السودان : الحرب الملتبسة وحرب الكل على الكل! (١) (عاطفية بأكثر من اللازم وشخصية بأكثر من اللازم وعسكرية بأكثر من اللازم)!!

عبد العظيم سر الختم الشوتلي
تنبيه : هذا مقال للإنسان السوداني العادي الإنسان السوداني على السجية مجرداً من مؤثرات التحزب أودواعي المصالح الحزبية وهو لايُعنى بالقوى السياسية المتورطة في الحرب واصطفافاتها إنما هو مجرد محاولة في سياق ما يندرج تحت عنوان معركة الوعي لتحليل ظاهرة الانحيازات والتفاعلات الاجتماعية بهذا النوع من الحروب المحاطة َ(بغبار) كثيف من التضليل الاعلامي والذي يؤدي في العادة لتعميم حالة من الارباك والبلبلة الفكرية وللأسف فإن (مسار النقع) (لغبار) حربنا هذه ، كله زائف ومضلل!.
في كتابه الشهير (حرب الخليج ، أوهام القوة والنصر) يتحدث الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن الأسباب التاريخية والظروف والأجواء التى سبقت الأزمة ومهدت لها ثم لازمت تطوراتها ويصفها بأنها كانت «عاطفية بأكثر من اللازم ، شخصية بأكثر من اللازم ، عسكرية بأكثر من اللازم» وكثيراً ما قفز هذا الوصف إلى ذهني وأنا أفكر في حربنا هذه! بكل فوضويتها وعبثيتها وشخصنتها وطابعها الفتنوي الذي يجعل الصواب يختلط بالخطأ وتلتبس الأمور على الناس فتراهم (سكارى وما هم بسكارى) لكنه التضليل الممنهج وعدم ضوح الرؤية الكافي لتمييز الحق من الباطل لدى كثير من الناس مما يدفعهم إلى الاصطفاف بدواعي عاطفية انفعالية..
يروي محمد حسنين هيكل حادثة تشكل مثالا بالغ الدلالة على ما أعنيه هنا بالالتباس والتعقيد وهو لا يخلو في ذات الوقت من طرافة موجعة (كانت بعض تشكيلات الجيوش العربية المشاركة بحلف عاصفة الصحراءمرابطة بحفر الباطن وتتأهب للحرب ضد صدام ، لكنها عندما سمعت بأن صواريخ (صدام) تتساقط على الكيان الصهيوني ، انتابتها حالة هستيرية من الفرح وانطلقت دون وعي هتافات التكبير والتهليل ، ثم فجأة انتبه هؤلاء الجنود المساكين للتناقض الصارخ بين موقعهم في المعركة وبين مشاعرهم والآن فإن حالة(مين شايت على وين) هذه ، هي الحالة العامة الملازمة لحرب السودان!،،، هذا.
ولطالما وقع الانسان الشرقي ضحية في فخ (كلمة الحق يُراد بها الباطل)! لذلك رأينا ثوار رفاق شهداء يتأبطون ذراع قاتل الرفاق ويحاربون تحت رايته ، ومثقفون يغرقون في شبر ماء هو سراب خُلَّب ، ويستمر غسيل العقول لغسل تاريخ العار والخيانة لدرجة صار فيها مجرم وضيع كبرهان والبقية من عصابة اللجنة الأمنية رموزاً ليس للجيش الوطني فحسب بل وللوطن نفسه حتى كتب أحد هؤلاء المثقفين ينصح الجيش بعدم الغدر بكيكل قائلاً (إن مصداقية القوات المسلحة على المحك) أي مصداقية يارجل وأي قوات؟ وأين ذهبت مجزرة القيادة وعار فض الاعتصام ، إن من حق أي شخص أن ينحاز لمن يشاء من أطراف الحرب ، هذا معلوم ومؤكد ، ولكن تزييف الوعي بهذه الصورة المقززة يعني محاولة عقيمة لإلغاء التاريخ وليس فقط تزييفه ويعني تجميل ما لا يمكن تجميله ويعني تكريس حالة الافلات من العقاب …
ومن محاولات تزييف الوعي والغاء التاريخ الاصرار على دفع الناس دفعا للنظر في الحرب وكأن تاريخ أطرافها قد بدأ معها في ١٥ أبريل٢٠٢٣م!،،، وأن يجري اغتصاب العقول جهاراً نهاراً ليُساق الناس سوقاً للتحالف مع المغتصبين ضد الاغتصاب ومع القاتل الأصيل عندما اختلف مع القاتل المأجور الذي تجرأ بالتمرد عليه ليمارس القتل لحسابه هو وليس لحساب الكوز،،، ولكن يبقى الأخطر بهذه الحرب اللعينة ومدى تلاعبها بالعقول والمشاعر هو هذ النوع العجيب من (الاستدراج) بالتنميط وبالتوريط المتدرج للأتباع تبعاً لتطورات الحرب وحاجة أصحاب المصلحة فيها للتحشيد والتجييش الكفيلان باستمرارها.
والمثال المخيف على ذلك هو ما نلاحظه ونراه هذه الأيام من انزلاق البعض خلف دعاية الكيزان والانحدار من توريطهم فيها تحت ذريعة (الانحياز لمؤسسة الجيش) وللدولة إلى (الانحياز للقبيلة) خصماً على وحدة الجيش ووحدة الدولة طالما كان في هذا الانحدار والانحياز استمرارا للحرب وأملاً في الوصول للنصر المتوهم!! .
إننا بحق ، في حاجة ماسة ، ضرورية ومصيرية ، لوقفة عقلانية وقفة بضمير وبصدق ومسئولية لإعادة النظر في طبيعة هذه الحرب ومآلاتها وبالتالي في موقفنا منها ومن أطرافها الفاعلة في الداخل أو تلك الأطراف الخارجية التي تبدو أكثر تأثيراً في المشهد السوداني، لدرجة (قدرتها على فرض استمرار العلاقة “ولحمة الرحم” بين الجيش والجنحويد ليحاربا معاً في اليمن حتى الآن دفاعاً عن مصالحها الاستعمارية هناك في نفس الوقت الذي تقوم فيه نفس هذه الأطراف بتأجيج الصراع بينهما في وطنهما السودان وهذا مجرد مثال واحد) والأدهى وأمر أنها (تمن وتكاد تهيمن) على كلا الطرفين المتحاربين وعلى ما بينهما من بقايا قحت وحتى على شبكات المصالح المستجدة ع المشهد السياسي والتي لا تختلف كثيراً عن شبكة نظام الانقاذ الساقط!……
أواصل