مقالات وآراء

أطفي الشموع وابكي النهاية

أبية الريح

(يوم في يوم غريب) !
كان رحيل الشاعر هاشم صديق لحظة حزن جمعي عميق عاشها السودانيون ، إذ كأنما توحد الجميع في لحظة وفاء حزينة، متناسين الأحداث والأزمات ليعبروا عن حبهم وتقديرهم لهذا الرجل. في تلك اللحظة ، كان السودان بأكمله يقف ليرثي شاعرًا لم يكن فقط كاتبًا ، بل كان رمزًا حيًّا لروح الشعب السوداني ونبضه.
هاشم صديق ، الذي لقب بـ”شاعر الملحمة”، لم يكن مجرد شاعر ، بل كان متعدد المواهب ؛ إذ كان كاتبًا مسرحيًا، ودراميًا تلفزيونيًا وإذاعيًا ، وناقدًا ، وأكاديميًا ، وصحفيًا. وُلد ليصبح صوتًا للسودانيين ، يعبر عن قضاياهم وآمالهم ، وقد صنع في مسيرته إرثًا أدبيًا ودراميًا حافلًا ، مميزًا بعمق إنساني وأدبي نادر.
من أبرز أعماله ، الأوبريت الشهير “ملحمة قصة ثورة”، الذي يُعد أول وأكبر عمل غنائي استعراضي في السودان. هذا العمل الذي اجتمع فيه الشعر والغناء والاستعراض ، كان تجسيدًا ملحميًا لثورة الشعب السوداني عام 1964م ، وحكاية صاغت معاني النضال والكفاح من أجل الحرية. لم تكن “ملحمة قصة ثورة” مجرد أغنية أو أوبريت ، بل كانت مرآة عكست روح الشعب ، وجمعت أصوات السودانيين في صرخة واحدة تحمل معنى الفداء والانتصار. وقد حمل هاشم صديق في هذا الأوبريت قوة أدبية وفنية جعلت من “الملحمة” رمزًا خالدًا ، يحتفي بالشعب ويتحدى القيود.
لم يكن لقب شاعر الملحمة مجرد اسم يتداوله الناس ، بل كان عنوانًا لمسيرته النضالية عبر الكلمة والفن. في أعماله الدرامية والشعرية ، نجح صديق في أن يروي قصص البسطاء ومعاناتهم ، ويجعل من حياتهم اليومية صورة ملحمية تُحكى بعمق وشجاعة ، بعيدًا عن التجميل أو المواربة. وقد منحته كتاباته مكانة فريدة في قلوب السودانيين ، فهو لم يكن فقط شاعرًا محبًا لوطنه ، بل كان مثقفًا إنسانيًا تماهى مع قضاياهم وحملها على عاتقه، ليقدم تجربته الأدبية كأمانة ومسؤولية تجاه شعبه.
واليوم ، وبعد رحيله ، لم يتبقَ لنا سوى كلماته التي باتت تعيش فينا ، وأعماله التي صارت إرثًا نتأمل فيه معاني الحب والحرية والوطنية. ورغم غيابه ، يبقى إرث هاشم صديق حيًّا في وجدان السودانيين ، و”ملحمته” تستمر كترنيمة تذكرهم بقوة الكلمة وصدق الإنسان ، لتصبح رمزًا خالدًا لوطنٍ يقدر الصادقين من أبنائه ويحفظ لهم مكانة في القلوب.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. ولسه بتقسم يا أكتوبر لما يطل في فجرنا ظالم
    وكثر الطغاة الظلمة وازداد الشعب صمودا لم نركن ونتوحد صفوف صفوف
    الدرب طويل يا هاشم في مرقدك وليكن يا هاشم قبرك نقطة انطلاق لاجيال قادمة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..