مقالات وآراء سياسية

التحول الديمقراطي في السودان وظلال الليبرالية الحديثة

طاهر عمر

كثر من فلاسفة وعلماء أوروبا وإقتصادييها يؤكدون بأن مسألة لحاق العالم العربي والإسلامي التقليدي بالعالم الحديث مسألة زمن ليس إلا ونحن نقول هذا القول والعالم العربي والإسلامي التقليدي قد وصل الى نهاية طريقه المسدود بعد أن أصبح آخر قلعة لمقاومة أفكار الحداثة ونقول وصل لنهاية طريقه المسدود وخاصة أن العالم العربي يعيش هذه الأيام هزيمة تفوق هزيمته في كل من هزيمتي النكبة والنكسة وقد تفننوا في هروبهم الى الامام وتحايلوا على الهزيمة وسموها النكبة والنكسة.
إلا أن هزيمة حزب الله من قبل إسرائيل في هذه الأيام بعد أن ألحقت بحماس الدمار قد أكدت لأتباع الثقافة العربية الإسلامية التقليدية أن عالمنا المعاصر عالم لم تعد فيه إمكانية أن تتعايش حضارة إسلامية تقليدية تحاصرها أزماتها وتشجنها من صدمة الحداثة مع عالم حديث قد بداء يصفي حساباته مع الحضارات التقليدية كالحضارة العربية الإسلامية التقليدية كحضارة مأزومة ونتاج أزمتها الإختلالات السياسية في العالم العربي والإختناقات الإقتصادية المتسلسلة ومتسارعة في حدوثها.
في مطلع سبعينيات القرن المنصرم كانت هناك فرصة للعالم العربي التقليدي أن يجدد مسيرته التي فشل فيها جمال عبد الناصر لترسيخ قيم الجمهورية وبدلا من الإهتمام بقيم الجمهورية نجد أن حشود جمال عبدالناصر يرثها خطاب الإسلام السياسي المنغلق وتبداء من بعده حشود الإسلاميين وهوس الصحوة الإسلامية لتأخذ من العالم العربي والإسلامي التقليدي نصف قرن من أوهام العودة للماضي الذهبي في وقت كانت أوروبا تتأكد في كل لحظة من أن إنفصال الليبرالية الحديثة وإبتعادها من أفق الليبرالية التقليدية قد تم بنجاح وقد مرت ثلاثة عقود من تجاوز أوروبا وأمريكا للكساد الإقتصادي العظيم وعليه يمكننا القول أن ديناميكية الكينزية ومسألة التدخل الحكومي وبعدها ديناميكية النيوليبرالية قد قد أخذتا أكثر من ستة عقود لكي تضيف لتجربة أوروبا أنها قد فارقت ظلال الليبرالية التقليدية بكل نجاح وها هي أوروبا وأمريكا تدخل من جديد في ديناميكية الحماية الإقتصادية على أقل تقدير في الثلاثة عقود القادمة وهي من صميم الفكر الليبرالي.
أما العالم العربي والإسلامي التقليدي فهو يعيش الآن في حيرة ما بعد الصحوة الإسلامية وفشل الخطاب الإسلامي التقليدي المنغلق وهذا طبيعي لنخب العالم العربي والإسلامي التقليدي وقد كانت مخدرة بخطاب الإسلام السياسي على مدى خمسة عقود وبالتالي قد أضاعوا الربيع العربي لصالح الدكتاتوريات والملوك والسلاطيين والأمراء في العالم العربي التقليدي وكأنهم لم يدركوا بعد بأن التحول الديمقراطي ليس إلا مسألة زمان.
وبالتالي لا حيلة مع الإصلاح السياسي في النظم العربية التقليدية أي أن الإصلاح السياسي قد أصبح الممر الإلزامي للنظم العربية التقليدية وخاصة أن عالمنا المعاصر قد أصبحت أحداثه متسارعة وحينها يكون مسألة العودة لروح الربيع العربي كربيع الحريات تحصيل حاصل وستتجاوز مسيرة الحريات عشرية الغنوشي الفاشلة في تونس وستخرج ليبيا من قبضة الجماعات الإسلامية أما نابليون مصر أي السيسي فسوف تحاصره الإختناقات الإقتصادية المتسلسلة ولا تنقذه عرقلة التحول الديمقراطي في السودان.
وعليه وجب أن نقول للنخب السودانية أن التحول الديمقراطي يحتاج لأفق فكري جديد وبما أن الديمقراطية الليبرالية قد أصبحت الأفق الذي لا يمكن تجاوزه فيجب أن تتجه النخب السودانية لإكتشاف منابع الفكر الليبرالي نقول مثل هذا القول والساحة الفكرية السودانية مجافية للفكر الليبرالي بشكل مخجل وهناك أسباب كثيرة جعلت النخب السودانية لا تنتبه الى أن الفكر الليبرالي ليس بفكر رميم كما يظن أتباع دكتاتورية البروليتاريا وقد نجحوا في زرع هذا الوهم في أفق النخب السودانية وهي تعتقد بأن الشيوعية والفكر الإشتراكي هو الأفق الذي لا يمكن تجاوزه وهيهات.
نقول للنخب السودانية لا يمكنكم التحدث عن التحول الديمقراطي وأغلب أحزابكم هي أحزاب المرشد والختم والامام والأستاذ الشيوعي وكلها على قطيعة كاملة مع الفكر الليبرالي في تطوره من مرحلة الليبرالية التقليدية والى لحظة تبلور الليبرالية الحديثة ونلاحظ ذلك في خلو كتابات النخب السودانية من أدبيات الفكر الليبرالي حتى مقارنة بكتابات مفكري العالم العربي الإسلامي التقليدي مثلا نجد أن أفكار علي الوردي واضحة وصريحة في دعوته للفكر الليبرالي وفي تصميمها وتخطيطها نجدها محشودة بأفكار فلاسفة الفكر الليبرالي عكس كتابات النخب السودانية يندر أن تجد فيها شرح لفكرة واحد من أفكار فلاسفة الفكر الليبرالي.
ومثل ما نجد وضوح أفكار علي الوردي عن الفكر الليبرالي نجد أن هشام شرابي في شوقه للتحول الديمقراطي قد كاد أن يعلن أن العالم العربي والإسلامي التقليدي على موعد مع التحول الديمقراطي منذ فجر السبعينيات وهذا بسبب تشبعه بفكر الحضارة الأوروبية وتاريخها منذ عام 1870م وبالتالي كان هشام شرابي يظن أن العالم العربي يفصل بينه وبين الحضارة الأوروبية قرن لذلك ظن أن بداية سبيعينيات القرن المنصرم هي فجر نهضة العالم العربي التقليدي وبعدها سحب إقتراحه ولكنه قد ترك للأمل أبوابه مفتوحة على المستقبل القريب وعلى التحول الديمقراطي والحريات وخاصة حرية المراءة بالنسبة له ينبغي أن تكون حرية المراءة قولا وفعلا وعليه كما نجد أفكار الليبرالية في فكر هشام شرابي فلا نجدها في أغلب كتابات النخب السودانية لا على صعيد الفكر الليبرالي السياسي ولا صعيد الليبرالية الإقتصادية في وقت نجد توهم النخب السودانية في فكر إشتراكي وشيوعية يظن مفكريها أن هناك عقل يسوق التاريخ لنهاية متوهمة.
المهم في الأمر بعد هزيمة حماس وتدمير حزب الله سينفتح إدراك العالم العربي على عالم جديد عالم ما بعد حيرة الصحوة الإسلامية وخطابها المنغلق وقد فتح على هزيمة أثبتت أن أتباع الخطاب الديني المنغلق في العالم العربي الإسلامي التقليدي ومن ضمنهم حماس وحزب الله اللبناني يملكون عملة أهل الكهف فلا يمكنك أن تشتري بها من أفكار الحداثة ومثلهما في السودان أحزاب الطائفية أي أحزاب الختم والمرشد والامام فكذلك تمتلك عملة أهل الكهف فلا يمكنك أن تشتري بها من أفكار الحداثة شئ.
بالمناسبة هزيمة حماس وحزب الله اللبناني وحصر إيران في زاوية ضيقة هي هزيمة الخطاب الديني المنغلق الى الأبد في العالم العربي الإسلامي التقليدي هذا على مستوى طرح الخطاب الديني على الصعيد السياسة أما هزيمته على مستوى عقل عصرنا الحديث فلك أن تحصر كيف جرت أحداث هزيمة حزب الله لكي توضح لك مدى فرق العقل الحديث الذي دارت به إسرائيل معركتها مع عقل حزب الله كحزب تقليدي لا علاقة له بعصرنا الحديث ومثلما أدارت إسرائيل معاركها بعقل حديث مع حزب الله وحماس فكذلك يدير عقل العالم الحديث معاركه مع العالم العربي التقليدي على صعيد الإقتصاد بكفاءة نادرة مع عقل عالم عربي تقليدي لا يعرف سبيله الى الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والإقتصادي الى أن يدرك العالم العربي التقليدي أن خلاصه يكمن في ولوجه في عوالم الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والإقتصادي.
ومن هنا نقول للنخب السودانية أن خلاص السودان يكمن في مفارقة النخب السودانية لفكر الحضارة الإسلامية التقليدية المأزومة بسبب تشنج صدمة الحداثة وبسبب أزمتها ها هو السودان يعيش إختلالات سياسية متسلسلة وإختناقات إقتصادية لم تعرف النخب السودانية منها فكاك خلال سبعة عقود أي عقود ما بعد الإستقلال والسبب أن النخب السودانية كانت مجافية للفكر الليبرالي بشقيه السياسي والإقتصادي.
نقول للنخب السودانية يوم يعبر العالم العربي الإسلامي التقليدي الى ضفة التحول الديمقراطي ستعبر أفكار قليلين جدا من المفكريين في العالم العربي التقليدي مثل هشام شرابي وعلي الوردي ومحمد أركون والطاهر لبيب وفالح عبد الجبار فمن من المفكرين السودانيين سيعبر معهم بفكره الليبرالي ليشهد أعراس الحداثة محتفي بالفكر الليبرالي؟
للأسف لا يوجد أحد من بين النخب السودانية يمكن تصنيفه وفكره بأنه ليبرالي على صعيد السياسة والإقتصاد ويوقن بفكرة القطيعة مع التراث الديني المؤدلج ليفسح المجال لفكر النزعة الإنسانية فكر يفارق السبات الدوغمائي العميق ويفارق اليقينيات والوثوقيات والحتميات فكر يتوكاء على الشك و يتكئ على مشاريع النقد مفارقا للتراث الديني المؤدلج ومفارقا لأوهام الهويات القاتلة فكر ينتصر للفرد والعقل والحرية فكر غير غائي ولا لاهوتي ولا ديني ولا يعرف نهاية للتاريخ لأن مسيرته تراجيدية ومأساوية بلا قصد ولا معنى منفتحة على اللا نهاية في صميم ديالكتيكها علم الإجتماع كبعد معرفي يأتي كمتغير تابع للسياسة وهي تمثل الشرط الإنساني وينزله على أرض الواقع أدب النظريات الإقتصادية وتاريخ الفكر الإقتصادي.
في ختام هذا المقال نقول للنخب السودانية عندما تتحدثون عن التحول الديمقراطي ينبغي أن تتذكرون بأن هناك قرن من الزمن بالتمام والكمال يفصلنا عن مفصل زماني يفصل بين الليبرالية التقليدية والليبرالية الحديثة وكذلك يفصل بين فلسفة التاريخ الحديثة وفلسفة التاريخ التقليدية وللأسف أقول لكم ما يسود في أفكاركم وكتاباتكم هو فكر فلسفة التاريخ التقليدية وفكر الليبرالية التقليدية وعليه ينبغي أن تنتبهوا للفكر الذي يقود للتحول الديمقراطي وهو فكر فلسفة التاريخ الحديثة وينبغي فهمها وإنزالها في كتاباتكم كأفكار تقطع مع التراث الديني المؤدلج وقد كثر أتباعه في السودان من كل شاكلة ولون.
عندما نتحدث عن التحول الديمقراطي نقصد بأن الديمقراطية الليبرالية ليست نظم حكم فحسب بل فلسفة تجسد فكرة العيش المشترك بعد أن تصبح بديلا للفكر الديني لان في ظل الفكر الديني لا يمكننا أن نتحدث عن المساواة التي تحققها الديمقراطية الليبرالية وبالتالي تصبح فكرة فصل الدين عن الدولة فكرة لا يمكن لا تجاوزها إذا أردنا أن نتحدث عن التسامح ونتحدث عن فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد لأن التسامح والمساواة لا يمكن تجسيدهما في ظل الخطاب الديني أي دين.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. اتقف تماما مع كل ماذكرته وبالذات عن عدم صلاحية الاحزاب القديمة وخراب بنيتها , فهي لم تقدم بل أخرت البلاد قرون وكل منها يدعي انه ذو خبرة وباع ولكن ما المحصلة انفصال الجنوب ام حرب دارفور وختامها بالحرب الشنيعة هي جزء من الفوضي . السودان يحتاج اللكثير من الوعي فافكار الجيل القديم بالية ومازالت حسب متابعتنا لإمتداهم من الاجيال فهم بداعي الوراثة يتقمصون نفس الافكر الا القلة ولكن الاكثرية كلها عبارة عن تابعين , فمهما حاولت تري كل جزء في السودان لا يتألم لما ألم بأحد أجزاء بلده من خراب والمحصلة ما نراه الانز

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..