الحرب أبدا. عندما توفى فرانكو في أسبانيا بعد حوالي أربعة عقود في الحكم اتفقت القوى السياسية الإسبانية، يمينا ويسارا، على عُرفت ب(اتفاقية النسيان) التي تعني العفو عن ما مضى والسير للأمام.
• تعقيب:
• شكرا على المشاركة، وأكرر بأن ما دفعني لطرح الموضوع هو انقاذ السودان وشعبه البرئ، واجياله القادمة من الضياع وهى الاهم.
• تسعة عشر مليون تلميذ وطالب (19 مليون) خارج التعليم الآن، وإذا استمرت الحرب فترة اطول، فعلى هؤلاء وغيرهم السلام. تخيلوا .. أن تتحول اجيالنا القادمة الى مشردين ومتسولين وعطالة ومنحرفين ومستعبَدين في ازقة وحواري البلاد الاخرى، انها كارثة كبرى.
• بالنسبة لما قاله البعض بأن الحركة الاسلامية لن تقبل بأن يشاركها أحد الحكم، وإذا قبلت لا بد من شروط صارمة للتصالح معها ..إلخ، فإنني لم أود الدخول في تفاصيل فرعية حاليا، مُفضِلا عرض الفكرة فقط وحفز الآخرين على النقاش، ولكن إذا إستطاعت (رواندا) التي قُتل فيها اكثر من 800 الف مواطن في حرب أهلية شرسة، أن تصل الى حل تصالحي بين الجميع، فما الذي يمنعنا من صيغة مقبولة للتصالح؟!
• لا يزال الموضوع مفتوحا للنقاش .
الجريدة
لو ظللنا نؤمن بضرورة الإنتقام وأخذ الحق بالقوة وتعطيل صوت العقل والحكمة وتجميد التفكير الناقد وعدم تقديم التنازلات المؤلمة لم نستطيع أن نطفي لهيب الحرب الذي سوف يمتد إلى تكسير وتفتيت الحجر بعد فتت نسيجنا الإجتماعي والروحي والثقافي والحضاري وبالطبع التدهور النفسي والاقتصادي وربما ينتج عن ذلك دويلات فقيرة جهوية متناحرة إذا أستمر وأصر كل طرف على تحقيق أهدافه بإستخدام نزعات عنصرية وجهوية وايدولوجية او الاستعانة بالقوى الخارجية التي حتماً سوف تطلب تسديد فاتورة مساعدتها للطرف الذي تساعده !!!! ولكن يبقى الأمل إذا آمنت أطراف الحرب بمراجعة أولوياتها بداءً من مبدأ حماية الأبرياء والمحافظة على وحدة الوطن وما تبقى من بنية تحتية كأولوية قصوى لا تقبل النقاش وقدمت تلك الأطراف تنازلات تحافظ على توحيد القوات المسلحة وابعاد القوى السياسية والمليشيات بكل توجهاتها عن اي شأن أمني ونزع سلاحها وثانياً الإتفاق على ميثاق او قل حوار و إتفاق سوداني سوداني بحت برعاية اقليمية وضمانات دولية يجرم كل من يعتدي على المدنيين ومساكنهم والبنية التحتية وإنشاء محاكم او قل لجان قانونية مستقلة من كفاءات سودانية مدعومة من الأمم المتحدة للتحقيق والتقصي في جرائم الحرب المحتملة ومن ثم تطبق مبدأ المصالحة برضاء الضحايا او المحاكمة العادلة (تحقيق مبدأ عدم الافلات من العقاب) وكل ذلك تحت سلطة حكومة قوية مستقلة تماماً عن اي حزب او جماعة او حركة مسلحة ويكون دورها تطبيق ما سبق ومن ثم كتابة دستور دائم يحدد طريقة الحكم يجاز بالاستفاء العام وليأتي للحكم من يفوز في الانتخابات الحرة فهو مقيد بالدستور والقانون مراقب من المؤسسات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني.
أعتقد مشكلتنا الكبرى التي تتفرع منها بقية المشاكل هي فرض التوجه والمعتقد والرأي لجهات سياسية وفئات صفوية بالقوة على الجميع ( مهما تدثرنا وتلونا ظهارياً بالديمقراطية) وفي حالة فشل ذلك يتعرض الجميع للخطر بل كل الوطن كما يحدث الآن. عندما ننظر للاستقطابات والانقسامات الحالية نجد أن سببها قصر النظر وعدم الإعتراف بالآخر الذي يختلف معنا في التوجه او طريقة الحكم وإدارة الدولة واستخدام الأمن وحتى العدل لتقوية الموقف ومحاربة من نختلف معه .. وذلك ناتج إعلام اسود جاهل غير مهني ينفخ في بوق خراب الوطن ويطبل لصاحب السلطة والمال وكل من يملك السلاح ولا يقول الحقيقة ولا يدري مآلات أفعاله الهدامة وما يحدث من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للعنف اللفظي لبث روح العنصرية والجهوية كذباً او صدقاً من أجل كسب مادي او شخصي له دوافع سياسية واحياناً نسمع كلام وعبارات تخجل الأذن من سماعها. بالإضافة الى عدم استقلال مؤسسات الدولة وممارسة عملها دون تدخل وتسخيرها لمن يحكم منذ الاستقلال سواء كان حزب او مجموعة نخبيوية انتهازية تتغطي بظلال القوة لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب الأغلبية الصامتة التي تعاني وتعاني وتزداد معاناتها كلما كثرت الأحزاب والتنظيمات والجماعات الانتهازية التي تستغل الإنسان البسيط وموارده لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.
حتى لو ستمرت الحرب وسُدت كل الابواب امام الحلول لا بد للحرب من نهاية بالحسم العسكري او تفاوض يكافي المنتصر ويحفظ ماء وجه المهزوم ( كما حدث في كل حروب العالم الداخلية والدولية متعددة الأطراف) !!!!!
اعتقد في الوقت الراهن وفي ظل الاحتقان والاستقطاب وتقسيم الناس الى مع وضد ربما لا تجد أفكار واطروحات المصالحة بين كل الاطياف اذانٌ صاغية ولكن من يدعو الى الخير لا ييأس ولا يستسلم لذلك أرجو أن تستمر يا د. زهير ومعك بعض العقلاء من أصحاب الكفاءة والراي المستقل غير المنحاز الا للوطن في طرح موضوع المصالحة وتحقيق العدالة حتى بعد نهاية الحرب. تلك المصالحة المبنية على المكاشفة والمصارحة والاعتراف بالخطأ مهما كان كبيراً للوصول لعمق مشاكلنا المزمنة المتجددة وحلها دون إقصاء وفق مبدأ حكم القانون والعدل. وبالتالي الوصول إلى سلام دائم وعادل ونظام حكم سوداني شفاف ومستدام يعزز الأمن والعدالة لمن تمسك بحقه في الحياة رغم الاهوال والخراب والنهب الممنهج والجوع والاذلال ولمن فقد داره وماله وقبِل ببطاقة لاجي ويتمنى العودة لداره ووطنه متى ما لاحت بارقة أمل في الأمن والحماية وهم كثر .. والتنمية المستدامة للشباب وللأجيال القادمة التي ربما تكون أفضل منا وتستحق أن تعيش في سلام وعدل ولا تدفع ثمن افعالنا الكارثية الراهنة.