صوت اللاعبات يرتفع: رفض لشراكة فيفا مع أرامكو

صوت اللاعبات يرتفع: رفض لشراكة فيفا مع أرامكو
صدر الصورة، Getty Images
- Author, عمرو فكري
- Role, بي بي سي عربي – القاهرة
وقعت أكثر من 100 لاعبة كرة قدم من أنحاء العالم خطاباً مفتوحاً موجهاً إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، جاء مدعوماً من منظمة “رياضيي العالم” (Athletes of the World)، التي تعمل على تعزيز الوعي الاجتماعي والبيئة بين الرياضيين، والتأكيد على أن للرياضيين صوتاً يؤثر في القرارات الرياضية والتجارية الكبرى، مع دعم المبادرات التي تتعلق بحقوق الإنسان والاستدامة.
عبّرت اللاعبات في البيان عن رغبتهنّ في إنهاء شراكة فيفا مع شركة أرامكو السعودية، بسبب ما يرونه تناقضاً بين القيم البيئية التي يجب أن تُدافع فيفا عنها، ودور أرامكو في إنتاج النفط، وهو ما يتعارض مع قيم الاستدامة وحقوق الإنسان والمبادئ البيئية التي ينبغي على فيفا أن تعتمدها كما يرون.
اللاعبات قلن في البيان إنه جاء مدفوعاً بقلقهنّ من سجل السعودية في حقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بحقوق النساء والحقوق المدنية، والقلق من تعريض سمعة كرة القدم للخطر، وإن الخسارة المالية من شراكة كهذه ستكون مقبولة من اللاعبات اللاتي سيكنّ مهتمات بحقوق الإنسان والمبادئ البيئية، أكثر من الاستثمار في كرة القدم النسائية.
كما طالبت بمراجعة فيفا لعلاقاتها التجارية مع الشركات التي قد تؤثر سلباً على البيئة، وتعزيز شراكات أخرى مع شركات تُسهم في دعم أهداف البيئة المستدامة، وتتماشى مع القيم الرياضية، وطالبن بفتح باب النقاش بين فيفا واللاعبين قبل اتخاذ أي خطوة تجارية، مع مقترح بإنشاء لجنة مكونة من لاعبات ومديرات رياضيات تعمل على دراسة شراكات فيفا المستقبلية.
ومن أبرز اللاعبات اللاتي وقّعن على البيان الهولندية فيفيان ميديما، لاعبة نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، التي أكدت على ضرورة مدافعة الفيفا عن القيم البيئية والاجتماعية في جميع شراكاتها، ودعت لإعادة التفكير في الشراكة مع أرامكو لقناعتها أن هذه الشراكة تتعارض مع معايير العدالة البيئية وحقوق الإنسان. وكذلك الأمريكية بيكي ساوربرون التي خاضت أكثر من 200 مباراة دولية مع منتخب بلدها، أكدت على أهمية حماية البيئة وحقوق الإنسان، وإلى ضرورة أن تكون شراكات الفيفا مدروسة بعناية لتحقيق ذلك.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
ردود أفعال المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي تباينت ما بين مهاجم للشراكة ومؤيد لها. من عارض الشراكة كان مدفوعاً بتخوفات على البيئة ومشكلات حقوق الإنسان، ومن أيدها ادّعى أن هذا الهجوم يأتي كون الشركة سعودية، كما حدث من قبل مع استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022.
ما هي أرامكو؟
صدر الصورة، Reuters
أرامكو أو شركة النفط العربية السعودية هي أكبر شركة نفطية في العالم من حيث القيمة السوقية وحجم الإنتاج، وهي مملوكة بالكامل من قبل الحكومة السعودية، وتؤدي دوراً رئيسياً في صناعة النفط العالمية، كما تشارك في تكرير وتوزيع وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة في إطار رؤيتها المستقبلية.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
أعلنت أرامكو، في أبريل 2024، عن إبرام اتفاقية تجارية مع الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، أصبحت بموجبها شريكاً رسمياً للفيفا في مجال الطاقة، وتتضمن الشراكة دعم الشركة للأحداث الكبرى التي تنظمها فيفا، مثل كأس العالم لكرة القدم للرجال 2026، وكأس العالم للسيدات في العالم الذي يليه، بالإضافة للتعاون في تطوير مبادرات الاستدامة والطاقة النظيفة في الرياضة.
وتعرضت الشركة للكثير من الانتقادات بسبب إسهاماتها في تغيير المناخ بالتأثيرات البيئية السلبية كالانبعاثات الكربونية الضخمة، والتسربات النفطية التي تهدد الحياة البرية.
وتُسهم في التلوث البيئي والاحتباس الحراري، إضافة إلى استنزاف الموارد المائية في المناطق الصحراوية.
شركة النفط السعودية دافعت عن الشراكة مع فيفا، وردت على الاتهامات بالتأكيد على التزامها بالاستدامة والعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية، وأبرزت عدة مشاريع في الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وأن استثماراتها تتماشى مع أهداف المملكة في التحول للطاقة النظيفة بحلول عام 2060.
كما أشارت أرامكو من قبل إلى برامجها في مجال المسؤولية الاجتماعية، والاستثمار في مشاريع تعليمية وصحية ومجتمعية لتطوير المجتمعات المحلية، كما أكدت أن شراكة فيفا ليس هدفها فقط الربح المادي، ولكن تهدف كذلك إلى تعزيز قيم الرياضة العالمية وتوسيع نطاق الفعاليات الرياضية العالمية.
استثمارات رياضية سعودية
صدر الصورة، Reuters
استثمرت السعودية في السنوات الأخيرة في شتى المجالات الرياضية، مثل استثمارها في أندية رياضية خارجية، كاستحواذ الهيئة العام للاستثمار السعودية على نادي نيوكاسل الذي ينشط في الدوري الإنجليزي الممتاز بريميرليج، أو أندية محلية، كاستثمار صندوق الاستثمار السعودي في الأندية السعودية الكبرى، ودعمها مالياً في العامين الأخيرين، ما جعل الدوري السعودي واحداً من بين أكثر الدوريات إنفاقاً في العالم، والأكثر جذباً للاعبين؛ البرتغالي كريستيانو رونالدو، والفرنسي كريم بنزيمة، والبرازيلي نيمار، والجزائري رياض محرز.
واستضافت السعودية العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى، كسباقات الفورميلا 1 وبطولة السعودية المفتوحة للتنس، وعروض المصارعة الحرة الترفيهية WWE وعدة فعاليات في رياضة الجولف والكريكت وكأس السوبر الإيطالي والإسباني لكرة القدم وغيرها. كذلك كان هناك استثمار في الرياضات الجديدة وغير التقليدية كسباقات الدراجات الهوائية ورياضة القفز المظلي وبطولة السعودية لرياضة السيارات، حتى استضافة نهائيات دوري المقاتلين المحترفين لموسم 2024.
عملت السعودية على تطوير العديد من المشاريع الرياضية الضخمة، وروّجت واستثمرت أكثر في فعاليات الرياضة النسائية، ووقعت عدداً من عقود الرعاية مع الشركات الرياضية الكبرى لدعم الأندية المحلية والفرق الوطنية، واستثمرت أكثر في الرياضات الإلكترونية.
واجه الاستثمار السعودي الكبير في مجال الرياضة الكثير من الانتقادات، أبرزها هو الغسيل المالي الرياضي، وإنفاق الكثير من الأموال من أجل تبييضها، إضافة إلى انتقادات حول حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية التعبير، والمعاملة غير العادلة للمعارضين السياسيين، مع التخوف من أن هذا الاستثمار الرياضي سيعزز من صورة الحكومة رغم هذه القضايا، كما أن هناك مشكلات التأثير البيئي المرتبطة بأرامكو، بسبب تأثيرها سلبياً على البيئة والتغير المناخي.
السعودية أكدت أن استثمارها الرياضي بهذه الكيفية، يأتي لتحويلها لمركز رياضي عالمي، وتعزيز الحضور في الرياضة بشكل عام، لتحقيق العديد من الأهداف، كجزء من رؤية 2030، أهمها تقليل الاعتماد الاقتصادي على النفط، وتحقيق التنمية المستدامة وتطوير البنية التحتية، وتعزيز السياحة والاقتصادي المحلي وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين الصورة الدولية تحقيق الإصلاحات الاجتماعية كتمكين المرأة، من خلال إشراكها أكثر في الرياضة والسماح لها بقيادة السيارات وإنشاء العديد من البرامج الرياضية لتعزيز الثقافة الرياضية.
بخلاف العوائد الاقتصادية من استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى وتحفيز السياحة الرياضية ليرتفع الإنفاق المحلي على الفنادق والمطاعم والمواصلات وغيرها وتنويع الاقتصاد في القطاعات غير النفطية، فهناك أيضاً عوائد أدبية ومعنوية من تعزيز مكانة المملكة دولياً، وبناء جسور ثقافية مع دول أخرى ما يعزز من التفاهم المتبادل والتعاون الدولي، وهو ما يصب في النهاية لتعزيز رؤية السعودية 2030 والهوية الوطنية، بتعزيز جودة الحياة وفتح فرص جديدة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للمملكة.
التزام الاتحاد الدولي لكرة القدم
صدر الصورة، Reuters
فيفا لم تُصدر تصريحاً حول بيان اللاعبات، إلا أنه دائماً يؤكد سعيه لتعزيز الاستدامة والالتزام بالمبادئ البيئية من خلال شراكاته المختلفة، مع الالتزام بالمبادئ الخاصة بحقوق الإنسان والمساواة، ولم يتأكد ما إذا كان اتساع الضغط على فيفا بسبب شراكة أرامكو، وتسليط الضوء أكثر على هذه الشراكة، قد يؤدي إلى إعادة تقييمها أو لا.
شراكة فيفا وأرامكو ستعود بالنفع على الجانبين، إذ تهدف فيفا دائماً لتنويع مصادر دخلها، والشراكة مع أرامكو ستضخ استثمارات مالية ضخمة في البطولات الرياضية، كونها واحدة من أكبر الشركات العالمية من حيث الإيرادات، ما سيعزز البنية التحتية للملاعب والمرافق الرياضية حول العالم، وخاصة في الدول النامية.
على الناحية الأخرى فالشراكة ستسهم في توسيع العلامة التجارية للشركة عالمياً، والوصول لجمهور ضخم في أسواق متنوعة، كما ستحسن من صورتها على الساحة الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالمسؤولية المجتمعية ودورها في دعم الرياضة والتنمية.
تواجه فيفا الكثير من الانتقادات سابقاً بسبب شراكاتها المختلفة، مثل شراكتها مع غازبروم الروسية إبّان كأس العالم 2018 في روسيا، وقطر للطاقة خلال كأس العالم 2022، وكذلك شركات أخرى مثل كوكا كولا وأديداس وفيزا. هذه الانتقادات تتعلق بأمور مثل ظروف العمال وفضائح الفساد وغيرها، إلا أن شراكات فيفا شهدت تطوراً عبر التاريخ في معايير اختيار الرعاة.
كان الاتحاد الدولي في البداية يركز على الشركات الرياضية كأديداس ونايكي لتوفير المعدات الرياضية وغيرها، إلا أنه مع الوقت بدأت فيفا توسيع نطاق شراكاتها لتشمل شركات متعددة الجنسيات للوصول لجمهور أوسع وتعزيز صورة الاتحاد الدولي لكرة القدم العالمية، ومع تزايد التكاليف المتعلقة بتنظيم البطولات، وتوسع شبكات البث التلفزيوني، بدأت فيفا في إبرام شراكات مع شركات ذات قدرة مالية ضخمة من قطاعات الطاقة والمؤسسات المالية، لتأمين الدعم المالي اللازم.
إلا أنه في السنوات الأخيرة ومع الكثير من الاتهامات بالفساد والضغوط بسبب حقوق العمال وقضايا الاستدامة والبيئة، بدأت فيفا في إعادة تقييم معايير اختيار الرعاة، وهو ما وضع فيفا أمام تحديات في اختيار الرعاة المستقبلين، وهو ما يطرحه بيان اللاعبات الآخر، بتكوين لجنة من اللاعبات تساعد فيفا في اختيار الرعاة المناسبين.
الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا يظل في مواجهة تحديات كبيرة بشأن استراتيجياته في اختيار الرعاة، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة حول القضايا البيئية وحقوق الإنسان، وبالرغم من الدعم المالي الذي توفره شركات كأرامكو لفيفا، إلا أن هذه الشراكات تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الرياضية والاجتماعية، نظراً لتأثيراتها السلبية المحتملة.
بيان اللاعبات يؤكد على أهمية أن تعكس قرارات فيفا قيم الاستدامة والمساواة، ويعكس وعي الرياضيين بدورهم في التأثير على القرارات الرياضية الكبرى، وهو ما قد يدفع فيفا لمراجعة استراتيجيتها، ويفتح المجال أمام المزيد من الشفافية في عملية الاختيار، خاصة مع تصريح بعض اللاعبات بأن فيفا إن لم تراجع قرار شراكة أرامكو حتى كأس العالم لكرة القدم للسيدات في 2027، فقد يؤدي ذلك لاعتذار بعض اللاعبات عن البطولة، أو حتى مقاطعة من بعض الدول.