إمتحانات الشهادة وكيد الكائدين
خالد فضل
في كلمة مؤخرا للسيد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول البرهان , أشار إلى أنّ الحرب الدائرة الآن ليست حربا بين جنرالين , إنما حرب جنرال واحد ضد الشعب السوداني . هذا التوصيف الجديد للحرب استنبطه قائد الجيش بعد عام ونصف العام , لأنّه أكتشف أنّ التوصيف المرفوض (بين جنرالين) يشبه ما حدث في الصومال , وكانت نتيجته تفكيك الصومال . أمّا أنها حرب ضد الشعب السوداني فهذا أمر واضح لا لبس فيه ولا غموض , وقد بدأت الحرب ضد الشعب بقيادة الجنرالين متحدين متآلفين متحابين متعاونين على الشر من أيام فض الإعتصام في 3يونيو2019م مرورا بعرقلة مسار السلطة المدنية الإنتقالية القصيرة جدا ثم إنقلاب 25أكتوبر2021م , وليس إنتهاء بحرب 15أبريل2023م . وكون الجنرال حميدتي تسبب في قتل وترويع وقصف وتشريد ونهب وسلب وعنف جنسي وحصار لمواطنين/ات سودانيين/ات , فهذا لا تنطح حوله عنزتان , ولكن علينا الإقرار كذلك أنّ الجنرال البرهان تسبب في قتل وترويع وقصف وتشريد و بصورة أقل نهب وسلب وعنف جنسي وحصار مواطنين/ات سودانيين/ات كذلك خلال الحرب الأخيرة فقط , أمّا في حروبات القوات المسلحة السودانية , والمليشيات التي أسستها أو تحالفت معها طيلة مسيرة حروبها الممتدة منذ الإستقلال ضد جماعات سودانية توصف بالمتمردة على الدوام في الجنوب سابقا وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور لاحقا , فقد مورست كل أنواع الإنتهاكات والفظائع , ولا أدل على هول ما أرتكبته القوات المسلحة ومليشياتها ضد المواطنين والشعب من أنّ رئيسها و وزير دفاعه ومهندس مليشياتها السادة (عمر البشير وعبدالرحيم محمد حسين وأحمد هرون) ما يزالون على قائمة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية , وهي الجرائم التي وقعت وكان ضحاياها (شعب سوداني) صدف أن أرضه ومعيشته كانت في إقليم اسمه دارفور , صحيح لم تك تلك الجرائم ضد شعب سوداني في نهر النيل والخرطوم والجزيرة الجريحة اليوم . اللهم إلا في حالة واحدة , هي تصريح من القائد العام للجيش يحدد فيه بصورة رسمية (الشعب السوداني) وشروط الأهلية لنيل شرف (شعب السودان المختار) , في حال صدور مرسوم سيادي من رئيس مجلس السيادة الإنتقالي _الإنتقال إلى الديمقراطية خلي بالك_ بهذا التوصيف تكون العقدة قد انحلت تلقائيا , ولا يجوز لشخص أن يستخدم صفة الشعب السوداني خارج نطاق المرسوم الدستوري ! وعلى مستواي الشخصي بصفتي إنسان من خلق الله , سأعرف على الأقل وضعي الدستوري السيادي , وسأتعرف على السودانيين الجدد ؛ حتى لا أقع فريسة جهلي بالتجديد , وركوني للقديم , إذ في سالف العصر والأوان وحتى يوم (كم وعشرين رمضان) من ذاك العام , كنت أزعم _عن جهل_ أنّ الشعب السوداني صفة تنطبق على (عوووك خلق كتيرين خلاس) ناس في نيالا , واحدين في الكومة , وبعضهم في الميرم , وجماعة في شرق النيل , وآخرين في الضعين وبيكة والجيلي … إلخ .
التوصيف الجديد والتحديد للشعب السوداني الذي يحاربه جنرال واحد أمر ضروري وعاجل , فإمتحانات الشهادة الثانوية السودانية المؤجلة ستعقد في مواقيتها 28 ديسمبر 2024م , لأنّ والي ولاية نهر النيل المكلّف د. محمد البدوي أبوقرون يريد إرسال رسالة للمغرضين . والمفوض بمهام وزارة التربية والتعليم المكلف د. أحمد خليفة عمر يعتبرها أبلغ رد على مطلقي الشائعات . ووزير التعليم المكلف بنهر النيل أحمد حامد إدريس يريدها إرسال رسالة تبيّن استقرار السودان رغم كيد الكائدين . كل هذه الأهداف العظيمة التي يريد تحقيقها السادة (الدكاترة) أعلاه تتم بمباركة من قيادات الهيئة النقابية لعمال التعليم , والإتحاد المهني للمعلمين بولاية نهر النيل . وشذّ السيدان , مدير الإمتحانات عماد عبدالقادر , وقائد سلاح المدفعية عطبرة لأنهما قالا قولا يتعلق بدورهما (المهني) في مسألة عقد الإمتحانات . ويبدو أنهما من (القحاتة والجنجويد) المندسين في الخدمة المدنية والعسكرية ؛ حسبما أفتى قبل أيام الجنرال ياسر العطا عن الفئتين المنبوذتين (من الشعب السوداني الجديد) ؛ واللتان تجدا الحماية من أعضاء في (مجلس السيادة) أو كما قال !! .
السادة خبراء التربية والتعليم وواليهم الهمام وهيئتهم النقابية وإتحادهم المهني يرسلون الرسائل الباهرة المعبّرة فعلا عن (الشعب السوداني) بالتوصيف الجديد , ربما تكون وصلتهم بخرة عن المرسوم السيادي الذي سيرى النور للفصل الدستوري في تعريف الشعب السوداني , ونحن أصلا معتادين من زمان على صفتي (قديم /جديد) من أيام توقيت د. عصام بتاع البكور , والجنية القديم والجديد , بل السودان نفسه (قديم /جديد) يجوز كذلك لشخص قديم مثلي السؤال , دي إمتحانات الشهادة السودانية بالقديم أم بالجديد ؟ .
على أرض الواقع _حتى الآن على الأقل_ يوجد مواطنون سودانيون من بينهم أولاد وبنات يفترض أن يكونوا قد أدوا إمتحانات الشهادة الثانوية في شهر يونيو 2023م , المواطنون هؤلاء يعيشون في أراض سودانية تسيطر عليها قوات الجنرال الآخر الذي يشن الحرب ضد الشعب السوداني , هذه الأراضي شاسعة المساحات , تشمل , معظم أحياء مدينة الخرطوم والخرطوم بحري وشرق النيل بإمتداد حتى ودالحداد في ولاية الجزيرة , وشمالا حتى تخوم ولاية نهر النيل , وبعض أحياء أم درمان جنوبا حتى مشارف مدينة الدويم في ولاية النيل الأبيض , وغربا حتى الحدود التشادية وإفريقيا الوسطى بإستثناء بعض المدن , الأبيض , وكادوقلي , والنهود وبابنوسة في كردفان , والفاشر وضواحيها في دارفور . هناك ملايين السودانيين يعيشون , بعضهم يتعرض للمضايقات , والقتل وكافة الإنتهاكات ضد حقوق الإنسان , وبعضهم يعيش بدون تعرضه للإنتهاكات , مثلما يتعرض مواطنون آحرون في مناطق سيطرة الجنرال البرهان لما يتعرض له رصفاء لهم تحت رحمة الجنرال حميدتي . بإختصار , توجيه رسالة بأنّ السودان آمن ومستقر عبر عقد إمتحانات الشهادة يعتبر هدف (تسلل) غير صحيح , التربويون يعرفون أن الهدف يجب أن يكون (مقاس ومكمم). توجيه رسالة للمغرضين والكائدين , لا يعتبر كذلك من الأهداف التربوية , الإمتحانات لا تحتوي على أي رسائل سياسية , بل لقياس ما تم تحصيله في المواد العلمية . استغلال مناسبة عقد الإمتحانات لعرض هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار لستين يوما مثلا يمكن أن يقدم رسالة إنسانية ذات محتوى سياسي إيجابي أفضل مليون مرّة من الرسائل الخائبة التي شبع منهاالشعب السوداني القديم أيام حكم المخلوع البشير , مثل هذه الهدنة ستوفر فرصة لتجربة (عمل مشترك) بين الجنرالين بعد فرقة مؤقتة , وربما ستفتح الأبواب الموصدة بالتعنت , وستلجم على الأقل شن الجنرال الآخر لحربه ضد الشعب وتلاميذنا /تنا لستين يوم , وفي ذلك خير . يمكن الإستفادة من تجربة التوافق بين الجنرال حميدتي والجنرال المحامي عبدالواحد في سنة من السنوات الماضية أثناء امتحانات الشهادة السودانية , حيث تمكن بعض الطلاب/ات من أداء الإمتحانات في مركز تجميع بموافقة وتسهيل قوات الدعم السريع / قوات عبدالواحد . هذا الإتجاه في تقديري أفضل من الإصرار على إعتبار إمتحانات الشهادة السودانية وكأنها معركة من أجل الظفر بالنصر أو الشهادة ؛ أي الموت . هذا بالطبع مرهون بإعتبار أنّ الشعب السوداني هو الشعب القديم . والله غالب .