مقالات وآراء سياسية

٢١ اكتوبر ١٩٦٤م ثورة شعب أدرك بوعيه أهمية الديمقراطية

احمد بطران عبد القادر

في ٢١ اكتوبر من العام ١٩٦٤م خرحت جماهير شعبنا الثائرة الي الشوارع واحتلت الميادين واقامت المتاريس واعلنت العصيان المدني الإضراب السياسي لاسقاط دكتاتورية الفريق إبراهيم عبود الذي حظر النشاط السياسي والحزبي وحل النقابات والمنظمات الوطنية وحجب حرية الصحافة واعتقل الشرفاء بما فيهم رواد الاستقلال ورغم ان ثورة أكتوبر كانت علامة فارقة في تاريخنا الحديث عقب الاستقلال دللت علي سلامة الوعي السياسي لشعبنا وطليعته الثورية وأكدت على أهمية الديمقراطية فإنه لا تزال هنالك عقبات كؤد و معضلات شائكة امام دعاة التغيير وقادته في السودان وحتي بلداننا العربية والأفريقية علي السواء (خصوصا في بلادنا السودان حيث ادمنت النخب الفشل وادمن العسكر عملية اغتصاب السلطة) ففي الوقت الذي خطى فيه العالم من حولنا خطوات جبارة في اتجاه رعاية الحقوق الاساسية في الحياة الكريمة للافراد والمجتمعات والشعوب قوامها إدارة البلاد بطريقة مدنية ديمقراطية و صناعة ثقافة السلام والاقرار بحقوق الإنسان في العدل والحرية والمساواة في الكسب والعطاء والمشاركة في الإدارة و الحكم والتمتع بخيرات بلاده وبيئته التي يعيش فيها والاهتمام بتعليمه وصحته وكل حقوقه في الحياة الكريمة وفي حياة وتعليم وصحة أجياله القادمة وضمان حياة مستقرة لهم فيها الأمن والأمان والرخاء مازالت بلادنا تعاني من اشكالات عميقة ولدت حروب دموية قاسية وصراعات جهوية وطائفية ثأرية بسبب غياب الديمقراطية وانكار سادتنا في الأنظمة المتعاقبة لحقوق الإنسان في الحربة والاختيارية لما نشاء وفشلنا في ترسيخ ثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا وبناء الدولة الحديثة علي اساسها في فصل السلطات وسيادة حكم القانون و مرجعية الدستور القائم علي الإقرار بالتنوع الثقافي والتعدد الاثني والديني ورعاية الحقوق علي اساس الانتماء للوطن بالمواطنة

ولئن كنا قد ادركنا منذ فجر الاستقلال بوعينا ووعي نسبي تتمتع به مجتمعاتنا المتنوعة بأهمية الديمقراطية لترسيخ ثقافة السلام وإنشاء مجتمعات متعافية وظللنا نناضل و نعمل من أجل ذلك لعقود من الزمان مضين انفقنا فيها زهرة شبابنا وبزلنا عصارة جهدنا وخلاصة فكرنا فإنه لا تزال امامنا جملة من التحديات و المعوقات التي تحول دون تحقيق تطلعاتنا في التغيير لواقع أفضل يرضي طموح الجماهير في العيش بحرية والتعايش بسلام وتأتي في مقدمتها عملية الاستيلاء علي السلطة بلغة العنف عبر صناديق البارود بدلا عن التداول السلمي لها عبر صناديق الاقتراع فتعلق القوي الانقلابية العمل بالدستور وتسن من القوانين والتشريعات ما يناسبها ويحفظ بقائها في السلطة وهكذا تعمقت حالة الفشل والفوضى في بلاد لم تستطع ان تنجز دستور ينظم عمل كافة سلطاتها ويحكم نشاطات مؤسساتها المختلفة

حيث درجت نخب مغامرة من الضباط العسكريين ذات طموح شخصي او حزبي بين الحين والاخر علي اغتصاب السلطة وتعليق العمل بالدستور تحت مزاعم الإصلاح والاستجابة لتطلعات الجماهير في العيش الكريم ويطلقون علي ما اقبلوا عليه ثورة يهدمون بها ما كان قائما ويقيدون الحريات العامة والخاصة
ولكنهم لا يدكون أنهم بفعلهم هذا يخربون ما كان قائما ولا يصلحون
و بقرارات ثورية موتورة غير قابلة للنقض او المراجعة يصنعون دكتاتورية قابضة لسلطة شمولية مستبدة فاسدة ومفسدة تمجد الفرد و لا ترى الا ما ما يراه و يصوره لها عقلها المريض ونظرها القاصر للاشياء ويفعلون كل ما في قوتهم لقمع طلائع التغيير السلمي مما يشجع البعض علي التمرد علي الدولة ورفع السلاح في وجهها وصناعة المليشيات والتشكيلات المسلحة وباستطالة امد الصراع تتحول هذه المليشيات الي بؤر خراب يهدد الأمن القومي للبلاد وبسبب الحوجة للمال والسلاح تصبح لعبة في ايادي الداعمين وتصير رهن اشارتهم في زعزعت الامن والاستقرار بالبلاد وممارسة الإرتزاق لتحقيق اجندة تغفل المصالح الوطنية وتضر بها في كثير من الأحيان

وفي ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨م جدد شعبنا الصامد حراكه الثوري واقتلع نظام الثلاثين من يونيو الاجرامي المتدثر بثوب الإسلام وانحازت القوات المسلحة شكليا تحت الضغط الجماهيري المتصاعد و قد حاولت عناصر لجنتها الأمنية الانفراد بالسلطة لكن بعد علو تيار المد الثوري وتصاعده وبلوغ ذروته في ٣٠ يونيو٢٠١٩م رضخ العسكر للتفاوض علي تسليم السلطة والمشاركة عبر المجلس السيادي في انجاح وانجاز مشروع الفترة الانتقالية في التحول المدني الديمقراطي لكنهم اضمروا في نيتهم في تصفية قوي الثورة وافراغ مشروع التغيير من محتواه وتقديمه للجماهير بصورة شائه تضارب مع مصالحه وقناعاته ومرتكزاته الفكرية لتحدث بينه وبين قوي التغيير قطيعة تتحول لمصدات رفض شديدة العداء للديمقرطية ودعاتها وقد ساندتهم قوي خارجية ذات مطامع في ثرواتنا وغير راغبة في قيام حكم مدني ديمقراطي في بلادنا ولكنهم لم يفلحوا حيث بقيت جذوة الثورة مشتعلة والجماهير مصطفة خلفها لم تفارق الشوارع التي لا تخون

فمنذ التوقيع علي الوثيقة الدستورية التي اسست لمرحلة جديدة تنتقل البلاد بموجبها الي إعادة تأسيس دولة مدنية ديمقراطية يجد كل انسان او كيان فيها نفسه منذ ذلك الوقت شاهدنا كيف تحولت قيادة الجيش لممارسة نشاط سياسي ضاغط للاستيلاء علي السلطة كليا وافشال عملية التحول المدني الديمقراطي فبفضلهم علت أصوات ودبت اقلام تبث سموم العنصرية و الجهوية لتمزيق النسيج الاجتماعي بالبلاد واثارة الفتنة الدينية وقد ظللنا نقاوم هذا المخطط الخطير والذي من شأنه ايقاظ نار الفتنة والاتجاه بالبلاد الي حالة اللاوعي و الفوضي التي ستسيطر علي المشهد وتربك حسابات قادة التغيير وتجعلهم عاجزين عن ايراد حلول ناجعة للمشكلات والأزمات التي كنا نعاني منها اصلا لعقود من الزمان تطاول عهدها بيد ان مستجدات الواقع تصيب العقل بالدوار
ففي ظل الاستبداد و اللامبالاة والمغالاة التي يمارسها العسكر والمتاجرة بالدين والحشود مدفوعة الثمن بالإضافة الي ذلك الخضوع لقوي الاستعمار الحديث وتبني سياستهم لتمكين نهجهم في سيطرة السياسات الاقتصادية للرأسمالية المتوحشة علي مقدراتنا الاقتصادية وموارد ثرواتنا عشنا فقرا مدقعا وانهيار اقتصادي شامل فقدت بموجبه عملاتنا الوطنية جزءا كبيرا من قيمتها وفقدت البلاد سيادتها وقدرتها علي التأثير في محيطها الإقليمي والدولي
ولم يقف فعلهم المعادي للثورة عند هذا الحد بل صنعوا اجسام كرتونية ذات أصوات نشاذ عالية وكونوا الاحلاف من القوي المعادية للثورة والغير راغبة في التغيير فاصبحت البلاد مكهربة بالحريق وموشحة بالسكين والحربة فنفذوا انقلابهم المشؤوم في ٢٥اكتوبر٢٠٢١م ولم يستطيعوا ان يشكلوا حكومة تنهض بالبلاد بل غرقوا في الفساد واعادوا رموز النظام القديم وجمعوا حولهم الانتهازيين من طلاب السلطة وعملاء الخارج وافقدوا البلاد صوابها ورشدها واخيرا تصاعد الصراع بينهم فوقعت حرب١٥ أبريل التي حاول كل طرف من اطرافها تسويق نفسه علي انه مع الشعب ومع ارادته في التغيير وكلها اكاذيب لا يصدقها عقل سليم ولا يقبلها حكيم وهكذا صارت بلادنا تحت وطأة نيران القتال و قهر حملة السلاح الذين نهبوا وسرقوا كل شيء واغتصبوا الحرائر وقتلوا الشباب السلمي المسالم
واليوم نشاهد بعض الانتصارات العسكرية للجيش ودخوله لأماكن ظلت قوات الجنجويد تسيطر عليها وتستبيحها استباحة تامة ترتكب فيها كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ولكن بدلا من ان يكون دخوله فيه خلاص للشعب وانتهاء لمعاناتهم ها هم يعتقلون الشباب تحت مزاعم التعاون مع التمرد وهم يعرفون هذا الشباب الثوري الحر الذي ظل متواجد في اماكن القتال ومراكز النزوح والايواء يقدم خدماته لشعبنا عبر غرف الطواريء بعدما فر الجميع عند سماع صوت اول طلقة فظل هذا الشباب الثوري مرابط يتعرض للاعتقال والضرب والإهانة من طرفاء القتال ولكنه صامد صمود شوامخ الجبال يؤدي رسالته الإنسانية اتجاه شعبه بكل تجرد ونكران ذات يبتغي مرضاة ربه ووفاءا وعرفان لشعب انجب الشهداء والمناضلين حاملوا مشعل الحرية والصمود
واليوم بلادنا تعيش في حرب عبثية فقدنا فيها الكثير واضحت تتقاذفها أمواج الطامحين والطامعين في الاستيلاء علي سلطتها واجهاض ثورتها وقهر شعبها والسير به القهقري في دروب التيه والضياع والاظلام والمخرج لهذا الشعب من وهدته يكمن في ضرورة وحدة الصف الوطني وتبني المشروع الوطني النهضوي الذي يبدأ بالعمل سويا علي إيقاف الحرب و محاكمة مجرميها ثم التوافق علي برنامج سياسي شامل يتناول كل القضايا الوطنية ذات الاهتمام بدايه بالفترة الانتقالية مهامها صلاحية سلطتها ومدتها الزمنية ثم وضع دستور دائم للبلاد يحدد شكل الدولة السودانية ونظام الحكم فيها وهويتها ومن هو الإنسان السوداني وعلاقة الدين بالدولة ومنهاجها الاقتصادي وكيفية استغلال مواردها في أحداث تنمية متوازنة و كيف تدار علاقاتها الخارجية بما يحفظ امنها القومي وتأثيرها الاقليمي والدولي؟ وكيفية الإصلاح العدلي و المؤسسي؟ و قضايا تفكيك منظومة الاستبداد الموروثة من النظام البائد؟ وكيفية انصاف ضحايا الحروب والنزوح وتحقيق العدالة بشقيها الجنائية والمدنية لنغلق صفحة مزعجة من تاريخنا الحديث ونفتح صفحة مشرقة لاستشراف مستقبل زاهر لبلادنا يلحقها بركب الحضارة الإنسانية التي تفوقت علينا في كل شيء في الغذاء والدواء والتعليم والصحة ومستوي دخل الفرد ورفاهية المجتمع وتطوره.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..