أغرب انقلاب وأغرب معتقل

سيف الدين خواجة
انقضى شهر العسل بين القوميين العرب واليسار السوداني في ثورة مايو1969م سريعا ما بين ضغوط خارجية من مصر عبد الناصر، وضغوط داخلية، فخرج من مجلس قيادة الثورة الثلاثي اليساري المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله والرائد هاشم العطا، وثلاثتهم كانوا كفاءة كل في مجاله، كان بابكر النور في قمة حرب الجنوب ملحقا عسكريا بسفارة السودان بكمبالا، واستطاع تجنيد وزراء في أوغندا، وكانت محاضر مجلس وزراء أوغندا تصله تباعا، ثم تصل منه إلى جوبا لتأخذ طريقها للخرطوم، وقد انتدب لتأمين زيارة رئيس الوزراء الصادق المهدي للجنوب عام 1968م، وقد لاحظ الصادق عدم وجود مظاهر أمنية أو عسكرية كثيفة، فاحتار في الأمر حتى نهاية الزيارة، حيث طلب منه استقبال ضيف، وفوجئ بالمقدم بابكر يدخل محييا قائلا: “جئت لتأمين الزيارة من كمبالا وطريقك سالك للمطار تفضل سيدي الرئيس ومع السلامة أنا راجع لعملي هناك”، فأعجب الرئيس بهذا الأداء الرائع.
أما الرائد فاروق حمد الله فقد كانت شخصيته طاغية، وكان النميري يشعر بالغيرة منه، إضافة لتقارير خارجية قرأتها عن كفاءته ورؤاه المستقبلية للعالم، أما الرائد هاشم العطا فقد كان محور ارتكاز في جوبا لتلقي التقارير وترجمتها، وإرسالها للخرطوم بهمة ونشاط منقطع النظير، كل هذه الكفاءة كانت خصما عليهم، فخرجوا بعد أزمات داخلية كادت تعصف بالثورة الوليدة، والتي تسعى لتوطيد أركانها في الدولة، وتبع ذلك تهريب عبد الخالق محجوب من سلاح الذخيرة بالشجرة، وكانت تلك أول إشارات ما هو قادم !!! .
ظل عبدالخالق مختبأ في القصر، ويقال بمكتب أسفل مكتب نميري، وكثيرا ما يؤتى الحذر من مأمنه، وظل هذا الاختباء هاجسا أمنيا للنظام، وفي نفس الوقت سافر بابكر النور وفاروق حمد الله إلى بريطانيا، وظلت الدائرة الضيقة جدا حول عبد الخالق هي خلية العمل للانقلاب الذي يعتبر من أكثر الانقلابات سرية في تاريخنا غير المستقر في الانقلابات السابقة أو اللاحقة، فانقلاب نميري كان معروفا، وكان للشريف الهندي نصيب الأسد في ذلك لكن ضللهم تقرير الاستخبارات العسكرية الذي وقعه الرائد مأمون عوض أبوزيد ابن القطب الاتحادي عوض أبوزيد دون الانتباه أيضا إلى أنه من مأمنه بؤتى الحذر، أما انقلاب البشير فقد كشفته مجلة الدستور عام 1986م، وكيفية التجنيد بمعهد افريقيا لغير الناطقين بالعربية، والذي تحول لجامعة إفريقيا العالمية، وحتي رئيس الوزراء الصادق المهدي وصلته أكثر من رسالة عن هذا الانقلاب، أهمها ما نقله السيد إدريس البنا عضو مجلس السيادة، وقتذاك بنفسه له بمكتبه، لهذا كله نقول أن انقلاب يوليو 1971م من أكثر الانقلابات سرية، وهناك أدلة أخرى على ذلك منها :ـ
أولا: توقيت الانقلاب كان ضد كل التوقعات يوما وساعة، إذ كان يوم الخميس، وساعة انصراف القوات المسلحة في طابور الانصراف، وحين أعلنت أجهزة الإعلام أن هناك بيان هام للرائد هاشم العطا كان مفاجأة لكل الناس !!! .
ثانيا حتى جمهورية مصر الشقيقة الكبرى، والتي تطلع على كثير من تفاصيل السودان، لم تعرف بالانقلاب إلا ضحى اليوم نفسه، حيث استعجل الرئيس السادات بالرائد زين العابدين المصطاف بمرسى مطروح، وأرسله بطائرة حربية لوادي سيدنا، وقد وصل الزين على الغداء مباشرة، ولم يكن هناك فرصة لأي إشارة منه، وإلا سيكون الموت للجميع،حيث اعتقل مع الجماعة!!! .
ثالثا حسب إفادة الإستاذ الراحل غازي سليمان إنه ذهب لسكرتير نقابات السودان الشفيع احمد الشيخ لإذاعة بيان الانقلاب، فرفض بحجة أنه لا علم له بهكذا تحرك، وهذا مما خفف الحكم على الشفيع، لكن النميري أصر علي الإعدام!!! .
رابعا وطبقا لشهادة الأستاذ النعمان حسن الذي كان على غداء بلندن برفقة فاروق حمد الله وبابكر النور الذي رد على هاتف السفارة الذي أخطره بأنه رئيس المجلس الجديد، وعليه مواجهة الإعلام، فرفض أولا لأنه لا علم له، ثم سأل فاروق إذا كان لديه علم بذلك، فأنكر أي علم بذلك لكن إصرار نميري هو الذي أعدمهم عكس حكم المحكمة كما تسرب لعدم مشاركتهما !!! .
لهذا كله نقول كان من أدق الانقلابات، وربما جاء الفشل من هذه الزاوية ولعل المواطن العادي لاحظ ذلك من خلال إلقاء الرائد هاشم العطا لبيان انقلابه، فقد كان مرهقا ومستعجلا، ويشرب الماء اثناء البيان ثم أنه جاء متأخرا حوالي منتصف الليل، والإعلان من الثالثة عصرا، وأدرك الناس بإحساسهم أن الأمور ليست على ما يرام !!! .
الاعتقال كان لكبار الضباط بالوحدات العسكرية في بيت الضيافة حيث وقعت كارثة الموت الجماعي سواء من الحارس الملازم الحاردلو الذي جاء في مأمورية للخرطوم، ونزل ضيفا على أبو شيبة، وعلم بالموضوع وشارك، أو كانت نتيجة قصف المدرعات فيما عرف بالانقلاب الثالث، والذي لم يعرف له أثر حتى اليوم، وإن كثرت وتشتت الاتهامات في عدة اتجاهات، ربما أفسده وصول الرئيس نميري للمدرعات سريعا، ربما لو عثرنا على التقرير القضائي الضافي الذي قام به القاضي حسن علوب لعرفنا الكثير، لكن التقرير اختفى في ظروف غريبة إلا لدى قلة آثرت الصمت كعادتنا السودانية الذميمة !!! .
أيضا كان بالقصر اعتقال الرئيس نميري وأعضاء مجلس الثورة، وبعض الضباط الكبار، ومنهم ضابط كان مرشحا لقيادة انقلاب مايو نفسه، لكن استبعده اهل اليسار بحجة أن هذا الضابط خريج جامعي، وله كتابات بالصحف السيارة في المجتمع، تؤكد ميله للاتجاه الإسلامي، كما استبعد اللواء أحمد الشريف الحبيب لأسباب مختلفة عن سابقه، واللواء أحمد الشريف لاحقا صار محافظا لولاية الخرطوم !!! .
اما صاحبنا الضابط المرشح فقد أغلظ له الاعتقال بتعسف شديد حيث كان بمفرده في غرقة، وتم تطويب الباب من الخارج بالخشب، وكأنه مخزن مهجور، ولمدة ثلاثة أيام لم ينعم بأي شي لا ماء، ولا طعام، ولا مجرد زيارة من قادة الانقلاب الذين يزورون الرئيس نميري وأعضاء مجلسه، ويؤكدون لهم انهم سيقدموا لمحاكمة عادلة، وكل السجناء قد وجدوا شيئا من الرعاية والانتباه إلا صاحبنا !!! .
وعندما ضرب القصر وحدث الهرج والمرج كان صاحبنا في قمة الإنهاك والإعياء الجسدي، وبصعوبة بالغة استجمع ما تبقى له من قوة، وصار يدق علي الباب من الداخل، وينادي بصوت متقطع الانفاس وكأنه في حشرجة الموت حتى انتبه أحد المارة له، وكسروا الباب بصعوبة بالغة فوجدوه ينزع في الرمق الأخير.
إنه اللواء مزمل سليمان غندور الاتحادي الهوي والانتماء، والذي فاز في انتخابات الديمقراطية الثالثة اتحاديا في دائرة أم درمان، والذي ظل يكرر وينادي بخروج معسكرات الجيش والأسلحة من العاصمة، وأن تكون العاصمة تحت سلطان البوليس للأمن الداخلي فقط !!! .
في تقديري أن أهم مشكلة واجهت ثورة مايو هو اختيار جعفر نميري إذ رأوا فيه سهولة الإزاحة لاحقا، ونسوا تاريخ أسرته، وأنه ابن أسرة حاكمة في الشمال، ولا زالت قلعة جده قائمة تقرأ على جدرانها التاريخ، ولا زالت تقاوم الزمن، وعوامل التعرية كأحسن ما يكون الصمود والبطولة التاريخيةـ وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه الإسلاميون مع عمر البشير، حيث بقي هو الآخر حجر عثرة في الإزاحة، وتكرار الأخطاء يؤكد يؤسنا الفكري وعدم إبداعنا في السياسة بأفكار جديدة، ومتماهية مع الواقع المتخلف تكرار الأخطاء شيء أصيل في ثقافة غير مركزية وضحلة التجربة لذلك لم نفرخ رجال دولة أو ساسة، لهم اعتبار وذلك لفشل أحزابنا في خلق برامج وكوادر فاعلة، وظل رؤساء تلك الأحزاب في مقاعدهم حتى الموت مما جعل كل أحزابنا أقرب الطائفية منهم إلي التجديد المستمر بديناميكية فعالة إضافة إلى ان كل الأحزاب ليس بها ديمقراطية، ولا تؤمن بالديمقراكية بدليل أن كل الانقلابات وراءها أحزاب سياسية حتي وصلنا إلى ما نحن فيه بأيدينا وأرجلنا، ولولا ضعف إرادتنا لما تمكن الخارج من دق جدارنا بكلمة ناهيك عن السلاح.
المحنة تكمن فينا والحل للأزمة بأيدينا إذا تفادينا تكرار الأخطاء والتجارب الفاشلة!!! .
يا خواجة ذكرت معلومات خطيرة هللا تكرمت بالمصادر
يا خواجة بطل اللواطه وخليك كوز عاهر
و من الذى سلم بابكر النور و حمد الله لنميرى ..الم يكونو فى لندن كما قلت..
موضوع كلام فارغ ما ايه معنى خالص
تسلم يا عمر هذه المعلومات لأننا عشنا الأحداث مع قراءة تقارير وقتها والصحف وبعضا ممن عاصروا الأحداث وشاركوا فيها واردت أن اربط تاريخنا لمزيد من التفاصيل من تعليقات آخرين لأن أجيالنا الحديثة مع الإنقاذ ليس لهم ادني صلة بما مضي وهذا من سواءات النظم الشمولية تحهيل الأجيال لللسيطرة عليهم لأن طبيعة الشمولية تعتبر التاريخ بدأ من عندها مع أفق مغلق
الاخت سلوي ابو كشوة الافضل ألا نرتكب ذنوب بالمجان باتهام باطل ودونك كل ما كتبت في هذا الموقع المبارك من سنوات ثانيا ابرا الله أن تكون من ال ابو كشوة ولا تشوه الآخرين ثالثا اظهر وبان وعليك الامان واخيرا كل اناء بما فيه ينضح ونعوذ بالله من الإساءة للآخرين بظاهرة الغيب الكلمة الطيبة صدقة
تسلم يا عمر المصادر المعايشة وصحف ومقالات ذلك الزمان وحكايات من عايشوا الأحداث واقعا
قلتها مراراً و تكراراً العلة و المشكلة في كل الأحزاب السياسية المنكوبة من أقصى اليمين إلي أقصي اليسار و جميع النكب السياسية تجدهم ( نفس الزول ) لا يؤمنون بالديمقراطية و التداول السلمي للسلطة ( تسليم السلطة للفريق عبود و انقلاب الحزب الشيوعي و انقلاب حزب الجبهة الإسلامية القومية ) و جميع النكب السياسية عقليتهم واحدة و مارسوا الديكتاتورية و القتل خارج القانون ( جريمة عنبر جودة في عهد ( ديمقراطي ) و جريمة حريق الدينكا في قطر الضعين في عهد ( ديمقراطي ) و مجازر الجزيرة أبا و ود نوباوي و بيت الضيافة و جرائم الكيزان و تجربة بيوت الأشباح ) … لن يستقيم ظل السودان و عود الأحزاب أعوج…
تسلم ابو عزو صدقت واتفق معك الامل في الشباب وأحزاب جديدة بفكر ابداعي لذلك احمد الله كثيرا اني لم انتمي لاي حزب رغم محاولات التجنيد يمينا ويسارا ومن خلال ذلك عرفت بانقلاب الإنقاذ من عام1975