مقالات وآراء

تحليل مكونات الصراع في السودان : قراءة من منظور العلوم الاجتماعية

بروفيسور حسن بشير محمد نور
من اهداف هذا المقال تحفيز البحث والتحليل في اساس الحرب وجذورها لتشخيص العلة لايجاد العلاج، وهو دعوة للباحثين والاكاديميين الشباب في تخصصات علم الاجتماع وعلمي النفس الاجتماعي والتطويري بالاضافة طبعا للاقتصاد السياسي العلم الذي انتمي إليه من حيث التخصص، الدعوة للقوص في عمق هذه الازمة من مختلف جوانبها ومكوناتها لاستقصاء الأسباب الحقيقية وايجاد الحلول اللازمة للتعافي الوطني المستدام الذي يحقق السلام والأمن الاجتماعي والاستقرار.
يعيش السودان منذ فترة طويلة في حالة صراع عميق ، لا يقتصر على المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بل يمتد ليشمل تحولات نفسية واجتماعية متداخلة. لفهم طبيعة المكونات الداعمة لهذا الصراع، من الضروري استحضار إطار علم النفس التطويري إلى جانب التحليل الاجتماعي من منظور العلوم الاجتماعية ، وهو ما يستدعي منهجية تحليلية تستلهم الأسلوب الذي يتميز بعمق الفهم للتركيبة المجتمعية والاقتصادية والسياسية للسودان، مع إيلاء اهتمام خاص لسيكولوجية الصراع.
من حيث الخلفية التاريخية والاجتماعية للصراع ينبغي اولا النظر إلى الصراع الحالي في السودان كجزء من تراكمات تاريخية واجتماعية متجذرة باعتبار السودان دولة متعددة الأعراق والثقافات، وتعاني من اختلالات هيكلية في توزيع الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية منذ حقبة الاستعمار وما تلاها من صراعات على السلطة والثروة والهوية الوطنية.
منذ استقلال السودان في العام 1956، كان هناك تاريخ طويل من الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية المرتبطة بالتنمية غير المتكافئة ، والنزاعات العرقية والقبلية، وتهميش مناطق الأطراف لصالح المركز. أدى ذلك إلى حالة من عدم الاستقرار المزمن ، وتولدت فئات اجتماعية تعتمد على القوة العسكرية كوسيلة رئيسية للحصول على الموارد والنفوذ السياسي وقد تغذي ذلك من الاتفاقيات السياسية منذ اتفاقية اديس ابابا مع (انانيا تو) في 1973 وحتي اتفاقيات جوبا في 2020 مع ما سمي بحركات (الكفاح المسلح).
بتناول مكونات الوعي لدى الأطراف المتصارعة نجد ان للجيش السوداني وضع تاريخي يعتبره المؤسسة العسكرية التقليدية التي تحمل إرث الدولة السودانية الحديثة. معظمه ينتمي إلى شرائح اجتماعية ترى في الجيش رمزاً للوحدة الوطنية والاستقرار أو هكذا يجب ان يكون. غالباً ما يأتي الأفراد في هذه المؤسسة من خلفيات ريفية أو من مناطق تمثل الهوية السودانية “الرسمية”، مما يعزز لديهم تصور دور الجيش كممثل للوطنية، غض النظر عن ما لحق بالجيش من طمس لهويته وتسيسه وأدلجة في عهد الانقاذ .
فيما يتعلق بالوعي النفسي  لأفراد الجيش نجد وعيهم يتشكل حول فكرة الدفاع عن الدولة السودانية ككيان موحد في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وهم يتأثرون بذاكرة الحرب الطويلة ضد التمرد في الجنوب ودارفور، مما يعزز لديهم إحساسًا بأنهم حماة “الأمة السودانية”.
من جانب آخر نجد قوات الدعم السريع قد نشأت في سياق مختلف، فهي تمثل إلى حد كبير مصالح مجموعات اجتماعية مهمشة تاريخياً ، خصوصاً في مناطق مثل دارفور، حيث كانت هذه القوات في البداية ميليشيات محلية ذات طبيعة قبلية. أفراد الدعم السريع ينحدرون غالباً من خلفيات تعاني من الفقر والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، وتبحث عن تمكين نفسها من خلال القوة العسكرية، ويتشكل الوعي النفسي لأفراد هذه المجموعة بشكل أساسي حول فكرة التمرد على النظام القائم الذي يهمشهم. ويترسخ لدي غالبيتهم المطلقة شعور عميق بالظلم التاريخي والاجتماعي، مما يولد لديهم نزعة انتقامية وإحساس بأن حمل السلاح هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة والمساواة في النفوذ والموارد.
جانب مهم آخر يجب الاهتمام به من قبل الباحثين والمحللين الاجتماعيين يتلخص في تحليل المكونات الداعمة للصراع من حيث:
1. الدوافع الاقتصادية
إذ يعتبر التنافس على الموارد أحد المحركات الأساسية للصراع. الجيش السوداني يسعى للحفاظ على السيطرة على مؤسسات الدولة ومواردها الاقتصادية، بينما تعمل قوات الدعم السريع على إعادة توزيع هذه الموارد لصالح المجموعات التي ترى أنها تهمشت لعقود علي الاقل من الناحية النظرية. يتمحور الصراع هنا حول الاستحواذ على الثروات الطبيعية مثل الذهب والنفط والاصول، وكذلك استغلال المؤسسات الاقتصادية كوسيلة للثراء والتمكين الاجتماعي.
2. العوامل النفسية والتطويرية
من منظور مناهح علم النفس التطويري، يظهر الصراع بين الجيش والدعم السريع كصراع بين هويات متنازعة تتراوح بين الوعي الجمعي المركزي (الذي يمثله الجيش) والوعي المحلي أو القبلي (الذي تمثله قوات الدعم السريع). كلا الطرفين يستفيد من رواسب صراعات الهوية التي تطورت على مر العقود، بحيث ينظر كل طرف إلى الآخر كتهديد وجودي لهويته وسبل بقائه من حيث المبدأ، حتي وإن بدا ان هناك توافق بينهم في مرحلة معينة.
يتشكل الوعي الاجتماعي والنفسي لهؤلاء الفاعلين في إطار من النزاعات الطويلة التي تعزز الإحساس بالاختلاف والتنافر. الدعم السريع، على سبيل المثال، يستند إلى ذاكرة الصراعات القبلية والمجتمعية التي تدفعه نحو التمرد على المركز التقليدي، بينما الجيش يمثل رؤية أكثر مركزية للدولة.
3. الهوية والمصالح السياسية
يرتبط الصراع أيضاً بالتنافس على السلطة السياسية. فالجيش السوداني يرغب في الحفاظ على هيمنة المركز الذي يمثل النخبة الحاكمة على مر العقود، بينما قوات الدعم السريع تسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي بما يتيح تمثيلًا أكبر للمجموعات المهمشة كما يشير خطابهم الرسمي.
من هنا، يظهر البعد النفسي للتنافس على السلطة كمحرك رئيسي للصراع؛ حيث يشعر كلا الطرفين بأنه مهدد بفقدان هويته ومصالحه الأساسية مما يدفعهم للقناعة بان السلطة تشكل ضامن وجودي لا غناء عنه.
أما من حيث تحليل السيكولوجيا الاجتماعية للصراع فيمكن القول إن كل طرف في الصراع يعكس حالة من التطور النفسي والاجتماعي المتفاوت. الجيش يمثل مؤسسات تقليدية متجذرة في الهوية الوطنية التي ترتكز تاريخيا على مركزية السلطة، بينما الدعم السريع يمثل مراحل تطور جديدة تستجيب لمتغيرات اعادة تشكيل الدولة بشكل يحقق العدالة الاجتماعية حسب مفهومهم ويظهر ذلك من خلال نبذهم (لدولة 56) واستدعاء نوعا من الحداثة حول مفهوم (سودان جديد).
هناك أيضاً بعد نفسي متجذر في مفهوم “الأنا الجمعي” لكل طرف. الجيش يسعى في خطابه لتأكيد “الأنا” الوطنية، بينما الدعم السريع يبني “أنا” جديدة تعتمد على التحدي والتغيير. وكلا الطرفين يعاني من مشاعر الخوف وعدم الأمان، مما يدفعهما إلى التصعيد بشكل خطير  .
في ضوء التحليل النفسي والاجتماعي اذن، يظهر أن الصراع في السودان يتغذى على تراكمات تاريخية من عدم المساواة والظلم الاجتماعي، وتدفعه تطورات نفسية ترتبط بالوعي بالذات وبالآخر. الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يمثلان قوتين متناقضتين في بنية المجتمع السوداني؛ قوة تستند إلى التاريخ والتقاليد، وأخرى تسعى لإعادة صياغة هذا التاريخ علي طريقتها الخاصة.
تبقى هذه الديناميات المعقدة حاضرة في مسرح الصراع السوداني، وستستمر في تشكيل مسارات الصراع ما لم تتم معالجة جذوره النفسية والاجتماعية والاقتصادية ومخاطبة جذور الازمة المركبة بالعمق الذي تستحقه وهذا يتطلب من الباحثين والاكاديميين وحملة راية التنوير العمل عليه قبل غيرهم من المكونات السودانية، خاصة المكونات السياسية التي لا تتميز بالتخصصية والعمق ان لم نقل انها تعاني من السطحية والتبسيط والتنميط في تعاملها مع الازمة الشائكة التي يعاني منها السودان.

‫6 تعليقات

    1. بروف حسن بشير،
      لك خالص الشكر والتقدير على مقالك الرصين. واتمنى أن يسمع الجميع دعوتك الكريمة. اخي Karfan لماذا كل هذا العداء تجاه انسان وفي للسودان واهله وحاول ان ينفع الناس بعلمه؟

  1. jتشكر كتير كتير يا بروف على هذه المحاضرة العلمية الرفيعة , كتبت مقالا ارسلته للنشر في هذا الموقع قبل أن أطالع كلمتك النيرة , وجدتك تنحو المنحى العلمي البحثي الأعمق مما تناولت بالطبع , لك التحية مجددا ويا ليت جميع منابرنا الإعلامية تتحول لساحات معرفية وتنويرية .ومساحات للنقاش لا الجدال العقيم ليت .

  2. الصراع
    Battling
    ينتج عن تضارب مصالح result of conflict of interest

    مثل
    Like

    التنافس على المال أو النساء أو الأعيان الموجودة للناس
    Battaling on money and womens and avaliable goods and properties .

    قسم الفلاسفة المجتمع لطبقات
    وقسم الدين المجتمع أو الناس لدرجات
    الفلاسفة قالوا ثلاثة طبقة عمال نبلاء ملوك
    جاء الفلاسفة الحديثون وعدلوها قليلا

    العمال المتوسطة الأغنياء
    Philiosphers divided comunity to three degrees workers or servants .nobel degree and kings and rolaity degree
    Religion said people have different degres according to thier relation to god

    الماركسيون قالوا الدين ايفون الشعوب اي مخدر
    Marks said religion is people drug like aphyione

    الصراع في السودان conflict in sudan

    صراع على السلطة والمال باختلافات اثنية ودينية
    Conflict in sudan is a batyaling on power and money inculiding resources with an ethinc and religious cause.

    مثال
    An example

    حصل مشكلة بين جعلي وجعلي ابن عمه
    الاول قرر أن و ما يواصل صراعه انت بس عشان ابن عمي عفيتك الشتيقي قاعد يسمع

    تاني يوم حصلت مشكلة بين الجعاي والشايقي
    الجعاي ما عفا للشايقي
    الناس شايفة
    حصل صراع conflict صراع نفسي كبير

    دا صراع اثني

    الصراع الديني
    مثال example

    حصلت مشكلة بين مسلم ومسيحي
    المسيحي سب دين للمسلم قال انعل دينك المسلم المفروض ينسحب لا تسبب ليهم لا تزيد خلاص المسلم قام ردا عليه يا ود الغلاف

    بقا هنا الصراع ديني واثني

    السبب شنو

    التنافس على السلطة والمال وبس
    Respurces and power

    الصراعات عندها حلول بسيطة
    البادي اظلم يعني البدلاء هو الظلم
    حاجات بسيطة جدا تتطور لحاجات كبيرة

    كلها بسبب اختلاف في المصالح وبس

    نجي للتنافس على النساء

    دي قصة وكوم تاني

    لكن باطنها كلها التنافس على السلطة والمال مصادر الأموال والأعيان الباتش فها عينك وغيروا

    ربنا قال شنو في القران الما عاجبكم دا

    قال اتمافسوا في عمل الخير

    واذا عفوت عن زول ظلمك ربنا بيعوضك اجر

    .
    كلام سليم وممتاز نفسيا إذا زول ظلمك وعفيت ليو بيانب نفسو وبيرجع ليك لانه عنده عقل بيعرف ويحس أنه غلط

    شوف ربنا بيديك اجر على العفو عشان في النهاية العدو يبقا صديقك وتعيشوا بسلام

    في كل الكتب الكلام دا
    السماوية

    مثلا الانجيل

    المسيح في قصة رفض رجم امراءة
    وقال
    من كان بلا خطيءة فليقها بحجر

    مافي زول رفع حجر كان هناك شرائع ترجم المراءة

    منها الاسلام في بدايته
    رسول الله جاءته زانية وقالت طهرني أرادت الموت خيرا من العار
    ارجاها حتى ولدت ثم رجمها
    وقال
    لمن سبها

    تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم

    الإنسان ليس شرير
    الموضوع صراع اثني وعقايديا وبس في كل مكان لا يحمي حقوق الناس

  3. بروف حسن بشير يعتبر من جهابزة علم الاقتصاد السياسي فى بلادنا. حينما يكتب فأن الفائدة مضمونه للقارئ. مقاله موفق جدا وفيه احاطه وتحليل علمى للحرب التى تدور رحاها فى بلادنا.

  4. مشكور يا دكتور على الطرح الرائع وتسليط الضوء على مختلف العوامل والمسببات لأزمات البلاد المزمنة. أكيد كل عامل من العوامل الواردة في المقال هو مشروع للدراسة والتحليل وصولاً إلى تقصيل أعمق لمسببات الأزمة والحلول المناسبة.
    عمل كبير ودعوة كما ذكر الدكتور للمختصين لدراسة الأزمة السودانية من منظور علمي..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..