مقالات وآراء

أهم تحديات تواجه تحالفات القوى المدنية (٢)

طلعت محمد الطيب

 

جملة اعتراضية تمهيدا مني لتوضيح الفكرة:.
هنا في كندا وفي آخر استطلاعات في الرأي حول مدى ثقة الناخب في العملية الانتخابية ، اتضح إن لجنة الانتخابات Election Canada
تحوز علي اكثر من ٨٠% من ثقة المواطن وذلك بعكس الاحزاب السياسية والتي تحظي بثقة اقل من ذلك بكثير. لجنة الانتخابات منظمة قومية مستقلة تتمتع بقدر واسع من الثقة والإحترام كبقية مفوضيات الانتخابات في العالم الغربي.
وبناءا علي تلك الثقة المتجددة والمستحقة ، اصدرت انتخابات كندا ” قواعد للسلوك” ، ولكنها لم تفرضها علي الاحزاب السياسية لأن الاوضاع السياسية ليست بذلك القدر من السيولة ..
في السودان كان على الحوار الوطني أن يتجه إلي تعزيز مفوضية الانتخابات في السودان وضرورة فرضها لقواعد سلوك code of conduct علي احزابنا السياسية بحيث لا تتعارض دساتيرها وممارساتها بالتالى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويكون ملزما لاحزابنا السياسية.
لكن ما أهمية قواعد السلوك؟
دعونا أولا نجتهد في تشخيص مرض الانقسامات في حياتنا السياسية السودانية ..
اعتقد أن فشل المكون المدني في الممارسة العملية وحدوث انقسامات كان لأسباب بنيوية تتعلق ببنية احزاب المعارضة نفسها خاصة احزاب الشيوعي والبعث بمسمياته.
ماهي خصائص تلك الأزمة البنيوية؟
دستور الحزب الشيوعي علي سبيل المثال ، لا يسمح علي الاطلاق لاعضائه بالاختلاف مع رأي الحزب في المجتمع المدني ، أي في المجال الذي يعمل فيه ( ق ح ت ، لجان مقاومة. تجمع مهنيين ونقابات … الخ).
من المعروف أن كل احزاب الدنيا عدا الاحزاب الشيوعية أو العقائدية بشكل عام تسمح لعضويتها بالاختلاف داخل الحزب وخارجه ايضا ، لأن ذلك يعتبر من الحقوق الاساسية للأنسان الذي يجب ان يتمتع بالحق في ان يعبر عن رأيه.
الشرط الوحيد هو ان يلتزم عضو أو عضوة الحزب بالتصويت لصالح قرارات حزبه وذلك طبعا بغرض رفع الفاعلية للحزب السياسي .
لكن حتي ذلك الالتزام بضرورة الإبقاء علي فعالية الحزب السياسي له شروط والحزب السياسى طبعا في النهاية هو عبارة عن اتحاد طوعي بين أناس يشتركون في الرؤى العامة تجاه قضايا العمل العام. والتصويت لصالح أي حزب ليس مطلقا ، اذ ان بعض القضايا ذات الحساسية تستدعي ما عرف بتصويت الضمير vote of conscious
المعضلة تكمن في أن لائحة الحزب الشيوعي ومثيلاتها من الاحزاب العقائدية تصطدم مع إدعاءات تلك الاحزاب بقبول التعددية الديمقراطية . اذ ان ما هو مسموح به لعضو الحزب ان يقول رأيه فقط داخل وحدته التنظيمية ثم يحسم الأمر بالتصويت ويصبح ملزما له . مع العلم أنه حتي اذا فاز رأيه داخل خليته ، فمن السهل جدا ان تقوم قيادة الحزب بفرض رأيها بزعم ان قرارها يحظي برأي الأغلبية (أي أنه يمثل غالبية خلايا التنظيم الاخري).
ولذلك ، وفي جميع الاحوال فإن رأي الحزب الشيوعي ظل علي الدوام يمثل رأي قيادته المتمثلة في المكتب السياسي (المسؤول السياسي والتنظيمي والمالي والاعلامي) وهم يمثلون اللجنة المركزية التي تجتمع فقط ثلاث مرات في السنة حسب ما تنص عليه لائحة الحزب في أحسن الاحوال (في واقع الأمر تجتمع ل م مرة واحدة في العام وقد لا تجتمع لمزاعم تأمينية) مما يجعل التنظيم قي قبضة أفراد المكتب السياسى ، ويصبح كالميت بين يدي الغاسل ..
مآلات مثل هذا الوضع تعتبر ذات مخاطر كبيرة علي المجال او التحالف الذي يعمل الحزب الشيوعي من خلاله كما سوف أوضح.
لابد من التنويه إلي حقيقة ان المنظمات الشمولية مثل الحزب الشيوعي تتبني مبدأ تنظيمي عرف باسم “المركزية الديمقراطية”وهو مبدأ كان قد صاغه لينين قبل اكثر من مائة وعشرين عاما تقريبا في منطقة متخلفة من العالم آنذاك هي روسيا القيصرية ، مهمة المركزية الديمقراطية هي ان تجعل التنظيم مقطع الاوصال بزعم حمايته وتأمينه من الاعداء ، فالتنظيم يتكون من وحدات تنظيمية أو خلايا قاعدية لا يجمعها رابط سوي قيادة الحزب وقبضته المركزية ، الخلايا القاعدية (تتكون من أربعة او خمسة اعضاء في المتوسط)
وهي منفصلة تماما عن بعضها لأن لائحة الحزب تنص علي حظر الاتصالات الافقية ، بمعني أنه يحرم علي العضوية آن تجري اتصالات لمعرفة ما دار في خلية أخري بحجة تأمين اسرار التنظيم.
ولذلك لا يمكن للعضو ان يطلع علي الرأي العام للحزب في قضية ما .
وهذا السبب بالذات جعلنى اعتقد أن غالبية الشيوعيين الفاعلين اليوم غير راضين عن مواقف قيادتهم ، ولكنهم لا يمتلكون القدرة علي تأكيد ما اذا كان اتجاه الرأي العام داخل حزبهم يؤكد ذلك أم ينفيه .
المركزية الديمقراطية تجعل العضوية تعيش داخل غيتوهات من المستحيل اختراقها.
الاتصالات الافقية تعتبر “تكتل”
التعبير عن الرأي الخاص في المجتمع يعتبر “انقسام”.
اتخاذ موقف مخالف لتوجيهات لجنة التنسيق (الفراكشن الشيوعي سابقا) في تحالف ما ، يعتبر خروج عن خط الحزب. وهنا لا بد من التنبيه لخطورة ما يردده بعض الشيوعيين من أن المهندس صديق يوسف كان يمثل رأي قوي الاجماع الوطني اثناء الحوار والتوقيع علي الوثيقة الدستورية ، لانه قول مردود حيث لا تسمح به لائحة الحزب الشيوعي.
وهذي كلها تعتبر من شروط العضوية الواجب الالتزام بها ، لأن الإخلال بهذه الشروط يستدعي الفصل بموجب لائحة الحزب.
اواصل

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..