مقالات سياسية

مع الانقاذ اختفت الصداقة الحقيقية وحتى الحب بين الاشقاء 1

شوقي بدري

كل شئ قد فسد منذ أن صار للكوز كلمة اوسطوة في السودان .الاجانب كانوا يندهشون عندما يرونا نتقابل لدقائق ونصير كأننا اخوة. يستغربون لاننا نعرف بعضنا ويكون بيننا الكثير من الاهل الاصدقاء المشتركين . كانت لنا كرامة لا نتنازل عنها . كنا نعتبر كل سوداني اخانا وحبيبنا عن صدق . لم يفهموا انه ليست بيننا حواجز واسوار. لا تفصلنا الثروة المنصب او التعليم .

اتصل بي اخي عبد الله خيري مدير بنك البركة السابق ، ليخبرني بأن اخي جعفر الطيب جبارة الله قد انتقل الى جوار ربه . جعفر هو اخي ابن امنا امدرمان . لم نكن نفترق . في المنزل او في حضن العباسية . كنت كثير الاتصال بالرجل الجنتلمان رجل البنوك اسماعيل الفيل طيب الله ثراه ،الذي قتلته قبل شهوراحدى دانات الجيش الذي من المفروض أن يحمي المواطن من الموت بدلا عن تسبيبه للموت .كنت اتسقط اخبار اخي جعفر واعرف انه يجلس امام منزلهم لأن له مشتل. في احد الايام اتصل بي اسماعيل وعند سماع صوته قلت له…. عندي احساس بانك مع جعفر .

استلمت التلفون لاجد اخي جعفر على الخط. تطرقنا لشقاوتناومغامراتنا في البحروفي احراش خيران امدرمان بحثا عن الطيور . ذكرني جعفر انه كانت عندنا ،، نبل لم تتوفر لغيرنا كانت عبارة عن تحفة صنعها لنا حداد في سوق الحداحيد. كانت مصنوعة من قضيب تم تشكيلة بمهنية فائقة.تحدثنا وتحدثنا عن اهلنا الين انتقلوا الى جوار ربهم ، والسعادة المرح الذي تسربلنا به والاخاء الصادق .

من الطرائف انني كنت امارس لعب البلي ويتوفر لي الكثير من البلي . بعد اليوم يكون عندي قرشا وعند اخي عبد المجيد محمد سعيد قرشا متبقيا من فلوس الفطور . وعند الساعة الخامسة نحس بالجوع بعد الكرة. كنت ابيع بعض البلي بسعر متدني ونذهب الى اليمني قايد وتكون قدرة الفول قد نضجت . ندفع ثلاثة قروش وتعريفة . اتنين عيش بقرشين فول بقرش وزيت بتعريفة وموية جبنة . في احد الايام لم تتوفر لنا سوى ثلاثة قروش . ظهر جعفر فناديته وقلت له هات تعريفة . ضحك بطريقته المهذبة وقال….. تعريفة ؟؟ انا كايس زول يديني كف ويديني تعريفة . ضحك عبد المجيد من كل قلبة . وصار يردد كلام جعفر . دخلت البيت واحضرت قرشين وذهب معنا جعفرواكلنا صحن فول بي بوخو .

وسط كل الحزن والالم تذكرت هذه الحادثة التي اعطتني الكثير من الراحة وكان جعفر يطالعني ببسمته وروحه العذبة . عبد المجيد كان يردد كلام جعفر ويقول عندما نحتاج لبعض الفلوس…… ما نلقى زول يدينا كف !!
ما يخفف عنا كثيرا في هذا الزمان الاغبرذكرى الاحباب والحياة الرائعة التي عشناها . رحم الله اخي جعفر الطيب جبارة الله .
من موضوع طويل تحت عنوان البعض لا يفهم لماذا نهيم بامدرمان ؟؟

اقتباس

في 1957 انتقلنا الى السردارية العباسية . واستأجرنا منزل العم محمد مصطفي الكمالي الذي كان الحاكم العسكري في ملكال ثم ياورو الرئيس عبود . واستاجرنا منزل قريبه الاستاذ عز الدين الحافظ الذي صار وزيردولة للتربية في حكومة عبود . وفتحنا نفاجا بين البيتين . وكان يجاورنا من الحائط الجنوبي اسرتان رائعتان . وهما اسرة الطيب جبارة الله وشقيقه محمود جبارة الله . والضابط جبارة الله كان من كبار الضباط وترك ذلك المنزل الضخم لابنائه . والعم محمود كان يسكن ويعمل خارج امدرمان ، واظن في النيل الازرق . ولكن ابنه مزمل كان يدرس في الاحفاد الثانوية ويسكن في المنزل . وتقبلنا آل جبارة الله والحي باريحية كاملة ولم يأخذ الامر الا ايام معدودات وصرنا نحس اننا وسط اهلنا . وفي هذا الحي وبقية العباسية عشت اجمل، اسعد فترة واغنى ذكريات في كل حياتي .

دار الرياضة كانت على مرمى حجر وكنا ندخل الربع ساعة الاخيرة . ومركز البوليس والمحاكم كانت مليئة بالمفارقات نذهب اليها لنتعلم . والمجلس البلدي يستقبل الالاف . وهنالك الاطفائية ورجالها . والترام والبصات تأتي لكي تنام.هنالك ميدان بيت الخليفة مكان للكثير من النشاطات وهنا كان المولد وسوق الزلعة . ومستشفي امدرمان كان كفستفال في ايام الزيارة كما قال الشاعر عبد الرحمن الريح في اغنية الكاشف . وقبة المهدي تشهد الكثير من الاحتفالات . ومستشفي الدايات يستقبل الناس حتى بعيدا من الاقاليم . لقد كان الحي مليئا بالحركة .

ومع زواج شقيقتي امتلأ المنزلين بالضيوف وبعضهم من رفاعة . وبكل بساطة ازال آل جبارة الله جزءا من الحائط الذي يفصلنا وصارت اربعة حيشان متصلة . وصرنا اهلا . اهل والدتي اتو من مشو واهل والدي من الرباطاب وآل جبارة الله الذين رحبوا بنا وهم اهل الدار ،اتو من جنوب السودان . التقينا في امدرمان وصارت نعيمة الطيب جبارة الله التي صارت مضيفة مع ابنة الحى زهرة حامد مضيفات صديقة شقيقتي ابتسام التي غرقت مع ثلاثة من اطفالنا . كن يبتناقشن ويرتفع صوتهن وكانهن سيتعاركن وهن يناقشن روايات احسان عبد القدوس .

صرت لا افترق عن جعفر الطيب جبارة الله والتصق اخوتي الصغار بابناء العم الطيب جبارة الله . وكانت والدتهم الخالة حليمة حسين تتواجد مع والدتي اغلب الوقت .ونتبادل اطباق الطعام خاصة في رمضان . وكنا عندما نري العم الطيب جبارة الله بقامته الطويلة وملابسه الانيقة في الطريق نقف له تأدبا . وكان رجلا ملئ هدومه يستحق الاحترام .

في احد الايام شاهد العميد يوسف بدري مزمل يتسلق سور المدرسة هاربا . فقام بطرده وطلب منه احضار ولي امره او عدم الرجوع للمدرسة . وشاهدت مزمل محمود جبارة الله في غرفة ابي . ثم سمعت والدي يقول ليوسف بدري في التلفون … الولد ده ولي امرو انا . ثم طلب من مزمل الذهاب الى المدرسة .
بعد حادث طرد مزمل باربعة سنوات اراد كمال ابراهيم بدري السفر للجنوب بالطائرة وكان الموظف يقول له انه لا توجد اماكن شاغرة . وصار كمال الذي كان نائبا يمثل جنوب السودان يطلب من الموظف وضع اسمه في قائمة الانتظار . والموظف يرفض لعدم جدوى الامر . فقال كمال ياخي اكتب كمال ابراهيم بدري ورقم التلفون ، اذا في زول اتخلف انا بجي طوالي فقال الموظف …انت اخو شوقي وشنقيطي ، شيل شنطتك وتعال طوالى . وكان الموظف مزمل محمود جبارة الله . وكمال كان يقول لي . فاكر نفسي عضو برلماني مهم ولقيت حجز بسبب اخواني الصغار .
نهاية الاقتباس
عندما افكر فيما يدور في الوطن اليوم اجد نفسي غير مصدق بما عشناه وشاهدناه من روعة أمن وحب في السودان . هل كان الامر حلما ام هو خيال فقط؟؟
شوقي

‫14 تعليقات

  1. وصرت أنت بلبوساً يؤجج نار الفتنة والكراهية والعنصرية

  2. بارك الله فيك أستاذ شوقي؛ دائماً تمتعنا بكتاباتك عن الماضي الجميل الذي عشناه!!
    لقد فاضت عيناي بالدموع عند الوصول للفقرة الأخيرة:
    “عندما افكر فيما يدور في الوطن اليوم اجد نفسي غير مصدق بما عشناه وشاهدناه من روعة أمن وحب في السودان . هل كان الامر حلما ام هو خيال فقط؟؟”

    1. دكتور هشام لك التحية والشكر على المداخلة . ما يحدث في الوطن لفظاعته ولؤمه جعلنا نكاد لا نصدق ان السودان كان من اروع الدول وناسه من انبل واكرم البشر .

  3. تحية الود والإخاء استاذ بدري واحسن الله عزاكم في اخيكم جعفر ونسأل الله له الرحمة والمغفرة والعتق من النار. فعلا هكذا كان السودان وكان انسانه وقاتل الله الكيزان الذين دمروه من جميع النواحي. استاذ بدري انت انسان فيك وفاء القدامى ذوي النفوس الطيبة المتوهجة حبا للأصدقاء وبعد كل هذه العقود الطويلة في الشتات ما زلت تذكر أصدقائك وهذا من كريم اصلك ونفسك التي تفوح طيبا لأننا في زمن أصبح الأخ لا يهتم باخيه ولا يحزنه موت قريب ناهيك عن موت صديق فلله درك ومتعك الله بالصحة والعافية والسلامة وحفظكم من كل شر ولا تأبه بتعليقات البعض الذين تنز نفوسهم حقدا وحسدا ونحن ننتظر بشغف مقالاتك التي اعتبرها انا شخصيا فاكهة الراكوبة.
    مع خالص الشكر والتقدير والاحترام
    اخوكم أحمد،،،،،

    1. العزيز احمد لك التحية وجزيل الشكر على المداخلة الجميلة . . لا تهتم لمن ينتقدون . لولاهم لكان من الممكن أن اتوقف . انهم الفانز او المشجعين . اذا توقفوا فهذا يعني أم ما اكتبه ليس ذا اهمية . قبل فترة لم اكتب الا آية الكرسي فقط. كما توقعت قاموا بالهجوم والشتم….. تصور . ان قايل الحصل للسودان ده من فراغ ؟؟؟ انه فراغ الامخاج .

  4. يعقوب الزمان الثائر المجدد شوقي بدري. عبق التاريخ والإحساس الحقيقيى بالمكان ينبعث من حروفك التي تكتبها بصدق وهم انساني فريد جعلك الله زخرا لنا فانت فخر لوطنك ولطائفتك ولاحبابك
    كن بخير

    1. اكتب ومن ثم اكتب لا احد يهمه ما تكتب اكتب ومن ثم اكتب لا احد يعنيه ما تكتب اكتب ومن ثم اكتب اللغة بالغة العبرية اكتب لانك لغتك العربية ضحلة اكتب ومن ثم اكتب يا متصهين يا متسكع يا يعقوب الزمان طز

  5. شوقي لا تبخل علينا بهذه التحف،فانت زول رائع..بارك الله فيكم ونفع بكم الامة والانسانية جمعاء… وليحفظكم الله…
    اظن لسه في شوية حب بين ابناء وبنات السودان!
    تحياتي لك…

  6. الحبيب شوقي …. الواحد طبعاً صار …و من فترة طويلة جداً ..أحد مدمني مقالاتك و كتاباتك الجميلة الدسمة .. وذكرياتك الرائعة العطرة … و كل حكاويك الشيقة .

    بخصوص موضوع اليوم … ممتع كالعادة لكن قصير … بس يا أخوي كتاباتك دي ،،، نصف المتعة فيها (انها عادةً طويلة لدرجة الشبع ) هههه ،

    رجاء ما تطلع من طريقتك المعهودة ….تسلم يا أبن الأكرمين

    1. العزيز مشاوي لك التحية والشكر على المرور . كما لاحظت فلموضوع يحمل الرقم واحد . هذا يعني انني قد قسمت الموضوع الى اجزاء كما يطالبني الكثيرون . يقولون أن طول المواضيع يصدمهم ولهذا لا يدخلون عليه ز قلنا نجرب التقسيم .
      ريس بنطون كان جالي بعد طلعو البنطون على البر، لاصلاحه اتى واحد سأل الريس ألبنطون مالكم مطلعنوا البر ؟؟؟ الرباطابي قال ليه…. ما خارج معانا في الموية فقلنا نجرب البر ….. دمت .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..