مقالات وآراء

الكتابة في زمن الحرب (45) : الشباب والأحلام الضائعة وسط الرماد

عثمان يوسف خليل

 

إذا الفتى ذمَّ عيشًا في شبيبتِه
‏فما يقولُ إذا عصرُ الشبابِ مضى؟
‏وقد تعوّضتُ عن كلٍّ بمُشْبِهِه
‏فما وجدتُ لأيامِ الصِّبا عِوَضَا
‏جرّبتُ دهري وأهلِيهِ ، فما تركتْ
‏ليَ التجاربُ في وِدِّ امرئٍ غَرَضَا

‏أبو العلاء المعري

إن التفكير في الكتابة عن الشباب في زمن الحرب ، خاصةً في ظل الوضع المأساوي في السودان ، يتطلب تسليط الضوء على قسوة الظروف التي يعيشونها ، وتأثير هذه الظروف العميق على حياتهم وتطلعاتهم. فالشباب ، هم رمز الأمل والمستقبل ، يتعرضون لتحديات تهدد وجودهم ذاته ، وما يعانونه اليوم يجد صدى في كلمات الشاعر أبو العلاء المعري ، الذي عبّر في إحدى قصائده عن انعدام العزاء في التجارب الحياتية وقساوة الزمن.

الحرب الطاحنة في السودان حرمت أجيالًا كاملة من التعليم ، مما لا يهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني فحسب ، بل يجرّدهم من أدوات بناء حياة مستقرة. وحتى الشباب الذين تمكّنوا من إكمال تعليمهم ، يجدون أنفسهم أمام سوق عمل يعاني من شح الفرص ، فيجدون أنفسهم أمام مفترق طرق بين خيارين كلاهما مُرّ ؛ البقاء ومواجهة الفقر والعوز ، أو الهجرة نحو مستقبل مجهول ، محفوف بمخاطر أخرى قد لا تقل قسوةً عن تلك التي تركوها خلفهم.

ومما يزيد الطين بلّة أن الشباب في السودان يعيشون تحت تهديد دائم بالقتل والتنكيل ، ويلات يومية تجعل العيش في وطنهم معركة مستمرة من أجل البقاء. المعاناة هنا ليست مادية فحسب ؛ بل تتجذّر في النفس ، فتقتل الطموحات ، وتضعف الروابط الاجتماعية ، وتترك أثراً نفسياً عميقاً قد يرافقهم لسنوات.

الكتابة عن هذه الظروف ليست ترفًا أو مجرد توثيق للمعاناة ، بل هي محاولة حثيثة لإيصال صوت جيلٍ شجاع ، صامد وسط هذه العواصف ، إلى العالم. هي محاولة لإيجاد بارقة أمل ، وفتح أبواب لحلول عملية ، تساعد الشباب على استعادة الأمل ، ولو بشكل تدريجي ، وسط هذا الظلام الذي يحيط بهم من كل جانب ، ونستطيع ان نضيف ان الكتابة عن هذه الظروف ليست مجرد سردٍ للمعاناة ، بل هي نداءٌ إلى العالم للاستماع إلى صوت هذا الجيل الصامد ، وتقدير معاناته وتضحياته. وسط قسوة الحرب وتحدياتها ، تظل أحلام الشباب السوداني وصمودهم شعلةً تستحق أن تُصان وتُدعَم. وربما تسهم هذه الكلمات في لفت الأنظار إلى واقعهم ، وفتح أبواب لحلول تُمكّنهم من استعادة الأمل ، وبناء مستقبلٍ مشرق رغم كل هذا الظلام .. أرفعوا اياديكم عن الشباب..

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..