مقالات وآراء

الأدب يهزم القبح ويبقى ذاكرة للحروب

الصادق أحمد عبيدة

الحدث الأدبي الأشهر في فرنسا هذا الموسم هو أن يفوز لأول مرة كاتب روائي جزائري بجائزة غونكور الأدبية الرفيعة .. فقد تُوِّجت رواية الكاتب كمال داؤود بعنوان “Houris” ، ويمكن ترجمتها بالحوريات أو ربما (الحور العين) عن دار غاليمار بالجائزة التي تقدمها سنوياً أكاديمية غونكور لمكافأة أفضل عمل أدبي مكتوب باللغة الفرنسية ، شريطة أن يتميز العمل عن غيره بسعة الخيال والثراء الأدبي.

وكمال داؤد مواليد 1970م بمنطقة مستغانم بالجزائر. كان من الصحفيين المغضوب عليهم في بلاده خلال فترة الحرب الأهلية في التسعينات لجرأته في فضح الفساد ، وتقصير الدولة ، والعنف ، والمتاجرة بالدين ، وعدم المساواة مما أضطره إلى الهجرة الى فرنسا والإستقرار بها والتجنس بجنسيتها ومواصلة مشروعه الكتابي هناك. وعُرِف عن كمال داؤود عداؤه للإسلاميين ومحاربته لهم منذ إنسلاخه من فكرهم على أيام المراهقة التي قضاها في حظيرة الأخوان .. ويقول عن نفسه في عدة لقاءآت انه كان إماماً في مسجد المدرسة قبل أن يبتعد عن كل ماهو إخواني ويعمل كصحفيّ على فضحهم ..
اصدر عدة روايات بجانب عمله الصحفي ،والحوريات هي روايته الثالثة.

تناول الكاتب في رواية “الحوريات” أحد المواضيع المحظورة في الجزائر الحالية. إذ يحظر القانون الجزائري أي مادة تستدعي الحرب الأهلية التي ضربت البلاد في الفترة من 1992م لغاية 2002م وهي الحِقبة التي تعرف بالعشرية السوداء..
تناول داؤد في “الحوريات” العذابات المرتبطة بتلك بالفترة المظلمة من تاريخ الجزائر، وخصوصاً ما عانته النساء. ذلك من خلال تقديمه لشخصية الشابة “أوب” ذات ال 26 ربيعاً وهي مفروضٌ عليها أن تتذكر دائماً حرب التحرير الجزائرية التي لم تعيش أحداثها ، وان تنسى في ذات الوقت الحرب الأهلية في التسعينات التي عاشت فظاعتها ، ولا زالت تحمل آثارها في جسدها جرحا في شكل ابتسامة حول عنقها منذ ان ذبحها أحد الإسلاميين في العام 1999م ، مما أدى إلى تلف حبالها الصوتية ، فأضحت خرساء تحلم باستعادة صوتها.
تحت ظل هذه القوانين لا تستطيع أوب أن تحكي قصتها إلا لإبنتها التي تحملها في بطنها ، ولكن كيف يمكنها الاحتفاظ بهذا الجنين ، وهل يمكن أن يمنح الحياة مَن كادت أن تُنتَزع منه؟ في بلد يسنُّ قوانيناً صارمة ليعاقِب بها كل من يتطرق للحرب الأهلية ، تعود أوب إلى حيث البدايات في قريتها ، عسى أن يجيبها الأموات ..
اختار الكاتب منطقة وهران مسرحاً لبداية الرواية ، حيث درس و عمل صحفياً ينقل أخبار المجازر أيام الحرب الأهلية وإختزن كثيراً من ذكريات تلك المرحلة ، ثم تتجه الرواية نحو الصحراء في إياب البطلة (أوب ) إلى قريتها.

تباينت ردود الأفعال حوّل فوز داؤود بجائزة الغونكور ، ولكن أهمها هو حظر الرواية من المشاركة في معرض الجزائر العاصمة الدولي للكتاب الذي ينطلق هذه الأيام في الفترة من 6 إلى 16 نوفمبر 2024م ، كما أنها لم تترجم إلى اللغة العربية .. كذلك حُرمت دار (غاليمار) الفرنسية من المشاركة في المعرض لأن الكاتب ودار النشر تعمدا مخالفة المادة القانونية التي هدفت في الأساس إلى المصالحة الوطنية ونسيان الماضي الأليم .

ولكن هل القوانين الأرضية وحدها كافية لنسيان ما تخلفه الحروب ؟ .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..