الحياد المفقود: كيف تحاول مصر وجيبوتي عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي وإيغاد التأثير على مستقبل السودان؟!

(تقرير: بوابة السودان)
تشهد الساحة تحولات كبيرة في مواقف الاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد) فيما يخص الحرب في السودان. فقد أصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي تترأسه مصر في دورته الحالية، توصياته بعد زيارة وفده إلى بورتسودان (من 1 إلى 4 أكتوبر). وطالب في بيان أصدره أول أمس بتنفيذ إعلان المبادئ الصادر عن منبر جدة، ودعا إلى إخلاء منازل المواطنين ورفع الحصار عن الفاشر. بهذا، لم يأتِ المجلس الأفريقي بجديد لا يعرفه السودانيون، حيث تبنى ما ظل يردده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان طوال العام ونصف الماضيين دون زيادة أو نقصان كشرط للجلوس على مائدة التفاوض مع قوات الدعم السريع. كما دعا المجلس الأفريقي إلى فتح مكتب اتصال تابع له في بورتسودان للاتصال وتقديم الدعم الفني، وفتح مناقشات غير رسمية مع السلطة في بورتسودان بشأن تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، بحسب ما جاء في البيان.
بدورها، سارعت وزارة الخارجية في بورتسودان بالترحيب ببيان مجلس السلم والأمن الأفريقي، بدعوى أنه “حلول داخلية للمشاكل الأفريقية”، وأعلنت عن اتفاقها مع الأولويات التي حددها البيان، وهو ما فسره مراقبون كخطوة مصرية أولى نحو فك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.
تزامنت هذه التطورات مع تصريحات لوزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، الذي تستضيف بلاده المقر الرئيسي لمنظمة (إيغاد)، عقب زيارته بورتسودان في 14 أكتوبر 2024، حيث وصف الحرب بأنها مفروضة على الجيش السوداني من قبل قوات الدعم السريع، والتي وصفها بـ”الميليشيا المتمردة”، وهو وصف يتطابق مع ما ذكرته وزارة الخارجية المصرية في بيانها الأخير بشأن السودان بعد اتهام قائد قوات الدعم السريع لها بالاشتراك في الحرب.
ردود الأفعال:
لم تصدر ردود أفعال حتى الآن سوى تلك التي جاءت من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، والتي وصفت البيان في تصريحات صحفية لناطقها الرسمي، بكري الجاك، بأنه “غير منطقي ومتَعجّل”، وأنه يعمل على إضفاء الشرعية على سلطة الأمر الواقع في بورتسودان. كما انتقد الناطق باسم (تقدم) عدم تطرق البيان للانتهاكات التي ترتكبها القوات المسلحة، وتركيزه على انتهاكات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن حرب 15 أبريل كانت ولا تزال مليئة بالانتهاكات من قِبَل الطرفين.
مصر وفقدان الحياد:
يبدو أن مصر، التي تسلمت رئاسة الدورة الحالية لمجلس السلم والأمن الأفريقي بداية الشهر، تستغل وجودها داخل المنظمة الأفريقية لرد الصاع صاعين لقوات الدعم السريع التي اتهمتها بالاشتراك في الحرب إلى جانب الجيش وأنها تشارك في قصف المدنيين في مناطق تواجدها.
وقال لنا محلل سياسي سوداني من القاهرة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن مصر أصبحت غير مؤهلة للتواجد في أي هيئة أو لجنة إقليمية أو دولية تعمل في الوساطة لوقف الحرب في السودان، وإنها فقدت حيادها بسبب مزاعم تورطها في الحرب السودانية، بناءً على اتهامات من أحد أطراف الحرب (قوات الدعم السريع). هذه الاتهامات تشكك في مواقف مصر بالكامل في كل ما يتعلق بالحرب في السودان، خاصة بعد بيان قوات الدعم السريع الأخير الذي قالت فيه إنها قبضت على جنود مصريين أسمتهم “مرتزقة”، شاركوا في المعارك مع الجيش السوداني.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من مصر على هذا الاتهام الخطير حتى الآن، مما يعزز فرضية وجود الأسرى، وبالتالي حقيقة تورط مصر في الحرب.
مصر، التي تتحدث الآن بصفتها عضوًا محوريًا في الاتحاد الأفريقي ولديها مصلحة استراتيجية في استقرار السودان، وأنها تعمل ضمن إطار الاتحاد لتعزيز الحلول السلمية. لكنها، وفقًا لمصادر سياسية سودانية متعددة، تخفي أجندة استخباراتية تحت ستار مهامها الدبلوماسية، وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في السودان التي لا تتحقق بدون تفوق حاسم للجيش السوداني.
اتهامات الفساد والتكسب الشخصي ضد وزير الخارجية الجيبوتي:
يرى مراقبون سودانيون أن وزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، قد يكون منحازًا بدوافع شخصية بسبب طموحه لخلافة “موسى فكي” في رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، مما يثير الشكوك حول تصريحاته الأخيرة في بورتسودان.
وفقًا لمصدر دبلوماسي سوداني، هناك دلائل تشير إلى أن الوزير الجيبوتي قد يكون متورطًا في علاقات فساد مع رموز نظام عمر البشير السابق، الذين يدعمون الجيش حاليًا. هذه العلاقات تعزز الشكوك حول مصداقية مواقفه الأخيرة في السعي لفك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، ليس كرغبة إقليمية في حل الأزمة، بل كخطوة للحصول على دعم الخرطوم لانتخابه في المستقبل القريب.
انحياز منظمات الاتحاد الأفريقي للجيش:
يظهر انحياز مجلس السلم والأمن الأفريقي وممثل حكومة جيبوتي التي تحتضن منظمة (إيغاد) واضحًا لصالح الجيش السوداني، من خلال مواقف مثل بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي (برئاسة مصر) وما تضمنه من مقررات وتوصيات، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الجيبوتي الأخيرة.
هذه المواقف والتصريحات تعكس انحيازًا واضحًا لصالح الجيش، وتثير تساؤلات حول الحياد الذي ينبغي أن تتبعه هذه المنظمات الإقليمية.
كذلك، يبدو أن الطرفين (مجلس السلم الأفريقي وإيغاد) يتعجلان في إعادة السودان إلى “الحظيرة الإقليمية” من خلال فتح مكتب تمثيل الاتحاد الأفريقي في بورتسودان، وهو ما يُعد اعترافًا بشرعية سلطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
خاتمة:
ما ورد من مجلس السلم والأمن الأفريقي ومن وزير الخارجية الجيبوتي يُظهر التأثير المصري الواضح على القرارات الأفريقية مؤخرًا. فمصر، بخلاف ما تظهره من مواقف، تقف مع الحل العسكري للحرب لصالح الجيش السوداني. وهذا ما بات واضحًا في الافتراضات الأفريقية الأخيرة التي تقوم على اعتبار الجيش السوداني هو المنتصر المتوقع في نهاية المطاف. هذه افتراضات منحازة وغير دقيقة، إذ أن أي تفوق عسكري على الأرض لأي طرف في نهاية المطاف لا يضمن حلًا نهائيًا للأزمة أو إنهاء الحرب القائمة، حيث إن الحلول العسكرية غالبًا ما تكون قصيرة الأمد، والعودة إلى طاولة المفاوضات ضرورية لتحقيق تسوية شاملة ومستدامة.
يبدو جليًا أن الطرفين (مجلس السلم الأفريقي وإيغاد) يستندان إلى التفوق العسكري لصالح الجيش، لكنهما يتجاهلان الأهمية الكبرى للحل السياسي المتوازن. فالنزاعات لا تُحل إلا على طاولة المفاوضات، ويعتمد الحل على التوقيت والظروف التي يتم فيها التفاوض.
بوابة السودان
مصر تريد ان تستغل السودان كملعب لتصفية حسابات مع عدوتها اللدودة ومنافستها في الساحة للافريقية اثيوبيا وسوف يتدمر الملعب علي روؤس اهله…..السودان أصبح ملطشة وللأسف من يتصدرون المشهد مجرد اقزام قصيري النظر والفهم …..