أهم الأخبار والمقالات

ناشطٌ سياسىٌّ..أم محنكٌ يريدُ حلّاً..  ما الذى كان يفعلُه توم بيريلّو فى جنيف؟

عبد الحفيظ مريود

على الرّغم من احتفاء الكثيرين بالدّعوة التى وجّهها المبعوث الأمريكىّ، توم بيريلو، لطرفىْ النّزاع فى السُّودان، لمنبر جنيف، لتجاوز الأزمة السُّودانيّة، وهى دعوة وُجّهتْ عبر وسائل الإعلام، قبل وصولها للمعنيين، وعلى الرّغم من الشركاء الدوليين الذين حشدهم، إلّا أنَّ ماجريات منبر جنيف كشفتْ بما لا يدعْ مجالاً للشّك، حقيقتين صادمتين: لا تسعى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بشكلٍ مؤسّس، لإخماد نيران الحرب المستعرة فى السودان، منذ عامٍ ونصف العام. والدّليلُ على ذلك – وهو الحقيقة الثانيّة فى الوقت نفسه – هو ابتعاث ناشطٍ سياسىّ لا خبرة له، ولا معرفة كافية بتعقيدات الوضع فى السّودان، ليرتّب لمنبر تفاوضىّ يجعل الأزمة قابلةً للحلّ.

صحيح أنَّ بيريلو – الحاصل على الدّكتوراة فى القانون من جامعة ييل – كان عضواً بالكونغرس، وخدم بلاده، فيما بعد، فى منطقة البحيرات بإفريقيا، إلّا أنَّ خبرته السياسيّة فى تعقيدات الوضع السّودانىّ، جعلته الأفشل على الإطلاق، فى جهود الوساطات الدّوليّة، منذ أنْ خلقها الله. وهو الأمر الذى يشيرُ إلى قصور الرؤية الأمريكيّة فيما يتّصلُ بالعالم الثالث. ذلك أنَّ بيريلو انطلق من صورةٍ نمطيّة هى أنَّ أمريكا تملكُ دائماً العصا السّحريّة. ولنكون أكثر تحديداً: هى أنَّ أمريكا، من خلال وكلائها الإقليميين، تستطيعُ أنْ تستحوذ على القدر المطلوب من الملفّات المعقّدة، وتضعُ الأمور فى نصابها عبر اجتراح رؤية تستخدمُ فيها كروت الضّغط، والتّرغيب والتّرهيب، فيتحصل على مبتغاها فى نهاية المطاف.

فى ملفّ الأزمة السّودانيّة، اعتمدتْ الولايات المتّحدة على وكيلها القريب: مصر. ومصرُ لا تقرأ كتاب التأريخ. ذلك أنّها – على مدار الوقت – ظلّتْ تتنكّبُ الصّراط فى تعاملها مع قضايا السّودان. الجديد هذه المرّة هو أنَّها صارت مستشاراً، بعد أنْ كانت متكئةً على بريطانيا فى الحالة المشابهة، إبّان الثورة المهديّة. لكنَّ النّقطة الجوهريّة فى الحالتين هى التقديرات الخاطئة لما يجرى فى السُّودان. وتفصيل المشهد التأريخىّ هو أنّه حين بدأتِ الثورة المهديّة تهدّد مصر الخديويّة، كانت مصر واقعةً تحت الانتداب الأوربىّ/البريطانىّ. وقدّمتْ لها بريطانيا استشارات وصلتْ إلى تعيين الجنرال غردون ليحلَّ المسألة المهديّة، ويكافح تجارة الرّق. جرى تقدير الحراك ذاك تقديراً خاطئاً، انتهى بمقتل الجنرال غردون، وخروج مصر الخديويّة من السّودان.

راهناً، تتعثّر مصر – كما هو متوقّع – فى تقدير الأوضاع والأحداث فى السّودان. ولأنَّ الولايات المتّحدة تراها قريبة ولصيقةً بالملف، فقد جعلتْ منها مستشاراً. ذلك – بالضّبط – ما يجعلُ توم بيريلو، المبعوث الأمريكىّ، قليل المعرفة بتعقيدات الوضع، يصبحُ دميةً فى يد مساعد وزير الخارجيّة المصرىّ، حسام عيسى. ومعروفٌ جدّاً أنَّ مصر تتبنّى مواقف جيش الحركة الإسلاميّة، الذى يقوده عبد الفتّاح البرهان. صرّح بذلك وزير خارجيّتها، أكثر من مرّة. وبالتّالى، فإنَّ وقوع بيريلو تحت عباءة حسام عيسى، سيجعلُ فرص البحث عن حلول، فى جنيف، بحثاً عن العنقاء التى قال عنها المعرّىّ (تكبُرُ أنْ تُصَادَا).

دخلَ الشركاء، بناءً على دعوة بيريلو، جنيف، فيما لم يكنِ الرّجلُ قد تأكّدَ من حضور طرفىْ النّزاع. لكنَّ وصول وفد الدّعم السّريع أنقذ منبَرَه، إلى حين. وجد الشّركاء أنفسهم على طاولة ليستْ عليها أجندة. ذلك أنَّ بيريلو لم يكنْ يحملُ تصوّراً واضحاً، ولا استراتيجيّة. وحين رفض جيشُ الحركة الإسلاميّة بقيادة البرهان المجيئ، وجدَ الشركاء أنَّ من العبث الانتظار، لا سيّما وأنَّ بيريلو ترك جنيف، وطار – بناءً على خطّة مصريّة – للقاء وفد الجيش فى العلمين، بمصر. وحتّى هذه، فشل بيريلو فى تحقيقها، إذْ اعتذرت له مصر عن اللقاء، بحجّة أنَّ وفد الجيش “خرق البروتوكول”، فعادَ حسيراً إلى جنيف. فى الوقت الذى كان وفدُ الدّعم السّريع قد انتهز الفرصة ليخرج بتفاهمات مع المنظّمات الدوليّة، بشأن إيصال المساعدات الإنسانيّة إلى دارفور وكردفان، عبر استخدام معبر “أدرى” التشادى، الذى يسطرُ عليه الدّعم السّريع، ومعبر “الدّبة”.

وبدا أنَّ النّاشط السياسىّ، توم بيريلو، المولع بالإعلام، حريصاً على التصريحات فى كلّ صغيرة وكبيرة. لكنّ جرد حساب جهوده ابتداءً من لقاءاته برؤساء الدّول ذات الصّلة بالملف السّودانىّ، وانتهاءً باللقاءات الأمميّة، تبدو صفراً كبيراً إلى درجة أنّه لم يصدر بيانٌ عن منبر جنيف. مما يعنى أنَّ خبرة بيريلو السياسيّة فى المنطقة، وملف الأزمة السودانيّة، لا تعدو أنْ تكون حركةَ واسعة لنّاشط سياسىّ فى أوّل الطّريق، يلاحق الإعجابات والمتابعة.

يبقى انَّ المسألة المعقّدة فى السّودان، عصيّة على المعالجة، وفقاً للرؤية المصريّة المشوّشة. التى لم تستطع أنْ تستفيدَ من أخطائها التأريخيّة. وتظنُّ أنّها – بدعم التصوّرات الحالمة للإسلاميين – يمكنها أنْ توقف عجلة التغيير الحتمىّ فى السّودان. ذلك أنَّ هذه الحرب هى بداية اقتلاع جذرىّ للسّودان القديم.

‫5 تعليقات

  1. توم ود ام بعلو فاهم لكل الذي حدث و يحدث في السودان لكنه و لكي يعرف الناس حقيقة هذا الامريكي من اصول ايطالية القذر انه صديق شخصي لنصر الدين عبد الباري .. مستشار قائد الدعم السريع و كذلك اي توم عينه علي وظيفة في الامارات و قد تستمعون قريبا بها.

  2. إنه محنك يريد تفتيت السودان و إذا كانت أمريكا جادة في إيجاد الحلول لردعة الدول التي تدعم مرتزقة عربان الشتات الإفريقي و علي رأسهم دويلة الشر الإمارات و كلابها من عيال زايد و لكن إنهم لا يريدون وقف الحرب الإ بعد تنفيذ مشروعهم في السودان و هو تفتيت البلد و دويلة الشر الإمارات و كلابها من عيال زايد ينفذون مخطط التفتيت ليس في السودان فقط و إنما في دول المنطقة…

  3. أنا استغرب من ذاكرة العروبة النشطة لصانعي المحتوي الإعلامي في السودان… يقول الكاتب : “بحثاً عن العنقاء التى قال عنها المعرّىّ (تكبُرُ أنْ تُصَادَا)”.. والسوداني المستعرب عندما يريد ان يعبر عن بشاعة جرائم الحرب فانه يذكرنا بالمغول والتتار..وكانهم ابشع من مرو عبر التاريخ .. فقط لان البشاعة مورست على العرب .. رغم ان العرب باسم الفتوحات ألإسلامية قتلو ملاين البشر الآمنين الغير معتدين .. فشخصية المستعرب شخصية نرجسية لا تعترف بمعاناة الآخرين ولا تمل عن التذكير بمعاناة العرب حتى لو مضت عليها قرون.. هل هولاكو ابشع ممن مارس الإبادة الجماعية في دار فور جنوب السودان والنيل الازرق .. فكيف تحكمون..أنا لا أؤمن بان هناك عرب في السودان ولكن مستعربون .. والمستعرب اخطر من العربي .. لأنه يهرب من ذاته ويكره نفسه

  4. “صحيح أنَّ بيريلو – الحاصل على الدّكتوراة فى القانون من جامعة ييل – كان عضواً بالكونغرس، وخدم بلاده، فيما بعد، فى منطقة البحيرات بإفريقيا”.
    الما بتلحقه جدعو يكفيه دكتوراة جامعة ييل لمن يعرف ييل.
    هل السودانيين أنفسهم بما فيهم انت ملمين بتعقيدات الوضع السوداني الذي بدأ مع الجمعية التشريعية عام ٤٨؟

  5. نحن شعب مصاب بمتلازمة ما يسمى مفارقة سليمان Solmon Paradox ( مع التحفظ هنا حيث انها مصطلح اسرائيلى ) ونفتقد لبعد النظر والإستماع لصوت العقل والنظر للمشكلات من الزاوية الثالثة .. تفكيرنا فى مشكلاتنا يصطدم دوما بالتاثير العاطفى والعلاقات الشخصية لهذا تشكل القبيلة والمناطقية والعرق حاجزا يصعب تجاوزه عند التفكير فى حل مشكلاتنا .. دائما تجدنا سباقون فى ايجاد الحلول لمشكلات الآخرين ونصاب بالشلل التام والفشل المحتوم عند عصف الذهن لإيجاد حل لمشكلة تؤرقنا … كاتب المقال اجتهد كثيرا فى تحليل شخصية المبعوث الأمريكى المكلف بالعمل وسيطا لتقريب وجهات النظر بين طرفى النزاع ولم يتكرم علينا توضيح ما المطلوب منه اكثر من جمع الجنرالين فى طاولة واحدة لينهى هذا العبث بمقدرات دولة مهددة بالتشرزم والفناء … الحرب بدأت بتنازع ايدلوجى سياسى حولتها ابواق مفكرينا واعلامينا واللايفاتية الى قبلية عنصرية لا يسلم من شرها أحد .. قدرنا فرض علينا قادة يفتقدون للشجاعة والحكمة تحاصرهم جرائم الفساد المالى والأخلاقى فأحتموا بذوى القربى ووشائج الدم وتركوا مبادئهم وانتماءتهم الفكرية والحزبية وانخرطوا فى اصطفاف قبلى وعنصرى قبيح ينشرون الموت والدمار فى كل مكان .. فى إعتقادى فى مثل هكذا نوازل ليس امام الشعب سوى الأصطفاف فى جبهة مدنية واسعة تعمل على انهاء هذا القتال مستخدمين كل الوساءل المتاحة من تظاهر داخلى وخارجى وعصيان مدنى تام يجبر هؤلاء التتار ايقاف طاحونة الدمار والموت .. لا للحرب نعم للسلام فرض عين على كل مواطن/مواطنة سودانى يريد ان يجنب بلده مآلات التشرزم والتفتت والفناء !!!!!!!!!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..